لا أمان وظيفيّاً في لبنان

24 يونيو 2015
احتجاجات شعبية للمطالبة بحقوق العمال (الأناضول)
+ الخط -
"لا يمكنني طلب زيادة راتب، مخافة طردي"، تقول الموظفة رولا (52 عاماً). تعمل رولا بحدود عشر ساعات يومياً. تقوم بتنظيف المؤسسة التي تعمل فيها، فضلاً عن تقديمها القهوة، والشاي... بدأت عملها منذ ثلاث سنوات براتب يصل إلى 525000 ليرة (350 دولاراً).

تدفع رولا مواصلات يومياً 8000 ليرة، بسبب المسافة البعيدة بين منزلها وعملها، أي ما يقارب الـ200 ألف ليرة شهرياً. يتبقى لها من راتبها حوالي 330000 ليرة (220 دولاراً). خلال ثلاث سنوات ارتفع راتبها مئة دولار فقط. ولم تطلها الزيادة التي طالت بقية الموظفين، وذلك عدا عن استثنائها من التسجيل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتأمين أسوة بغيرها من العاملين في المؤسسة ذاتها. أمّا زينة (38 عاماً)، فتعمل في مؤسسة تابعة للدولة. عملها يقتصر على تقديم القهوة والشاي، ولكن لا راتب لها. عوضاً عن ذلك، تودَع لديها الطوابع الرسمية لتقوم ببيعها لزبائن المؤسسة بزيادة قيمتها 500 ليرة على ثمن الطابع الحقيقي، وبذلك تتمكن من تحصيل راتبها. طبعاً، لا تحصل على أي ضمانات اجتماعية، كونها ليست موظفة رسمية.

يبلغ الحد الأدنى للأجور في لبنان 868 ألف ليرة لبنانية (579 دولاراً)، ومع ذلك لا ينطبق هذا الحد الأدنى على جميع العاملين في لبنان. فهناك العديد من المؤسسات التي لا تزال تحتال على القانون. هذا عدا عن أنه وفي حال استطاع الموظف الحصول على الحد الأدنى، فهذا المبلغ لا يكفيه، حسبما يقول أحد الموظفين الذين يتقاضون ما قيمته الحد الأدنى. إذ "يبلغ إيجار منزله حوالي 500 دولار، يضاف إليه المصاريف اليومية للطعام والمواد الأساسية وكلفة المواصلات. ما يعني أن الحد الأدنى للأجور بالكاد يكفي لسداد بدل السكن. لذلك من المستحيل أن يكون للمنزل معيل واحد، ما يتطلّب عمل أكثر من فرد في الأسرة".

مؤشر الغلاء
وفقاً لدراسة أجراها الاتحاد العمالي العام، يجدر بالحد الأدنى أن يُرفع إلى مليون ومئتي ألف ليرة كي يتناسب مع الأسعار المرتفعة. يؤكد رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، لـ"العربي الجديد"، أنه "حين تم تصحيح الأجور عام 2012 تم عقد اتفاق بين الحكومة والهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام يقضي بأن يراجع الحد الأدنى للأجور سنوياً بغية تصحيحه وفقاً للتغيّرات ووفق مؤشر غلاء المعيشة، إلّا أن أحداً لم يلتزم بمتابعة المسألة بشكل جدي". ويرى غصن أنه "من الضروري تصحيح الأجور بنسبة 37% قياساً على غلاء المعيشة المتراكم خلال السنوات الثلاث الأخيرة". ويشرح غصن أن "زيادة النسبة ورفع الحد الأدنى للأجور بقيمة متوازية، يحركان الأسواق ويعززان القدرة الشرائية".

أما مدير المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين، أحمد الديراني، فيجد أنه "من الضروري قبل الحديث عن الرواتب، أن يتم البحث بمشكلة فرص العمل نفسها. فعدم تنظيم سوق العمل أدى إلى الأزمة الموجودة حالياً". يؤكد الديراني أن "القطاعين العام والخاص يتبعان آليات للتهرّب من الضمانات. منها التعاقد مع شركات مقدمي الخدمات التي باتت موجودة في كل مكان. فـ90% من الموظفين التي تقدمهم هذه الشركات لا يملكون أي ضمانات اجتماعيّة.

فضلاً عن كون غالبيتهم من العمالة الأجنبية، الأمر الذي يزيد نسبة استغلال الشركات لهم، وبالتالي يحصلون على رواتب متدنيّة، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً من هؤلاء العمال تراوح رواتبهم بين 300 و400 دولار، أي تحت الحد الأدنى". يلفت الديراني إلى أنه "حتى في مؤسسات الدولة نفسها، لا سيّما في مجال التعليم بمختلف مراحله، هناك 31000 متعاقد لا يملكون أي ضمانات اجتماعية". يهدف ذلك، وفق الديراني، إلى خصخصة هذه المؤسسات، خصوصاً أنه في ظل الأزمات وانعدام المراقبة في سوق العمل، من الطبيعي أن يلجأ المواطن إلى قبول أي راتب".

لا يتفق رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، محمد شقير، مع الديراني، إذ يشير إلى أن كل الشركات تحترم الحد الأدنى للأجور. ويؤكد أنه، بحسب أرقام الضمان الاجتماعي، هناك 500 ألف موظف مسجّل لديه. كما أنه، وبعكس الرأي الشائع بين كثير من الاقتصاديين، يرى أن الحد الأدنى في لبنان هو أعلى من الحد الأدنى في بقية البلدان المحيطة به. وعن الأسعار المرتفعة، يقول شقير إنّ هناك فرقاً بين واجبات القطاع العام ومسؤولية القطاع الخاص. فـ"الدولة اللبنانية هي المسؤولة عن التعليم والمواصلات، ولا يمكن تحميل القطاع الخاص مسؤولية الدولة وتقصيرها".
المساهمون