زهير برو: اقتصاد لبنان لن يتطور مع النهب والفساد

02 يونيو 2015
اتحاد حماية المستهلك نسخة عن النظام العربي (العربي الجديد)
+ الخط -
يكشف رئيس جمعية حماية المستهلك في لبنان، زهير برو، الكثير من الملفات الساخنة. وبوضوح تام يدل، في مقابلة مع "العربي الجديد"، على الأزمة البنيوية في الاقتصاد اللبناني واحتكاراته وفساده.

وهذا نص المقابلة:

* كرئيس جمعية حماية المستهلك في لبنان، وفي ظل ارتفاع الأسعار، هل تمّ إعداد مؤشر أسعار المستهلك؟ وهل أظهر تراجعاً في الأسعار بموازاة تراجع سعر برميل النفط العالمي؟

يتم إعداد مؤشر أسعار المستهلك كل ثلاثة أشهر، وقد أظهر المؤشر بشكل قاطع حجم الاحتكارات في السوق وتفاهة الاقتصاد اللبناني. هذا الاقتصاد لن يتطور بسبب عمليات النهب الحاصلة. هذا ليس اقتصاداً حراً كما يدّعون، بل هو اقتصاد احتكارات. بعد ثلاثة أشهر من هبوط أسعار النفط 50% بالحد الأدنى، وهبوط اليورو 30%، أظهر مؤشر المستهلك أن الأسعار لم تتراجع، بل زادت بنسبة 2.2%.

للأسف، السوق اللبنانية تحت سيطرة الاحتكارات، عبر الاتفاقات السياسية المعلنة وغير المعلنة. والصراع فيما بين القوى السياسية، يهدف إلى اقتسام مغانم السلطة. هذه المشكلة لا تحل إلا إذا تحرك اللبنانيّون أنفسهم. كما أن التعرض لهذا الموضوع بالذات من أحد الممنوعات الأساسية في لبنان. برغم ذلك، لا شك لدينا في أن الإصلاح يبدأ من الاقتصاد، عبر إصدار قانون للمنافسة، والحد من الاحتكارات، وتطبيق قانون المستهلك.

* ما هي الصعوبات التي تعيق عمل الجمعية، خصوصاً في ظل غياب القوانين التي ذكرتها؟

حتى في حضور القوانين، ومنها قانون حماية المستهلك، الذي هو القانون الأفضل في العالم، هناك دائماً صعوبات. المشكلة أن السلطة السياسية تدوس بأقدامها على الدستور، وتطبَق من القوانين الأجزاء التي تناسبها. فمن يقرأ الدستور اللبناني يعلم أن ما يحكم لبنان اليوم هو مرجعيات تتحكم في البلد، وهي فوق الدستور. نحن اليوم خارج منطق الدولة ومنطق القوانين، فهناك مجموعة زعامات قبائلية عشائرية تتحكم في لبنان.

اقرأ أيضا: سوق العقارات في لبنان: "نار يا حبيبي نار"

*هل هناك أي تطورات بشأن محكمة المستهلك، والمجلس الوطني لحماية المستهلك، وقانون المستهلك؟

منذ عام تقريباً، أعلن وزير الاقتصاد أنه سيبدأ بإطلاق عمل محكمة المستهلك، ومنذ أسبوعين دعا إلى أول اجتماع. وقد بدأ التحضير لعمل المحكمة، وتتألف المحكمة من ثلاثة أعضاء، ليلى الحركة ونبيل الفهد والقاضي سمير شيخاني الذي يرأس المحكمة. أما المجلس الوطني لحماية المستهلك، فقد اجتمع خلال عشر سنوات أربع مرات فقط، من دون أن ينتج عن هذه الاجتماعات أي شيء.

هذا المجلس شأنه شأن قانون المنافسة وقانون حماية المستهلك، تم تعطيلها. طلبنا مراراً فصل المرجعية الحكومية للمستهلك عن أي مرجعية حكومية أخرى للتجار أو للصناعيين أو للزراعيين. إذ يجب أن تكون مرجعية هذا القانون مستقلة؛ لأن التضارب في المصالح مفضوح وواضح وتم إثباته بالعمل اليومي. هناك 34 قانوناً أصدرها المجلس النيابي ولم تطبق ولم تصدر مراسيمها حتى اليوم، منها قانون حماية المستهلك. فقد أثبتت الوزارات أنها وزارات للتجار وليست لحماية المستهلك، وهذا ما يفسر ممارساتها. وبالنتيجة، ندعو، كجمعية، إلى أن تكون المرجعية مستقلة بالكامل، تعمل فقط لمصلحة المستهلكين.

اقرأ أيضا: البضائع المنهوبة في بيروت: من "البابوج" حتى "الطربوش" 

*ما هي نسبة الفساد الغذائي في لبنان مقارنة مع البضائع الموجودة في السوق؟
لا يمكن إعطاء أي رقم دقيق حول نسبة الفساد الغذائي في لبنان، إذ لا يمكن تحديد النسبة الفعلية، ولكن يمكن أن نقول إن الفساد الغذائي هو القاعدة، لا الاستثناء. وحملة وزير الصحة وائل أبوفاعور ضد الفساد الغذائي كانت واضحة في هذا الاتجاه، وأظهرت أن جميع القطاعات، من دون استثناء، لديها مشاكل في مطابقة المواصفات. بالتالي، ومن دون الخوض في تفاصيل حول النسب والمعدلات، يمكن القول إن المشكلة عامة، لذا يجب إعادة هيكلة سلامة الغذاء لتصحيح المسار السائد. خصوصاً أن قانون حماية المستهلك غير مطبق، والهيئة الوطنية لسلامة الغذاء غير موجودة، والآليات التي تؤدي إلى إنتاج سلامة الغذاء غير متوافرة.

* قيل الكثير عن تلوث المياه في الضاحية الجنوبية لبيروت، ما هي تطورات هذه القضية؟

اكتشفنا، بعد التحقيقات، أن المشكلة الأساسية في قضية الضاحية ليست في المياه، فالمياه المستخدمة جيدة ونظيفة، وإنما هي في الشبكات. وهذا لا يعني بالضرورة أن يكون العطل من الشبكات نفسها. فما يحصل هو أنه يتم التعدّي على الشبكات وفتحها بطريقة غير صحيحة لسرقة المياه من قبل أصحاب الخزانات الخاصة، ليتم بيعها فيما بعد للمستهلك، وعند الانتهاء يقفلونها بطريقة عشوائية. وحين تنقطع المياه وتفرغ القساطل، تحدث عملية شفط بفعل التسرّب، وبفعل أيضاً الطريقة العشوائية التي أقفلت بها الشبكة، محدثة فراغاً من الهواء يتسبب في التلوث.

لقد رفعنا الشكوى إلى البلدية ووزارة الطاقة والمياه، وطالبنا بضرورة معالجة هذا الموضوع بشكل جذري لما يتسبب فيه من تلوث وخطر على حياة المواطنين. وحتى اليوم، لم يتحرك المعنيّون لحل المسألة.

اقرأ أيضا: عطش لبنان... هموم المواطن اليومية مع مياه الشرب

* هل تعتبرون أن حملة وزير الصحة وائل أبوفاعور على الفساد الغذائي مجدية، في ظل عدم محاسبة الفاسدين أو متابعة أصل الفساد؟

بالنسبة لنا، طرح موضوع الفساد كعنوان عام هو أمر طوباوي. هناك مثل يقول "كل ما كبر الحجر الواحد ما بصيب". عندما نتكلم بعناوين عامة من دون أن نأتي على ذكر التفاصيل لمعالجتها، هذا يسمى هروباً. عنوان الفساد لا يمكن لنا أن نفهمه إلا ضمن إطار الترجمة العملية. بالنسبة لحملة الوزير أبوفاعور، فهي تأتي ضمن هذا السياق.

البعض يتحدث عن أهداف سياسية، ممكن جداً، ولكن نحن كجمعية غير معنيين إلا بالوقائع، بالنسبة لنا هذه الحملة مهمة أولاً كاستمرارية، فهي دخلت شهرها الخامس. ثانياً، أدت إلى موافقة اللجان النيابية على قانون سلامة الغذاء. ثالثاً، أظهرت هذه الحملة حجم الفساد الموجود في الغذاء. ورابعاً، أثبتت أنه يمكن لوزير وحده أن يقوم بحملات، حتى لو قامت عليه حرب شعواء، من قبل الوزراء أو الإعلام. موقفنا كجمعية قاطع.. أي حملة ممكن أن تدخل في مسار حماية المستهلك، ندافع عنها. لذلك نحن إلى جانب هذه الحملة، ونعتبر أن إنجازاتها هائلة.

* ما هي أبرز المشكلات التي تواجه المستهلك اللبناني والعربي؟

صفة المستهلك العربي اليوم هي صفة المواطن. فمشكلات المستهلك هي مشكلة المواطن اليومية: من النقل والمواصلات مروراً بالغذاء وصولاً إلى الاتصالات والتعليم والتربية. طبيعة هذه المشاكل وتعقيداتها نابعة من الإرادة السياسية الحاكمة في لبنان وفي الدول العربية.

اليوم، إذا نظرنا إلى الاقتصاد اللبناني، يمكننا وصفه بكلمتين "نظام يعرج على إجرتين ونص"، على القطاع المصرفي المالي وعلى قطاع التجارة والعقارات. وخارج هذا الموضوع كل القطاعات الثانية مهملة بالكامل، من قبل الحكومات المتعاقبة. طبيعة الأنظمة السياسية هي التي تحدّد التوجه الاقتصادي - الاجتماعي لهذه الحكومات المتعاقبة. الخيارات الاقتصادية واضحة، منحازة بطبيعتها إلى هذه السلطة وتشابك علاقاتها، الطبقة السياسية الحاكمة إمّا أن تكون هي نفسها طبقة التجار أو على علاقة بها. يوجد تشابك مصالح لم نستطع فصله عبر تاريخنا الحديث، في أي دولة عربية.

* كيف يمكن معرفة تفاصيل هذا الترابط بين السلطة وأصحاب الأموال والتجار؟

يمكن التعرف على هذا الترابط من حالة المستهلكين والمواطنين في العالم العربي. مثلاً، النظام الضريبي في كل دول العالم وظيفته واضحة، يهدف إلى خلق استقرار اجتماعي، عبر تحصيل الضرائب على الأرباح من الشركات الكبرى، وتخفيف الأعباء عن الفئات الفقيرة. وعبر هذه الضرائب يتم تأمين حاجات البلد من جهة، وحاجات الرعاية الاجتماعية للفئات الأضعف في هذه المجتمعات، من جهة أخرى.

في عالمنا العربي ما هو قائم مختلف تماماً. إذا أخذنا حالة لبنان مثلاً، سنرى أن التحصيل الضريبي يأتي من الفقراء والطبقة الوسطى، ويأتي على الاستهلاك بالدرجة الأولى، سواء كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. إذا أخذنا فاتورة الخليوي كمثال فهي تؤمن حوالى المليار ونصف المليار دولار سنوياً، وهذه كلها ضريبة غير مباشرة وغير معلنة توضع في أصل الفاتورة.

الوزراء المتعاقبون اعترفوا بأن هذه ضريبة غير مباشرة على الاستهلاك، فهل يعقل أن يدفع الفقير الذي لا يتعدى دخله الحد الأدنى للأجور على الخليوي المبلغ نفسه الذي يدفعه الغني؟ هناك عدم عدالة اجتماعية بالكامل. وهناك تهرب ضريبي هائل. معظم الشركات الكبرى لا تدفع ضرائب، أو تدفع رسوما وتعلن عن خسائر سنوية. نسبة الأرباح في العالم الغربي ونسب الضرائب التي تحصل على الأرباح تتراوح بين 40 و45%. في لبنان لا تتجاوز 5 أو7%. أما البقية فتأتي على الاستهلاك. هذا يعني أننا قمنا بعملية انقلاب على الأسس التي بني عليها النظام الضريبي. وهذه إحدى أهم الأسس الرئيسية بمفهوم الدولة الحديثة. هذا موضوع خطير جداً.

مجتمعاتنا اليوم منقسمة، إما ابتدأت فيها عملية الزعزعة والدخول في أتون الحرب الأهلية، أو تنتظر دورها. اليوم من لا يقرأ الوقائع الاجتماعية الاقتصادية، فهو لا يقرأ شيئاً. السياسة ليست رغبات وليست أيديولوجيا، بل واقع اقتصادي اجتماعي.

اقرأ أيضا: أمين عام المجلس اللبناني للخصخصة: هذه خبايا الفساد

*ما هي نشاطاتكم على صعيد العالم العربي؟

نحن عضو في الاتحاد العربي للمستهلك، الذي أنشئ عام 2000. هذا الاتحاد يضم حوالى 13 دولة عربية. منذ تأسيسه حتى اليوم ما زال رئيسه، الدكتور محمد عبيدات، من الجمعية الأردنية للمستهلك، على الرغم من طلبنا المتكرر بضرورة تغيير الرئيس كل أربع سنوات. ولكن هذا الاتحاد أتى كنسخة طبق الأصل عن الأنظمة العربية. لا فاعلية له، ونشاطاته عبارة عن مجرد اجتماع سنوي، حسنته الوحيدة أن الجمعيات تلتقي وتناقش مشاكلها وتحاول إصدار بعض التوصيات.

إمكانات متواضعة لرصد المخالفات
يتألف الهيكل الرئيسي لجمهية المستهلك في لبنان من 50 شخصاً يعملون في اختصاصات متنوعة، بين سلامة الغذاء والقانون والهندسة الزراعية وغيره، وتتألف المجموعة المساعدة من حوالى 600 شخص يعملون كل بحسب اختصاصه في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، لرصد المخالفات وإعداد الأبحاث والدراسات، بالإضافة إلى شبكة علاقات مع المواطنين اللبنانيين.

تعمل الجمعية في لبنان منذ 17 عاماً، وقد فتحت عددا كبيرا من القضايا المرتبطة بمصالح المستهلك، منها قضية الفواتير الجائرة للخليوي، والفساد الغذائي، والفساد في المياه المعبأة، إضافة إلى قضايا الاحتكار وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية في لبنان، وقضايا حقوقية ومطلبية. أما بالنسبة للتمويل، فتقوم جمعية المستهلك في بعض الأحيان بمشاريع تدريب على سلامة الغذاء مع البلديات أو المطاعم والأفران وغيرها، مما يؤمن لها مداخيل متواضعة تساعد في تأمين الحد الأدنى من احتياجاتها لضمان استمرارية عملها.

وتتوزع المهام داخل الجمعية على أقسام مختلفة، وهي: قسم مراقبة وسلامة الغذاء، قسم الزراعة والبيئة، قسم توعية المستهلك، قسم المتابعات القانونية وقسم الإعلام. والجمعية هي عضو في جمعية المستهلك الدولية التي تمنح هذا التوصيف للجمعيات الملتزمة بالشروط الدولية المطلوبة.

بطاقة
الدكتور زهير برو، متخصص في طب العائلة، ويمارس اختصاصه في لبنان وفرنسا. يرأس جمعية المستهلك منذ تأسيسها في عام 1998، وهو في صراع متواصل مع مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد اللبنانية، نتيجة انتقاداته المتكررة ومطالباته بتحصين المستهلك اللبناني وحماية مصالحه.


المساهمون