السوق السوداء تقبض على الاقتصاد الليبي

04 مايو 2015
الأسعار تخضع لمعايير السوق الموازية (فرانس برس)
+ الخط -
ليست السوق السوداء مكاناً محدداً يمكن الذهاب إليه، بل يشير المصطلح إلى جملة من العمليات التجارية المحظورة التي تتم بصورة سرية عادة، على نحو مخالف للقيود والقوانين التي تفرضها الحكومات على عمليات البيع والشراء، والتي تتخذ أشكالا مختلفة كالتقنين وتحديد الأسعار وتحريم بيع السلعة تحريماً كلياً في بعض الأحيان، وذلك بحسب تعريف "شبكة المحاسبين العرب". وباختصار، السوق السوداء هي مجموعة من الممارسات التجارية غير المشروعة.

بئر العملة الصعبة
في ليبيا، انتشرت السوق السوداء في كافة المجالات التجارية، وأصبح المواطن الليبي، سواء كان موظفاً حكوميّاً أو تاجراً يعمل لحسابه الخاص، يلجأ إلى السوق السوداء كونها تسهل على التاجر توفير العملة الصعبة.

أما بالنسبة للمواطن فإنه يلجأ إليها عند حاجته للعملة الصعبة بهدف العلاج أو السفر، نظراً لكون المصارف الليبية تعطي مبالغ محدودة، ونادراً ما يحدث ذلك، لا سيما في ضوء إيقاف الاعتمادات المصرفية للتجار.

يتحدث أحد سكان العاصمة طرابلس، أيمن أحمد، عن تأثره بالسوق السوداء، فيقول: "ارتفاع الأسعار، ولا سيما أسعار البضائع المستوردة، يرفع العبء على الطبقة الفقيرة وأصحاب الدخول الثابتة نسبياً، فضلاً عن استغلال التجار، وقيامهم بإخفاء السلع وافتعال أزمات لتحقيق مكاسب بدون حق، مما يزيد من سعر السلع، ويؤثر سلباً على القدرة الشرائية"، ويضيف أحمد: "بالنسبة إلى الدولار، نلجأ أيضاً إلى السوق السوداء لشراء العملة بسعر أعلى من سعر الصرف.

هذا الشيء أثر علينا بشكل كبير، خاصة أن العائلات الليبية تلجأ للعلاج خارج ليبيا".
يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور أبو سيف اغنيه، إن "السوق السوداء أو الاقتصـاد المـوازي، حيثمـا كان، ومهما كان حجمه وشكله، فإنه يمثل خطراً يهـدد التوسـع الاقتصادي، لاسـيما من خلال التجارة غير القانونية وتدهور الإنتـاج، وفقـدان المـوارد الجبائيـة، علاوة على الأخطار التي يشكلها على الصحة والأمن العموميين".

ويضيف اغنيه: "ظاهرة السوق السوداء موجودة في أغلب الدول، ولكن بدرجـات متفاوتة، بما فيها الدول المتطـورة اقتصادياً، وهي موجودة فـي ليبيا بشكل جلي، وبدرجة ربما تشـكل خطراً على الاستقرار الاقتصادي والأمني للبلاد".

ومن المعلوم أن ليبيا تعتمد اعتماداً شـبه كامل علـى النفط والغاز فـي الحصول على العملـة الصعبة، ما يدفع، في ظروف الصراع الذي تشهده، ببعض الأطراف التي تجد نفسها في موقف ضعيف سياسياً، إلى اللجوء للسوق السوداء، لكي تبرز أهميتها اقتصادياً، ما أدى، بحسب الخبير الليبي، إلى تدهور شديد في أرصدة الحساب الجاري وأرصدة المالية العامة، بسبب حصار منشآت النفط، الذي أَّدى إلى هبوط عائدات النفط بنسبة 71%، وأيضا بسبب استمرار الحكومة في سياستها المالية التوسعية.

ويرى اغنيه أن الآثار السلبية الناتجة من السوق السوداء تتلخص في نقاط هي "فقدان جزء كبير من الدخل الضريبي، وتشويه المؤشرات الخاصة بسياسة الاستقرار الاقتصادي للدولة، والمغالاة في معدلات التضخم، والتأثير على السياسة النقدية وعلى أسعار السلع والخدمات".

من جهته، يقول الخبير المصرفي، الدكتور محمد يونس، لـ"العربي الجديد"، إنه "بصفة عامة، كلمة السوق السوداء تعني السوق التي يباع فيها ويشترى كل شيء بعيداً عن القانون، ولا تخضع للرقابة أو القوانين السارية في كل دولة، وتنشأ هذه السوق إما بسبب كون السلعه محظورة أو ممنوعة أو محتكرة من قبل الحكومة، مثلما يحدث في ليبيا بخصوص احتكار الوقود والسلع التمونية، عندما تنقص أو تقل في السوق المحلية (الرسمية)، أو مثلما يحدث في العملات الأجنبية، تظهر هذه السلع في السوق السوداء، التي تسمى أحياناً بالسوق الموازية، وفي ليبيا يقدر حجم السوق بحجم الميزانية المخصصة للدعم والتي تقارب التسعة مليارات، يذهب أكثرمن نصفها، أي حوالي بين خمسة مليارات وستة مليارات، إلى السوق السوداء على أقل تقدير".

وعن حجم السوق السوداء بالأرقام، يقول يونس، "نظراً لعدم وجود شفافية أو إحصائيات عن الاقتصاد بشكل عام، فإنه يصعب تقدير حجم التجارة في هذه السوق"، ويشير يونس إلى أن تأثيرها على المواطن يتمظهر في انخفاض الدخول الحقيقية وتراجع القدرة الشرائية، نتيجة لبيع المواد بسعر أعلى من سعرها الأصلي، بالإضافة إلى عدم ثقة المواطن بالدولة في توفير احتياجاته وصعوبة الحصول عليها بشكل ميسر، وأحياناً عدم تمكنه من الحصول أساساً.

إقرأ أيضا: فقراء عدن يروون قصص الهرب بحراً
المساهمون