القرى اللبنانية المهمّشة... معاناة المناطق الحدودية مستمرة بعد التحرير

19 أكتوبر 2015
حصاد الزيتون في منطقة كفركلا (حسن عمار/ فرانس برس)
+ الخط -
تمتد مساحات شاسعة عند حدود لبنان مع فلسطين المحتلة، ويعتبر قضاء مرجعيون من الأقضية الكبيرة في الجنوب اللبناني، ويضم 32 بلدة، منها 26 بلدة لديها مجالس بلدية محلية، تعاني من كثافة الهجرة والوهن الإنتاجي.

عانى أهالي قضاء مرجعيون من الاحتلال الإسرائيلي وحروب عديدة منذ نشوء الكيان الصهيوني. وكغيره من الأقضية الجنوبية، دفع سكانه فواتير الاحتلال الغالية، والتي توزعت بين شهداء سقطوا وجرحى ما زالوا يعانون حتى اليوم وأسرى ضاعت سنوات حياتهم في سجون الاحتلال. والمعاناة لم تتوقف عند هذا الحد، حيث إن نسبة كبيرة من أهالي قضاء مرجعيون لجأوا إلى السفر خارج البلاد بحثاً عن رزقهم واستمرت التضحيات حتى العام 2000 مع خروج الاحتلال الإسرائيلي من المنطقة. اعتقد يومها أبناء القرى المحررة أن العذاب والحرمان والتهجير سوف ينتهي، وأنهم سيعودون إلى أراضيهم مكرمين لينعموا بحياة مستقرة ودولة حاضنة. لكن الأمل حتى اللحظة مفقود، فشكل الدولة في هذه المنطقة غير معروف، حيث تغيب أو تُغيّب المؤسسات والمصانع والبنى الاقتصادية، ويحرم المزارعون من أبسط حقوقهم، حتى مزارعو التبغ تخلى عدد كبير منهم عن هذه الزراعة بسبب الجهد الكبير في مقابل المردود المالي القليل.

"مقومات الحياة غير موجودة"، يقول حسين إبراهيم، ابن قرية دير سريان الحدودية، ويضيف: "المستشفيات نادرة، والموجود منها غير مجهز بأبسط المعدات الصحية، والمدارس شبه فارغة من الطلاب وقرى قضاء مرجعيون تعتبر مصيفاً ليس أكثر، نتيجة الهجرة والنزوح نحو بيروت، باستثناء القليل من السكان الذين لا يجدون بديلاً عن قراهم".

لا خدمات ولا عمل
"هي منطقة تواجه دوماً العدو الإسرائيلي"، بهذه العبارة يبدأ رئيس مركز البحوث والاستشارات الخبير الاقتصادي الدكتور كمال حمدان حديثه لـ "العربي الجديد"، عن قرى مرجعيون. حيث يعتبر أن حركة المبادلات والتجارة وتنقّل الأفراد مفقودة، والنخب الأساسية هاجرت من قضاء مرجعيون منذ زمن وبقي من لا يمتلك أي بدائل معيشية أخرى. كما أن المنطقة، وفق حمدان، تفتقر للبنى التحية التي تربطها بالقرى الجنوبية الأخرى، وهي بعيدة، والوصول إلى قضاء مرجعيون صعب بسبب غياب الطرقات الواسعة والخط السريع. كما أن أكبر قراها وأبرزها قرية الخيام المنتجة نسبياً، تعاني من عزلة، فهي بعيدة عن القرى المحيطة.

ويضيف حمدان أن الزراعات في المنطقة هي بعلية، ولم يستفد القضاء من تطوير الزراعة كي تتطور إلى المروية والأكثر إنتاجية. ويشير إلى أن الخدمات تعتمد على الأفراد والبيع بالتجزئة، في حين أن الوجود الصناعي شبه معدوم في تلك المنطقة، وهذا جزء من مشكلة أعم وأشمل بسبب تراجع الصناعة في البلد ككل.

ويعتبر حمدان أن هذه المنطقة كانت من أكثر المناطق عرضة للهجرة الخارجية، ومن نتائجها ازدياد تحويلات المغتربين التي يتم استثمارها في بناء المنازل وتأمين معيشة القاطنين في القرى. أما إنشاء المصانع والمعامل والمؤسسات فغير موجود في مناطق الأطراف، وذلك بسبب التمركز الاقتصادي في العاصمة، والخلل التنموي الفظيع والذي يظهر من خلال نسب النمو الإنتاجي المحققة في بيروت وجبل لبنان في مقارنة مع باقي المناطق. ويشرح حمدان أنه فوق سياسات التهميش العامة في لبنان، تضاف إلى مشاكل مرجعيون قضية القرب من مراكز الاحتلال، وخوف الاستثمار الخاص في مقابل الإهمال الاستثماري الرسمي. ويختم حمدان أن الخدمات في المناطق الحدودية تقتصر على المتاجر الصغيرة وخدمات التعليم المحدودة، التي لا تخلق فرص العمل ولا تؤمن الاستقرار.

من جهته، يعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة أن المشكلة تكمن "في الدولة اللبنانية التي لا تقوم بواجباتها، فتقصير الدولة موجود في كل الأقضية. والطرقات غير مؤهلة، والمستشفيات إن كانت موجودة فهي غير مجهزة، والمصانع والمزارع غائبة، ومن هم داخل الضمان الاجتماعي لا يعتبرون مضمونين أصلاً وحقوقهم مهدورة، فالدولة عاجزة عن إزالة النفايات من المدينة حتى، ومركز القرار معطل". ويشير الدكتور حبيقة إلى ضرورة دعم صمود أهالي قضاء مرجعيون وخصوصاً المزارعين منهم. ويختم بالقول إن من قرر العودة بعد تحرير الأرض يستحق العيش بكرامة وأن ينال حقوقه كاملة.

اقرأ أيضا: اقتصاد لبنان رهينة الأزمات المستمرة

معاناة المزارعين
بدوره، يشير رئيس جمعية المزارعين في لبنان أنطوان حويك إلى أن من حق مزارعي التبغ في الجنوب أن يدخلوا الضمان أسوة بباقي المواطنين، وهذا الحق يجب أن يشمل كل المزارعين على الأراضي اللبنانية. وعن أهالي قضاء مرجعيون، يعتبر حويك أن عدم إدخال المزارعين في الضمان يندرج بإطار تهجير المواطنين من قراهم ليعملوا في مجالات أخرى، وهذا الأمر ليس وليد الصدفة بل هو نتاج خطة وتوجيه متعمد من قبل الإقطاع السياسي الحاكم، فيعمل المزارع كأجير في المدينة ويترك أرضه مرغماً ومن دون اعتناء.

ويضيف حويك أن المشكلة تكمن في سياسة الدولة وفي الأحزاب المسيطرة التي لا تعنيها أزمات الناس ولا دعم المزارعين. ويعتبر أنه لو أنتج المزارع في قضاء مرجعيون الكثير من الحبوب مثلاً سيعاني من مشكلة تصريف محصوله، وهذا الأمر ليس بالبريء فالحكام يمتلكون شركات تجارية وشركات تصدير، ولا يريدون للزراعة أو غيرها من وسائل الإنتاج أن تزدهر.

في المقابل، يقول رئيس بلدية القنطرة، إحدى قرى قضاء مرجعيون، عبد الحميد الغازي، إن "القضاء اليوم بحالة نهوض، والمدارس مفتوحة للطلاب، وإن المسؤولية تقع على عاتق الجميع، فالدولة عاجزة عن تقديم الخدمات بسبب الضعف وقلة الأموال". وعن نواب المنطقة، يعتبر رئيس بلدية القنطرة أنهم يقومون بواجباتهم تجاه أهالي المنطقة بشكل ممتاز. وعن غياب المصانع والمعامل يقول الغازي إن "مرجعيون من المستحيل أن تكون منطقة صناعية وذلك صعب"، من دون تعليل الأسباب. ويختم رئيس بلدية القنطرة بأنهم كبلديات في القضاء، يسعون جاهدين لتحسين ظروف المنطقة من خلال القيام بالعديد من المشاريع التي تطور ظروف العيش كتأمين الكهرباء للمواطنين من مولدات تابعة للبلدية. ورداً عن سؤال إن كان المواطن سيدفع بدل فاتورة الكهرباء الواحدة اثنتين، يجيب الغازي: "صحيح، يدفع فاتورة للبلدية وأخرى للدولة"!
المساهمون