في مزاج النهر

06 أكتوبر 2015
لوحة للفنان الفلسطيني محمد جحا
+ الخط -
رثاء

لو أن شخصًا ما، أحبكِ.
قال: "لا تنــسيْ.."،
وطيّرَ قبلة لكِ.
،
لو تذكرتِ العبارة، مرتين، وأنت تطوين الثيابَ،
وتمتمت شفتاك:
"لن
أنـ
سـ
ـى".
،
ولو أن الرياح - كنايةً عن أي شيءٍ - حطّمت
قلب الفراشةِ:
"قال لا تنسيْ، وغابَ".
،
ولو تذكّر، بعد لأيٍ، فاصطفى لك وردة
حمراءَ أو مائيةً،
وركضتِ من بابٍ لبابٍ..
،
لو تثاءبت الورود، وأنت تروين الحكاية.
وابتسمتِ
وانت تلقين الكتاب.


النهار المهرّج

حركات فكاهية للنهار؛
يطير إلى واجهات زجاجية،
وينام
على أسطح الأبنية.

قدماه تطولان أو تقصران،
وحولهما
تثب السخرية.
،
أتأمّله من وراء الستارة،
ما بين أسنانه قشّة، ويدندن لحنًا
سحيقًا،
عن الأودية.
،
أعرف الأغنية،
هذه الأغنية.
،
آهِ..
يا للنهارات إذ تستطيل، فتصبح أطول ممّا هي.

اقرأ أيضاً: المفردة الأكثر غباء

الكلمات

لا شيء فيها غير عادي.
تمرّ،
كأنها سرب من السحب البطيئة
في مزاج النهرْ.
،
لكأنها شيء من الحلم،
التقاء الساكنين،
خروج شيء عن طبيعته وعودته إليها،
علبة جوفاء،
أو طيارة ورقية،
أو ريشة من طيرْ.
،
لا شيء فيها..
آخذ الكلمات من جهة إلى أخرى،
وأُغرق ما أرى في الحبرْ.
،
صوتي صدى،
ويدي ملطخة بدماء قتلاي:
المعاني وهي تخسر كل شيء حولها
وتصير شيئا واحدا، لا غيرْ.


اقرأ أيضاً: وترٌ خامس للكمان

اسمي: قصي

أنت تنسين،
لا تتذكّر عيناك ما رأتا..
لا النهار الذي لم أزل عالقًا في ظهيرته
لا قصيدتك الأمّ،
لا بحرها،
لا الطريق الذي صار أغنية،
لا أنا.
،
كلّما ركضت كلماتي إليك - كأنك أخت لها -
ارتطمت رغبتي بالزجاج،
كأنك لم تدخلي جسدي، قبل هذا،
ولم تخرجي منه!
،
- هذا أنا.
هل تذكرتني؟
،
أنت تنسين..
عمّا قليل، أذكّر عينيك بي، فتصيران أكبر
،
عمّا قليل،
نسير معًا، في الطريق الذي صار أغنية.
وأقول لك: اسمي قصيّ.
تقولين:
واسمي كذا..

لو

لو كنتِ لي لعرفتُ،
لكني انتظرتك:
جئت بعدُ، وجئت قبلُ،
ولم أجدكِ.
،
لو انتظرتِ، دقيقتين على الرصيفِ،
رأيتِ وجهي في بخار الصبح أحمرَ،
مضحكًا.
لو كان لي حظّ رأيتكِ
،
ربما..
كنا سنملأ مقعدين، ونختفي
شيئًا فشيئًا
في الحنينِ
كأننا لم ننجرف من قبل في هذا النهار.
،
وكنتُ - لا متأكدًا - سأقولُ شيئًا ما
فتستلقين، فورًا، في مخيلتي.
،
ولكني وحيد.
أنتِ أيضًا في مكان ما، هناك،
وحيدة.
،
لم يهو ظلّك،
لم تمرّي من هنا.
وأنا كذلك،
قلت:
ما جدوى الوقوف على الرصيف إذا مررت
ولم تريني؟

قلت أكثر..
آه، لكن المعاني أبقت الكلمات
وانجرفت بعيدًا.


زهرة

كما لو تغمّدني النومُ،
رحتُ أفتشُّ طياتِ جسمكِ عن زهرةٍ ما،
نَمَتْ عند مخرجِ لفظٍ،
ولم أدرِ ما هوَ..
،
لم يمضِ ليلٌ وحيداً،
كما جاءَ،
لا ظلّ لم أشعلِ النارَ فيهِ،
ولا نظرةٌ لم أصلْ قبلها..
- هكذا أصبحتْ نظرتي لا لزوم لها -
،
كلما ارتبتُ في زهرةِ،
قلتُ:
ها هيَ.
،
لم ينجُ شيءٌ،
سوى الوقتِ..
،
حتى إذا ما تبدّتْ
أخيرًا،
وجدت حياتيَ جرداءَ، صامتةً، حولها.


اسم


لو كان مكانًا..
ضيّعتُ على حرف فيه،
سبيلي.
،
لو كان سبيلًا،
لاستعجلتُ قليلًا..
كي لا يمحوني الليل،
،
ولو كان الليلُ.. لنمتُ به، أو همتُ..
وأرسلتُ،
إلى آخر نقطة حبرٍ فيه،
عويلي.
،
لو كان الحيوان، لبدّلتُ ثيابيَ،
وارتبتُ بما يعرج من كلماتي.
،
لو كان كلامًا،
لاستعملتُ الجهل على نفسي،
وازددتُ به علمًا.
،
لو كان الجهل،
ركضتُ إلى حجر أعمى،
واستكثرتُ قليلي.
،
ما أوسع هذا الاسمَ،
وما
أضيق
تأويلي.


خط الجنازة

سوف أقضي الظهيرة منتظرًا،
لن يمر ..
سوى عقربِ الساعة.

امرأةٌ تتأمل خط الجنازة:
- يحمل تابوته ميتٌ، ويسير وحيداً..
أما عاد يحفل بالموت إلا الذي ماتَ؟
يا للحياةِ!
،
- تُرى، من يكون الذي ماتَ؟
يسألني عابر،
فأقول:
- أنا.
- كيف كانت حياتك؟
- جيدة، في العموم.
،
ويسأل:
- ماذا تركت وراءك؟
- شمسًا على باب بيتي، وأغنيتين
تقولان أشياء عادية
والحوار القصير الذي دار ما بيننا،
ههنا.
المساهمون