حدثتني الذاكرة ومضت

16 يونيو 2015
(دار ريسلنغ للنشر)
+ الخط -
يقف الكاتب والفنان الفلسطيني سلمان ناطور، كل صباح على شرفة بيته المطلة على مسجد القرية "دالية الكرمل" ليستمع إلى آذان الفجر ويطمئن أن المؤذن لن ينادي باسمه لحظة وفاته كما هي عادة أهل القرية. لحظتها يسعد كثيراً لهذه الحقيقة ويفرح لأنه زال حياً ليتابع عمله حول شهادات فلسطينيين ممن شهدوا النكبة، وليأخذ من أفواههم قصصاً حية يدونها قبل أن تموت بموتهم. ويتساءل في نفس الوقت "ألوم الذاكرة لأنها تخونني وألومها لأنها ترفض أن تخونني، ولا أعرف كيف أتعامل معها، بكثير من الحب أم بحقد أعمى ...".

يجسد الكاتب سلمان ناطور معاناة اللجوء والنكبة في ثلاثيته "ذاكرة ، سفر على سفر، انتظار"، وقد ترجم الجزء الأول إلى اللغة العبرية البروفسور يهوده شنهاب- شهرباني حيث يفتتح الكاتب سلمان ناطور الجزء الأول من ثلاثيته" ذاكرة" باختصار فاجعة الشعب الفلسطيني ويقول "ولدت بعد حرب 1948/ دخلت المدرسة في حرب السويس/ أنهيت الثانوية في حرب حزيران/ تزوجت في حرب اكتوبر/ ولد طفلي في حرب لبنان/ ومات أبي في حرب الخليج/ حفيدتي سلمى ولدت في الحرب التي ما زالت مشتعلة".

يعدد الشيخ أبو محمد أحد أبطال "ذاكرة" والذي هو نفسه بطل النسخة العبرية، عن الكثير من المجازر التي ارتكبها الاسرئيليون قبل النكبة، حيث يقول "ومن خلال تجاعيد وجهه تستطيع أن تعرف أن تاريخ نموه تماماً مثل الحلقات على جذع شجرة الزيتون، فالخط الأول الذي يمتد من أعلى حنكه وحتى طرف حاجبيه يكون عام الثورة الأول، وهو يشبه الشق السوري الإفريقي، ومنه تكون البحر الميت ونهر الأردن، والخط الثاني الذي تقوس على أسفل جبهته تكون عام القحط، والخط الثالث المتعرج فوق الخط الثاني تبلور عام التشريد وهو يحتوي على عشرين طعجة، وأما الخط البارز وهو الذي يمتد من "النيع" الأيمن حتى "النيع" الأيسر ويختفي فوق الذقن فهو خط الاحتلال، وليس من قبيل التهريج أن يصبح أبو محمد خارطة لتاريخ فلسطين".

يحفل الكتاب بنسختيه العربية والعبرية بأسماء أماكن فلسطينية مُحيت وطُمست وحلت مكانها أسماء عبرية، وتعمد الكاتب هذا حتى تحفر هذه الأسماء في الذاكرة، فالبيئة الفلسطينية حاضرة في كل نص مثل البئر، وخربة أبو حرب، ومخيم جنين، وبابور الطحين، ومعصرة الزيت.

وقد قُدّم النص على شكل عرض مسرحي في ذكرى يوم النكبة على مسرح الميدان بمدينة حيفا، حيث اعتمد العرض على الجزء الأول من الثلاثية. وروى ناطور بنفسه على المسرح حكاية النكبة كما سمعها من الناس، وقدم صوت فلسطين ولم يكن ثمة أداء مسرحي هنا لأن ما قاله حقيقة لا خيال. لذا جاء العرض عبارة عن مجموعة من النصوص والحكايات التي تربط بين ذاكرة المؤلف والذاكرة الجماعية الفلسطينية، وهي تستعرض، الفترة الممتدة منذ أيام الانتداب البريطاني، وأحداث النكبة، وما تبعها من كوارث للشعب الفلسطيني، على ألسنة ثلاثة أبطال يعيدهم جميعهم ناطور على خشبة المسرح وهم، الشيخ أبو صلاح، والشيخ عباس، وعبد الحسن.

(كاتبة فلسطينية)
دلالات
المساهمون