الحالة الغريبة لتوتنهام...أسباب تكتيكية حولت ويمبلي إلى لعنة

29 اغسطس 2017
توتنهام يجد صعوبات في ملعب "ويمبلي" (Getty)
+ الخط -

خسر فريق توتنهام خمس نقاط على أرضه ووسط جماهيره، في آخر مباراتين في الدوري الإنكليزي، بعد لعبه هذا الموسم على أرضية ملعب ويمبلي، بينما خسر نفس الفريق أربع نقاط فقط طوال الموسم الماضي 2016-2017 على ملعب "الوايت هارت لين"، في دلالة واضحة على صعوبة الهروب من دوامة ويمبلي، وسقوط بوكيتينو ورفاقه في فخ الماضي، لقد تحول توتنهام إلى حديث الصحافة البريطانية، بعد بدايته المخيبة للآمال على مستوى الأداء والنتائج.

العقدة
منذ تأسيس ويمبلي الجديد عام 2007، لعب توتنهام على هذا الملعب 12 مباراة حتى الآن، فاز فقط في مباراتين، وتعادل مثلهما، وخسر في ثمان مباريات، مما جعل الجميع يتحدث عن العقدة، فيما يخص علاقة "السبيرز" بالملعب التاريخي للإنكليز، ليجد بوكيتينو نفسه في مأزق حقيقي، بسبب عدم قدرة لاعبيه على التأقلم مع الملعب الحالي، بعد ترك معقلهم القديم، لأعمال التجديد والصيانة في انتظار الموسم المقبل.

ويعتبر هذا الأمر مقلق عندما يتعلق بنتائج توتنهام ومستقبله هذا الموسم، لدرجة أن أنطونيو كونتي مدرب تشيلسي تحدث عنه خصيصاً بعد لقاء الفريقين، ضمن المرحلة الثانية من البريميرليغ، عندما صرح بالنص قائلاً "الأجواء رهيبة في ملعب ويمبلي، تشجيع وحماس وتقاليد غير عادية، لذلك يمثل حافز للجميع، ليس فقط لصاحب الأرض بل للخصم أيضاً". وتأتي كلمات الإيطالي لتلقي بظلها على كافة خصوم بوكيتينو، فالفريق خرج مبكراً من دوري الأبطال في الموسم الماضي، بعد لعبه على أرضية ويمبلي، رغم عدم صعوبة المجموعة.

وحتى في نصف نهائي الكأس، فاز تشيلسي على توتنهام بأربعة أهداف مقابل هدفين، وبالتالي فإن فريق شمال لندن يلعب في ملعبه على الورق فقط، لأن ويمبلي بمثابة قبلة الجميع بلا استثناء، لدرجة أن برشلونة هزم مانشستر يونايتد بسهولة في 2010 خلال نهائي دوري أبطال أوروبا على نفس الملعب، الذي لم يشفع أبداً للشياطين الحمر بل شعر الكتلان أيامها وكأنهم على أرضهم وفي بلادهم، لكن يرفض لاعبو توتنهام وصف هذه الظاهرة باللعنة، حتى ماوريسيو نفسه صرح بأن الهزيمة قد تحدث في ويمبلي، والوايت هارت، وأي مكان، لذلك لا يجب الوقوف عندها كثيراً، لكن وفق لغة الأرقام والإحصاءات فإن الخلل لا يعد مجرد حظ أو سوء طالع، بل يبدو وأنه أعمق من ذلك قليلاً.

جولة للتاريخ
وبالعودة إلى نهاية حقبة التسعينات، لعب آرسنال هو الآخر على ملعب ويمبلي القديم، وقدم مباريات سيئة للغاية خصوصاً في عصبة الأبطال، ليخسر المدفعجية خلال أكثر من مناسبة، ويعاني حتى العودة إلى هايبري. وأفردت صحيفة "تليغراف" البريطانية تصريحاً قديماً لأرسين فينغر عن تلك الواقعة، "قررنا اللعب في ويمبلي بناء على تشاور الإدارة والطاقم التقني، لكنه كان قراراً خاطئاً، فلم يشعر أحد بأننا نلعب على أرضنا، وتضاعفت الفجوة بين اللاعبين والجمهور، حتى العشب نفسه مختلفاً، لذلك لم يتكيف الفريق مع الوضع الجديد، حتى العودة إلى الملعب القديم".

تخبرنا لغة الأرقام أيضاً بالفارق بين ويمبلي ومعظم الملاعب الإنكليزية، حيث أن حجم الملعب 105 متر طولاً و69 متر عرضاً، بما يعادل 7245 متر مربع وفق الموقع الرسمي للملعب العريق، بينما يبلغ حجم الوايت هارت 100 طولاً و67 عرضاً، بما يعادل 6700 متر مربع، ويظهر هنا الفوارق الشاسعة بين الجانبين، والتي وضعت توتنهام وقبله آرسنال في ورطة حقيقية، تأكدت على صعيد النتائج والإحصاءات داخل المستطيل الأخضر وخارجه.

يحدد حجم الملعب واتساعه طريقة لعب الفريق، برشلونة على سبيل المثال يعشق الملاعب الكبيرة، حتى يستطيع فتح الملعب عرضياً وتمديد الهجمة قدر المستطاع، لذلك ربما فاز بآخر ثلاثة نهائيات في أرضية واسعة، روما ثم ويمبلي وأخيراً برلين. ونتيجة صغر حجم الوايت هارت، فإن توتنهام استغل هذا السلاح لصالحه، بتضييق الخناق على منافسيه، وتطبيق خاصية الضغط المرتفع في نصف ملعب الخصم، من أجل غلق زوايا التمرير أمام حامل الكرة، وإجبار المدافع المقابل على التشتيت أو ترك الكرة، سعياً لمرتدة قاتلة تنتهي بفرصة أو هدف.

رأي تكتيكي
كلما صغر حجم الملعب، كلما تمكن فريق توتنهام من الضغط على خصومهم، وفي حالة اتساع الطول والعرض، فإن المجموعة تضطر لبذل مجهود بدني أكبر، لأنها ستقطع أمتاراً أطول بالكرة ومن دونها. حتى عند الاستحواذ والسيطرة، فإن عملية بناء الهجمة تحتاج إلى وقت إضافي، من أجل خلق التفوق النوعي بالتمركز، أو لعب العرضيات من أماكن بعيدة أسفل الأطراف.

وهذا ما يؤكده بالإحصاءات موقع "سكواكا" المختص في مثل هذه الأمور، بناء على تحليل أوليفر يونغ الذي وضع يده على الجرح فنياً، فتوتنهام يمرر بمتوسط 18 متر خلال هذا الموسم "ويمبلي"، بينما مرر بمتوسط 20 متر خلال الموسم الماضي "الوايت هارت"، في إشارة واضحة إلى صعوبة لعب الكرات القطرية والطولية في ويمبلي مقارنة بالوايت هارت، لأن الملعب الجديد أكبر وأكثر طولاً وعرضاً.

وعلى مستوى صناعة الفرص، يتمركز معظم فريق توتنهام على الجبهة اليمنى فقط، مع نسيان الجبهة اليسرى تماماً، نتيجة قوة إريكسين في الاحتفاظ بالكرة ودخول ديلي آلي في العمق، مع غياب داني روز بشكل شبه متعمد، بالإضافة لكبر الملعب عرضياً، مما يجعل أمر التحكم في الطرفين والمنتصف شبه مستحيل في افتتاحية الدوري، لذلك يمكن التقليل من خطورة السبيرز، بتضييق المساحات فقط على النجم الدنماركي.

يعتمد توتنهام أيضاً في طريقة لعبه على عملية البناء من الخلف، من خلال التحضير المنظم بالثلث الأول، بتواجد ثلاثة مدافعين أمام المرمى رفقة الظهيرين، لتزيد خيارات التمرير أمام حامل الكرة، مع رمي الكرات الطولية من الدفاع إلى الهجوم مباشرة، ويحدث ذلك إما بصعود الظهيرين ووقوف إريكسين وديمبلي في وبين الخطوط، أو بتحركات وانياما وديلي آلي بالخلف والأمام، حتى تنتقل اللعبة من الثلث الأول إلى الثلث الأخير دون عناء أو إرهاق، وساهم صغر الوايت هارت في نجاح هذه الخلطة التكتيكية، أما ويمبلي فأثر بالسلب على البناء من الخلف، الضغط، صناعة الفرص، والتحولات.

قدرات بوكيتينو
أثبت الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو أنه واحد من أفضل المدربين في العالم مؤخراً، ونجح اللاتيني في صناعة أسلوب فريد من نوعه، وصنع شخصية أقوى للنادي في غضون سنوات قليلة. وقدم القائد تجربة رائعة منذ قدومه إلى إنكلترا، أولا مع ساوثهامبتون ثم حاليا أثناء قيادته للسبيرز.

يحافظ التلميذ النجيب لمارسيلو بييلسا على مبادئ الضغط، واللعب بدفاع متقدم مع محاولة قطع الكرات في نصف ملعب الخصوم، لكنه صار أكثر نضجا مؤخرا، بالميل إلى التوازن الدفاعي وضبط التحولات أثناء الرجوع من الأمام إلى الخلف. وبعد ثقل خبراته في البريميرليغ، انتقل هذا النضج سريعا إلى فريقه، ليجمع توتنهام نقاط عديدة أمام مختلف المنافسين، ويحتل المركز الثاني بسلم الترتيب بعيدا عن البقية.

ونتيجة للعمل التكتيكي المُبهر للرجل وخبراته العريضة، فإنه مرشح بقوة للتغلب على لعنة ويمبلي الحالية، فالمدرب نفسه تعرض لهذا الموقف من قبل مع توتنهام في بداية عمله عام 2014، حيث اشتكى من صغر حجم وايت هارت، مقارنة باللعب التموضعي الذي يتطلب مكان أكبر. وعانى الأرجنتيني في بداياته مع هذا الوضع، حتى نجح في التكيف معه، ودرب لاعبوه على الاستفادة من هذه الملاحظات لصالحهم، حتى تحول توتنهام إلى أحد المرشحين الكبار على اللقب.

يصارع توتنهام الحالي عامل الوقت أولاً والتأثير الإعلامي والجماهيري ثانياً، لأن مشكلة ملعب ويمبلي ستحل آجلاً أم عاجلاً، بالتدريب والتكتيك وتوظيف اللاعبين بالشكل الصحيح وفقاً للمجريات الجديدة، لكن تكمن الخطورة فقط في إمكانية ابتعاده عن المنافسة في ظل ضياع النقاط، لذلك كان الفريق محظوظاً بسبب فترة التوقف الحالية، حتى يستطيع ماوريسيو ضبط البوصلة مرة أخرى، والتعامل مع التحديات الحالية بحنكته المعروفة وذكائه المعهود.

دلالات
المساهمون