(كتاب ساكي 5) أوركسترا بارما والانتقال لميلان

25 ديسمبر 2016
ساكي ومسيرته من بارما للميلان (العربي الجديد/Getty)
+ الخط -

ينشر موقع "العربي الجديد" حلقات مترجمة من كتاب "أريغو ساكي.. كالتشيو توتالي"، تتناول حياة أسطورة التدريب، والذي لم يلعب الكرة بشكل احترافي خلال مسيرته، ونجح في قيادة العديد من الفرق إلى القمة في فترة الثمانينيات، ما يلي الحلقة الخامسة:

حينما وصلت لتدريب بارما كان يجب إعادة بناء الفريق من الصفر تقريبا. سمح هذا الأمر لي باتخاذ قرارات متأنية. كنت سلمت المدير الرياضي ريتشاردو سوليانو مجموعة قوائم لكل مراكز الفريق المطلوبة وفي كل واحدة منها كتبت خمسة أسماء. إذا لم يجلب لي سوليانو الخيار الأول فإنه لم يكن ليجلب الثالث أو الرابع أو الخامس، بل كان يأتي بثاني الخيارات.

تمكنّا من إبرام صفقات جيدة. لم ننفق أكثر من خمسة مليارات ليرة وأبقينا في خزائن النادي  أكثر من مليار ليرة. نجحت في صناعة فريق جيد من الشباب الذين أثق فيهم وهذا شيء مهم للغاية بالنسبة لي، لأن هذا سيعني تمكني من الاعتماد على حماسهم ومهنيتهم.

أتذكر أن إيتالو ألودي اتصل بي في إحدى المرات قبل الموسم وقال لي "أريغو.. إياك والخطأ. إذا ما حدث هذا فستدفع الثمن غاليا". كانت كلمات ألودي بالطبع بسبب ما تم إنفاقه في إعادة بناء الفريق.

تعرفت أيضا في جهازي الفني على بيترو كارميناني وفيشينزو بينكوليني المعد البدني. لم يكن اللقاء الأول بيننا سهلا، حيث أتذكر أنني قلت لهما بحسم "مهمتكما هي التعاون معي لأن هذه هي رغبة (ريتشاردو) سوليانو، ولكن أنا سأكون صاحب الكلمة الأخيرة". نظر كل منهما للآخر ولم يبديا أي اعتراض. لم أترك لديهما انطباعا جيدا. هذا هو ما اعترفا لي به بعد ذلك بسنوات.

تدريبات مجنونة
هكذا بدأت مغامرتي في بارما بين آلاف التوترات والضغوطات والآمال ومدينة كاملة تنتظر لمعرفة من هو أريغو ساكي هذا القادم من فوسينانو ويتحدث عنه الجميع. أعددت برامج وحصصا تدريبية في معسكر تيزيانو. كانت الأمور كلها جديدة ومختلفة. كان هناك حوار دائم مع بينكوليني وكارميناني وتوافق في ما يتعلق بمسألة الإعداد البدني الذي كان ثوريا بالنسبة لفريق كرة قدم، حيث وصلنا بالحمل التدريبي لأبعاد لم تكن معروفة حينها.

زادت ثقتي في بينكوليني وكارميناني بسبب ولائهما ومهنيتهما، حينما كان يوجد شيء يعتبرانه خطأ، لم يترددا في إخباري من دون مراوغات. جعلني هذا الأمر أكثر انفتاحا وسمحت لهما بالعمل بصورة أكبر، بعدما تأكدت أن هذا الأمر سيعود على الفريق بالنفع. ظلا معي طوال مسيرتي تقريبا سواء في ميلان أم أتلتيكو أم ريال مدريد.

كانت التدريبات البدنية مجنونة. كنا نحتاج لتقديم كرة قدم سريعة تتطلب نفسا طويلا وذات وتيرة مرتفعة. كنا نتدرب في بارما على ملاعب (ستوارد) في سان بانكراتسيو. في بعض الأحيان كنا نذهب لملعب (شيتاديلا) في وسط المدينة. كانت كلها ملاعب صعبة، بل سأقول كارثية، ولفظ كارثية هنا لتجميل الصورة.

حينما كان يمر أحدهم من أمامنا ويتوقف لمشاهدة التدريبات كان يتعجب. كان هناك شعور بأن شيئاً ما يتغير وسط كل هذه السرعة والحماس والصراخ. كنت أسمع عبارات "إنك تقتلهم" أو "إنها ليست تدريبات إحماء بل غليان".

اعتاد الجميع على سماع صراخي لأنني كنت أرغب في أن يكون للاعبين رد فعل فوري. كرة القدم بالنسبة لي ترتكز على قراءة جيدة للوضع. يجب أن يرد اللاعبون على موقف معين في نفس الوقت. الأمور كلها تتعلق بفريق متقارب ومنظم يتحرك كأسطوانة ضغط في مرحلة عدم امتلاك الكرة ثم يتمدد في مرحلة الاستحواذ. الحركة كانت هي أساس لعبي، هذا بخلاف التموضع الذي كان يسهل الصلة بين الفنيات والخيال أثناء امتلاكنا للكرة.

فريق الأوركسترا
كنا نعمل على تشكيل ما أسميه بـ"فريق الأوركسترا" يقدر فيه الكل على الركض بشكل متجانس دون ترك مساحات ودون فقدان النفس. قبل كل شيء تعلمنا الركض بصورة أفضل. كان الأمر يتعلق بكرة تعاونية تلعب في مساحات مصغرة لكي نحظى دائما بالأفضلية العددية بالقرب من الكرة.

كلما امتلكنا الكرة كانت هناك خيارات وحلول أفضل أمامنا، وكلما امتلكها الخصم كان لا بد من وجود أقصى درجات التعاون بين كل الخطوط لاستعادتها. أوقات اللعب والقدرة على قراءة التصرفات اللاحقة لزميلك في ما يتعلق بعنصري المسافة واختيار المتلقي كلها أمور تعمل على إبراز الفنيات وإيجاد الحلول.

كانت أول ثلاثة أشهر من التدريبات والمعسكرات صعبة وقاسية، ولكن كان يجب علينا تعلم احتلال الملعب وتفهم إيقاعات اللعب المختلفة والحصول على إعداد بدني ملائم. لم تركز باقي الفرق على الجانب البدني مثلما فعلنا، لذا في البداية كانوا أكثر رشاقة، ولكنهم دفعوا الثمن لاحقا في باقي البطولة.

خلال البطولة لعبنا مباريات لم يتمكن فيها المنافسون بدون أدنى مبالغة من الخروج من منطقتهم. أنهينا الدور الأول بـ27 نقطة وهزيمة واحدة. كان لقاء حسم الموسم أمام سانريميسي. أشركت في تلك المباراة منذ الدقيقة الأولى أليساندرو ميلي. كانت هذه هي المباراة الأولى للاعب صاحب الـ16 عاما، ولكنه سجل برأسه. ما زلت أتذكر صورة الفتى وهو يرتقي برأسه ويضعها في الشباك. انتهت المباراة لصالحنا بهدفين.

فزنا ببطولة الدرجة الثالثة التي سيطرنا عليها من بدايتها لنهايتها. شعرت بسعادة كبيرة، لأنني أخيرا شاهدت تحقيق حلمي برؤية كرة القدم التي أحبها وأعشقها تنتصر.

موسم جديد
قبل بداية الموسم الجديد شهد الفريق رحيل عدد من اللاعبين وقدوم آخرين جدد كان من ضمنهم الحارس الشاب ماركو فيراري. بدأت حالة من النقاش والجدل، فقد قال بعضهم إن الدرجة الثانية تتطلب حارساً ذا خبرة، ولكن لم أهتم بالأحكام المسبقة. الأمر الوحيد الذي له ثقل في كرة القدم أن يكون لديك فريق متحمس، هذه هي روح الكرة، وإذا ما كانت هناك موهبة حينئذ يمكنك أن تحلم.

بدأنا بطولة الدرجة الثانية بفريق أصغر من حيث المعدل العمري. كنا نشعر أننا على أتم استعداد لمواجهة الأمر. كانت البطولة طويلة وصعبة وندية. أتذكر أن إيتالو ألودي اتصل بي بعدما شاهد في التلفاز إعادة أحد الأهداف وكيف تحرك الفريق بطريقة أستاذية لقطع الكرة، وبدأ مرتدة انتهت في مرمى الخصم، حيث قال لي "أصبحت مستعدا للتدريب في الدرجة الأولى".

ميلان
جاء تأكيد هذا الأمر في التاسع من سبتمبر. كانت أول مباراة لنا في كأس إيطاليا أمام ميلان الذي كان من ضمن فرق مجموعتنا. لعبنا في سان سيرو أمام جماهير كبيرة. كانت ليلة ساحرة. واحدة من تلك الليالي التي يحدد فيها القدر طريقك.

كنت سبق وتعرفت على سيلفيو برلسكوني في ودية بين بارما وميلان، فاز فيها الأخير بهدفين بعدما قررت إشراك البدلاء. حينها قال لي رئيس بارما إن برلسكوني يرغب في التعرف إليك. أتذكر أن كل ما قاله حينها كان "نحن نتابعك".

بالعودة لمباراة الكأس كان نيلس ليدهولم هو مدرب الفريق في تلك الفترة. ميلان حينها كان بطيئا للغاية وتمكنّا من الفوز. كنا نلعب من دون الشعور بأي دونية، بل فرضنا لعبنا وسرعتنا وضغطنا بشكل فاجأ الجميع بمن فيهم برلسكوني. لم يكن الفوز عن طريق المصادفة، بل جاء بعد عمل طويل.

تأهلنا للمرحلة التالية بجانب ميلان ولكن قرعة ثمن النهائي أوقعتنا معهم مجددا.. هل هي صدفة أم إشارة من القدر؟ كان لاعبو بارما في قمة الإحباط، بل قال بعضهم إن ما يحدث هو "سرقة" لأحلامهم، ولكن كانت لدي قناعة مختلفة تماما وقلت "أن تفوز مرة واحدة هذا أمر قد يحدث للجميع، ولكن لكي تفوز مرتين يجب أن تكون الأفضل. لا مكان للمصادفات". لم يكن ميلان تغير حتى موعد المباراة الجديدة. هاجمنا منذ الدقيقة الأولى وعقدنا الأمور كثيرا على ميلان الذي حاول ضم صفوفه ولكن فزنا مجددا من ركلة جزاء.

التقيت برلسكوني مجددا بعد ثمن النهائي وقال لي "سنواصل متابعتك بعد ثمن النهائي". كان هذا يعني بالنسبة لي أن دوري الدرجة الثانية أصبح مسرحا لعرض طريقة لعبي. قال لي إن طريقة لعبي أعجبته، بل وذكر لي مباريات بعينها.

كانت بطولة الدوري صعبة للغاية وفي نهاية الدور الأول كان بحوزتنا أكثر من 20 نقطة وهو أمر لم تصدقه لا الجماهير ولا الإدارة. كنا نسير بشكل رائع ولكن في نهاية مارس/ آذار نشرت جريدة (كورييري ديلا سيرا) النبأ القنبلة وهو أن "ساكي وقع مع ميلان".

خلال المنعطف الأخير في الموسم أصبحت مسألة التسجيل والفوز خارج أرضنا صعبة، وأنهينا البطولة في المركز السابع. ربما يبدو بعيداً ولكننا كنا على بعد ثلاث نقاط فقط من التأهل لدوري الدرجة الأولى. كان لدينا 40 نقطة خلف جنوى (42) وكريمونيسي وليتشي وشيزينا (43) وبيزا وبيسكارا (44).هكذا كانت نهاية حقبتي مع بارما، قبل أن أشرع في بدء مغامرتي مع ميلان بين الخوف والأمل والسعادة والأحلام.

دلالات
المساهمون