المتتبع لتداعيات الحرب على غزة في أرض الواقع ووسائل الإعلام الغربية ووسائل التواصل الاجتماعي يكتشف تواطؤا كبيرا للمنظمات الدولية، والهيئات الرياضية على حد سواء، مقارنة بمجريات وتداعيات الحرب في أوكرانيا، التي شهدت تضامنا كبيرا من طرف الأنظمة والحكومات والمنظمات، وحتى الشخصيات الفنية والثقافية والرياضية المؤثرة، بينما لا تلقى معاناة الفلسطينيين أدنى تعاطف وتضامن، رغم مقتل ما يقارب ألفي فلسطيني، نصفهم من النساء والأطفال، بل بالعكس تصاعد نسق التعاطف مع الإسرائيليين سياسيا وإعلاميا، وفي أوساط المؤثرين الذين سوّقوا لكذبة قطع رؤوس الأطفال من طرف حركة حماس، بينما التزم نجوم الرياضة والفن العرب الصمت المخزي والمريب خوفاً وطمعاً.
تواطؤ أميركا والغرب مع إسرائيل سياسياً ومادياً وعسكرياً وإعلامياً لم يكن جديداً علينا، رغم حدته هذه المرة، لكن أن يصل الأمر إلى الهيئات الرياضية الدولية، مثل الفيفا واللجنة الأولمبية الدولية، ومختلف الهيئات القارية والجهوية التي لم تتردد في التضامن مع أوكرانيا في حربها ضد روسيا، والتي لم تصل إلى درجة الإجرام والقتل الجماعي ومنع الغذاء والدواء وقطع الماء والكهرباء على المدنيين مثلما يحدث في غزة.
ومع ذلك منعت اللجنة الأولمبية الروس من المشاركة في الأولمبياد، وأقصى الاتحاد الأوروبي المنتخب الروسي من المشاركة في اليورو، والمسابقات الأوروبية للأندية، وتفاعلت الاتحادات الأوروبية، وراحت تتضامن أسبوعياً مع أوكرانيا في مختلف الدوريات، التي كان يرفع فيها العلم الأوكراني، وتقف فيها الفرق والمنتخبات دقيقة صمت على أرواح الضحايا.
يحدث كل هذا في وقت صدّعتنا فيه الهيئات الرياضية الدولية وحتى المحلية بضرورة الالتزام بمبدأ عدم خلط السياسة بالرياضة عندما يتعلق الأمر بإدانة جرائم أميركا وأوروبا وإسرائيل، لكن عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، يصبح كفاحهم ونضالهم من أجل استعادة حقوقهم المسلوبة إرهابا وعدوانا يجب محاربته بكل الأشكال، والتعتيم عليه إعلاميا، ويصبح دفاع الأوكرانيين عن أراضيهم حقا مشروعا، ودفاع الفلسطينيين عن أقصاهم وقدسهم ومدنهم المحتلة جريمة لا تغتفر، ولا يمكن التعاطف والتضامن معهم، لأن الخصم إسرائيل لا تنطبق عليه المعايير والقيم والمبادئ والقوانين الدولية المتعارف عليها، وأميركا هي التي تقرر من هو الظالم من المظلوم.
أن يصل الأمر إلى رياضيينا و نوادينا ومؤسساتنا الرياضية العربية والإسلامية، فإن الأمر يصبح خطيرا ومثيرا ومستفزا لمشاعرنا، خاصة عندما يصل الأمر بنجوم كبار في الكرة وكل الرياضات إلى صم آذانهم وغض أبصارهم عما يحدث من تقتيل وتهجير آلاف المدنيين في غزة، دون أن يخرج إلينا محمد صلاح مثلا ليقول كلمة حق، ويكون في مستوى مواقف شعب مصر، ومستوى رياضيين آخرين أدنى منه نجومية وشعبية، في وقت يجد فيه الشعب الفلسطيني نفسه في غزة محاصرا، وخارجها محروما من دعم القريب قبل الغريب، باسم الإنسانية على الأقل، وليس باسم العروبة أو الإسلام، رغم أن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل أعلنتا على لسان كبار مسؤوليها أن الحرب القائمة هي دينية قبل أن تكون سياسية وعسكرية.
الحياة مواقف، والتاريخ لن يرحم المتواطئين ولا المحايدين والساكتين عن الحق، خاصة في أوساط المؤثرين من النخبة والفنانين ونجوم الكرة العرب والمسلمين الذين بإمكانهم الوصول إلى قلوب الناس وعقولهم عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، بحكم انتمائهم إلى أكبر الأندية وأفضل الدوريات، في وقت لا يتردد الغرب في استقطاب المؤيدين والمتعاطفين مع الظلم والظالم، ولا تتردد إسرائيل في الظهور بمظهر الضحية، إدراكا منها أن معركة استمالة الرأي العام، لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية التي تخوضها ضد الشعب الفلسطيني منذ عقود.