الجزائري بوداوي لم يطبع مع إسرائيل!

12 ديسمبر 2020
بوداوي سافر إلى الأراضي المحتلة نظراً لعقده مع فريق نيس لا كونه يمثل الجزائر (Getty)
+ الخط -

أثار سفر اللاعب الدولي الجزائري هشام بوداوي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة مع فريقه نيس الفرنسي لخوض مباراة الدوري الأوروبي ضد فريق إسرائيلي، ردود فعل متباينة في الجزائر بين مندد ومتفهم، وطرف ثالث متردد اعتبر الأمر بمثابة لا حدث، مقارنة بتدافع عديد البلدان العربية نحو التطبيع مع كيان لم يعد بحاجة إلى زيارة مهنية بحتة للاعب ينتمي إلى بلد لا يزال ثابتاً على مواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية، والأمر يتعلق فقط بلاعب جزائري ينتمي إلى نادٍ فرنسي وليس مجرد رياضي يمارس رياضة فردية وينشط في فريق محلي أو منتخب وطني للرياضات الفردية، كما هو عليه الحال منذ زمن، عندما كان ينسحب الجزائريون كلما التقوا رياضيين إسرائيليين في المحافل الدولية، ويلقون الترحيب الشعبي والرسمي لتصرفاتهم، في وقت اضطر آخرون إلى منافسة إسرائيليين في مسابقات دولية أخرى سابقاً من دون أن يحصل كل هذا اللغط الحالي.

الأمر مختلف هذه المرة عن سابقيه، لأنّ هشام بوداوي لم يشارك في مسابقة الدوري الأوروبي ضد فريق إسرائيلي باسم الجزائر، بل هو لاعب ينتمي إلى نادٍ فرنسي يربطه معه عقد احترافي، يلزمه المشاركة في المباريات التي يخوضها بعيداً عن كل قناعاته السياسية والعقائدية التي لا يشكك فيها أحد، ولا تؤخذ في الحسبان في ظروف كهذه، خاصة أنّ اللاعب حاول، بحسب مصادرنا، الاعتذار عن التنقل لكنه لم يوفق، فسافر مع فريقه مجبراً، وليس مخيراً ، إلا أن ذلك لم يمنع كل التأويلات والاتهامات الجماهيرية والإعلامية والسياسية التي راحت تعبّر عن مواقفها المختلفة تجاه حدث لا يوازي في خطورته تصرفات رياضيين ونوادٍ ومنتخبات وحتى أنظمة وأحزاب وشخصيات رياضية وسياسية وثقافية وفنية وعلمية أخرى، لم تتردد في التعبير عن مواقفها المؤيدة للكيان الصهيوني والمعارضة بالمقابل لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة والعيش الكريم على أراضيه المحتلة.

 المنددون بتصرف الدولي الجزائري الصاعد استندوا في ردود فعلهم إلى مواقف الجزائر الثابتة تجاه القضية الفلسطينية التي تلزم كل الجزائريين وكل الهيئات الوطنية، وانقسموا بدورهم إلى فئتين واحدة شعبية تحركها العاطفة عبّرت عن استيائها وغضبها، وطالبت اللاعب برفض السفر إلى الأراضي المحتلة اعتقاداً منها بأنه سيد قراره، والفئة الثانية سياسوية صدرت عن شخصيات وأحزاب سياسية ركبت الموجة وراحت تستثمر في مشاعر الغضب، وتتهكم على اللاعب في تفاعل انتقائي مع موضوع لا يؤثر على موقف الجزائر وشعبها، في وقت لم نسمع لتلك الأصوات موقفاً من قضايا أكثر أهمية وأكثر حساسية كان أبطالها أطرافاً في السلطة وأخرى من المعارضة وشخصيات وطنية سياسية وإعلامية أكثر وزناً، زارت الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ زمن لأسباب ودواع مختلفة ولم تتعرض للانتقاد الذي تعرض له بوداوي.    

المتفهمون لوضعية اللاعب بوداوي من جهتهم كانوا كثراً عبر وسائط التواصل الاجتماعي، تفهموا ظروف اللاعب، نددوا بالحملة التي تعرض لها في بعض وسائل الإعلام المحلية، وبرروا سفره بكونه مجرد التزام مهني لا غير، لا يمثل الجزائر ولا المنتخب الجزائري باعتباره لاعباً دولياً، ولا يغير من قناعاته التي نعرفها عنه وعن غيره من الرياضيين الجزائريين، سواء المحليين أو حتى المحترفين ومزدوجي الجنسية الذين كانوا دوما ملتزمين بمواقف الجزائر وشعبها من كل القضايا الإقليمية والدولية، وكانت مواقفهم مشرفة تنم عن وعي كبير لأبنائنا رغم تقصيرنا تجاههم وإخفاقنا في توعيتهم ومرافقتهم في مشاويرهم المهنية ومواقفهم الإنسانية.   

الطرف الثالث في المعادلة اعتبر الأمر لا حدث، يجب وضعه في نطاقه الرياضي البحت، لا يستحق التعليق ولا أدنى ردود الفعل، مقارنة بهرولة شخصيات وبلدان عربية وإسلامية نحو التطبيع علناً، ولا يقتضي رد الفعل من جانب الاتحاد الجزائري والمدرب الوطني ولا حتى السلطات الجزائرية لأن لاعب الكرة المحترف يمثل فريقه وليس بلده، وهو  مدعو للوفاء بالتزاماته المهنية مع فريقه وخوض كل مبارياته دون قيد أو شرط حتى ولو كانت في المريخ، وإذا رفض ذلك سيتعرض للعقوبات ويرهن مستقبله الكروي الذي يحلم به أي لاعب آخر.

هشام بوداوي الذي واجه فريق هابويل بيرشيفا الإسرائيلي، هو لاعب نيس الفرنسي وليس اللاعب الدولي، أو الرياضي الجزائري سيد نفسه وصاحب القرار في حالات كهذه، حتى ولو كان بإمكانه رفض التنقل وتحمل تداعيات قراره بدفع غرامة مالية أو فسخ عقده الاحترافي دون أدنى تعويض من إدارة فريقه، لكنّ صغر سنه قد يشفع له.

المساهمون