إعادة المتسربين من التعليم إلى مقاعد الدراسة

23 فبراير 2017
يجب تغيير نظرتنا للمتسربين من التعليم وتقدير ظروفهم الخاصة(Getty)
+ الخط -
يحكي لنا فيكتور ريوس، باحث في العلوم الاجتماعية، في إحدى محاضرات تيد إكس نهاية العام الماضي في الولايات المتحدة، سبب اهتمامه بمسألة إعادة المتسربين من التعليم إلى مقاعد الدراسة مرة أخرى، فقد كان هو نفسه في أحد الأيام ضمن أفراد هذه الفئة.

كانت حياته التي لعب الفقر فيها دوراً كبيراً بائسة، مات الأب حتى قبل أن يولد، كان شاباً بلا أمل، بلا مستقبل وبلا إيمان في غد أفضل، مات أعز أصدقائه بين ذراعيه بعد ابتلاع جرعة مضاعفة من الهيرويين، كما شاهد عمه يقتل بالرصاص أمام عينيه من قبل إحدى العصابات المنافسة ورآه ينزف طيلة ساعة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. 

يستطرد ريوس في أنه ظل يتنقل من عصابة إجرامية إلى أخرى ومن إدمان إلى إدمان أخطر، من مشكلة إجرامية إلى أخرى، حتى قضى أكثر من مرة فترة عقابية في مركز الأحداث، إلى أن جاءت إليه معلمة لتهوّن على روحه المنكسرة وتتفهم قلبه الجريح.

دأبت المعلمة على أن تكرر جملة واحدة: "أنا هنا، لو احتجتني واحتجت أن تتكلم فسوف أستمع إليك"، لعلمها أن "الحالة النفسية للطفل ذي الظروف القاسية تحتاج لفترة زمنية حتى يستوعب الطفل أن هناك حقاً من يهتم به". يقول فيكتور إنه من خلال دراسته لهذه الفئة من الشباب والأطفال، وجد أنهم أشبه ما يكونون بالمحارة التي تؤوي بداخلها لؤلؤة ثمينة لا تنفتح إلا لو اطمأنت إلى أنها في أمان.

وعندما كان مستعداً للحكي، كان خجولا جدا من حالته التي يرثى لها (فقر - إجرام - إدمان - …)، ولكنه بدأ بشرح الأسباب التي تمنعه من الانتظام المدرسي، فقد كان يجمع طيلة الليل وحتى الفجر مع عمه الزجاجات الفارغة التي يرميها السكارى وراء الحانات في شاحنة لبيعها لأحد المخازن في الصباح، وهي طريقة كسبهم للعيش، إلا أن الأمر كان صعباً للغاية، لأنه عادة ما كانت الزجاجات مكسورة وتجرح يده، وكان من بين الأمور التي اعتادها نزف يده لساعات طويلة في الصباح.

انتفضت المعلمة مهللة "أنت تعلمت أهم درس في الحياة وهو السعي، أنت ملهم لا بد أن تحكي لأقرانك كم أنت جاد ومكافح". عملت المعلمة على أن أقود حملة لتمكين الأقران من اكتشاف قدراتهم الداخلية برغم حياتهم التي قد تكون غير سهلة. دعمتني، تخرجت، دخلت الجامعة وها أنا ذا باحث في العلوم الاجتماعية متخصص في قضايا انحراف الشباب".

ثم ما لبث فيكتور أن عاد إلى السؤال الأول: هل من الممكن أن نعيد الشباب الذين نطلق عليهم "منحرفين أو ضالين أو مجرمين" إلى مقاعد التعليم؟ نعم ولكن بشروط.

الشرط الأول: هو أن نغير نحن نظرتنا إلى هؤلاء الشباب، فبدلاً من رؤيتهم مجرمين ضالين علينا أن ننظر إلى الإمكانيات الكامنة التي لم يتم إطلاقها بعد بسبب تقصيرنا وتقصير النظام التعليمي في تفهم ظروفهم واحتوائهم، وهذا يعني الاحترام لمجتمعهم، لأسرهم، لشخوصهم وحياتهم مهما كانت مختلفة، شعور حقيقي وصادق بالاحترام لا تشوبه شائبة الشفقة أو العطف.

الشرط الثاني: تثمين الخبرات التي مروا بها وتثمين رغبتهم الكامنة في حياة سوية، تثمين قصصهم البسيطة واستخلاص الإمكانات الإيجابية التي بين ثناياها التي تشير إلى قدرة رائعة على "الاستمرار والصمود"، والإعراب عن هذا التقدير بصورة إيجابية غير مبالغ فيها.

الشرط الثالث: بدلاً من تقديم الكلام الأجوف غير المفيد لا بد من تقديم يد العون، فمثلا في بعض الأحيان يكون الشاب في حاجة إلى من يسمعه ويرشده وأحياناً يكون هناك احتياج مادي وأحياناً يكون هناك احتياج لعلاج نفسي متخصص.

وينهي فيكتور كلمته بسرد بعض الأبيات التي كتبها جبران خليل جبران منذ عقود طويلة: "الروح التي تعاني تشي بانطلاق قلب كبير"، ويضيف إلى ذلك كلمات مؤثرة: "من يقوم بعملية التدريس بقلبه عليه التأكد أن عقل المتعلم سوف يأتي مذعناً".



المساهمون