سورية... مدارس ذوي الإعاقة بين المحسوبية ونقص الإمكانات

30 يناير 2017
يعاني الأطفال ذوو الإعاقة من نقص الإمكانات بسبب الحرب(Getty)
+ الخط -
لؤي الطفل الحلبي ذو التسعة أعوام فقد بصره إثر إصابته بشظية لصاروخ ضرب الحي المجاور لمنزله، يعاني من صعوبات في التأقلم مع وضعه الجديد ويرفض الذهاب للمدرسة ويعاني من مشاكل في التعلم. الاضطرابات السلوكية والنفسية التي يمر بها لؤي مزعجة لمن حوله ولكنها طبيعية لمن في مثل وضعه.


الاختصاصية في تدريب وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة عبير إبراهيم تصف وضع الأطفال السوريين الذين يعانون من إعاقة سواء حديثة أو قديمة بالمأساوي، فهم يعانون من التهميش ومن غياب الرعاية الطبية والنفسية والتعليمية، في وقت هم بأمس الحاجة فيه لمن يهتم بهم ويساعدهم على التحرر من أثقال الإعاقة التي تحدّ قدراتهم وتطمس هويتهم وإمكاناتهم.

 

ومع ازدياد وتيرة العنف في سورية ازدادت أعداد الأطفال الذين يعانون من إعاقات دائمة، وازدادت معها الحاجة لمراكز الرعاية والتعليم الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة في كافة أنحاء سورية، ولكن واقع الحال مغاير تماماً، إذ تُعاني معظم المدن والمناطق السورية من ندرة المدارس والمراكز المعنية برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.

 



واسطة ومحسوبية

على الرغم من وجود بعض المدارس في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، والتي ما زالت ضمن نطاق الخدمة، فإن التحاق الأطفال المعاقين بهذه المدارس قليل، وذلك يعود لأسباب عدة في مقدمتها الواسطة والمحسوبية، وفقاً لأحمد الصاري، وهو والد لطفلين يعانيان من متلازمة داون بدرجات متفاوتة، والذي يقول لـ "العربي الجديد": "أنا من مدينة حلب وأعيش الآن في طرطوس. شعرت بالسعادة لوجود مركز لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في المدينة.
فولداي بحاجة ماسة للالتحاق بالمدرسة. فقد كانت مدرستهما تعلمهما الرسم والموسيقى والأشغال اليدوية وغيرها من فنون بشكل يتناسب مع إعاقتهما. ولكن حالتهما الصحية والنفسية تدهورت كثيراً إثر سماعهما أصوات القذائف والقصف وتوقفهما عن الذهاب للمدرسة"، ويضيف: "مراكز النظام هذه تسودها الواسطة ككل مؤسسات الدولة الأخرى. ذهبت لأسجل

أطفالي فيها ولكنهم وبعد المماطلة لأكثر من أسبوعين رفضوا تسجيلهما بحجة اكتمال أعداد الطلاب لديهم".

 

أما التكلفة الباهظة للدروس الخصوصية للأطفال المعاقين الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس في مناطق النظام نتيجة لبعدها وصعوبة الوصول إليها أو صعوبة التسجيل فيها، فقد أثقلت كاهل الأهل وحالت دون تعليم الكثير من الأطفال ممن لا يملك ذووهم المال الكافي لدفع تكاليف هذه الدروس، والتي بلغت 20 ألف ليرة سورية للدرس الواحد.

حنان والدة لطفل مصاب بشلل دماغي يعاني من صعوبات في التكلم والحركة، تقول: "الحمد لله أنني أمتلك المال. تعبت كثيراً لأجد مدرسة مختصة ولديها خبرة جيدة لتعلم ابني وترعاه، فمع الحرب بات المدرسون المختصون بالعناية بذوي الإعاقات نادرين. أحاول ألا أقطع التعليم عن ابني ما دام ذلك ممكناً، فهو يساعده ويساعدني في التعامل معه".

 

الدمج في المدارس العامة

سلمى ذات العشرة أعوام من حي السكري في مدينة حلب وتعاني من الصمم وراثي المنشأ، اضطر والداها لإلحاقها بمدرسة عامة للأطفال الأصحاء خوفاً من أن تبقى بلا تعلم، يقول والدها محمود علبي لـ "العربي الجديد": "تعاني سلمى اليوم من صعوبات كثيرة في المدرسة على الرغم من أنها مجتهدة بشهادة من معلميها، ولكنها لا تستطيع أن تفهم كل المواد كبقية الطلاب الأصحاء والمعلمة لا تملك خبرة للتعامل معها".


ويضيف: "مدرسة الصم والبكم التي كانت تدرس بها سلمى تعرضت للقصف، ما أدى إلى خروجها عن العمل وانقطاع سلمى عن التعليم لعامين كاملين، تغيرت خلالهما كثيراً، فقد كانت مرحة وتحب مدرستها وتستمتع باللعب مع أصدقائها، تحسنت نفسيتها بعد عودتها للمدرسة ولكنها ما زالت بحاجة لمدرسين مختصين لتعليمها".

 


تعرضت المدارس ومراكز الرعاية لذوي الاحتياجات الخاصة للقصف في كثير من المناطق المحررة من سورية، ما أسفر عن خروج معظمها عن الخدمة، وحرم الأطفال المعاقون من فرحة التعلم واللعب والترفيه عن أنفسهم، الأمر الذي دفع العديد من المتطوعين والاختصاصيين المهتمين لإنشاء مراكز ترعى هؤلاء الأطفال وتقدم لهم التعليم الضروري المجاني، على الرغم من قلة الإمكانات وظروف الحرب والقصف الذي استهدف العديد منها مرات عديدة منذ

إنشائها.

 في الجنوب السوري، في بلدة معربة في ريف درعا، افتتح مركز التربية الخاصة للإعاقات السمعية والنطقية والذهنية في الـ 27 من شهر أبريل/نيسان العام الماضي، ليكون أول مركز يقدم الرعاية للأطفال المعاقين في تلك المنطقة.

أحمد محمد الحمصي مدير المركز والمسؤول عن التدريب الرياضي والنشاطات الحركية فيه، يقول لـ "العربي الجديد": "يحتاج الأطفال من ذوي الإعاقة للتعليم والرعاية أكثر من الأطفال الأصحاء، ولكنهم في ظل الحرب وغياب الوعي لدى الكثير من الأهالي لضرورة تعليمهم، وقلة المدارس المعنية بذلك، لا يتلقون أي رعاية أو تعليم، ما يحول دون إمكانية تأهيلهم ودمجهم في المجتمع بشكل صحيح، لذلك قمنا بافتتاح المركز بجهود عدد من المعلمين المختصين الذين يعملون بتفانٍ وبشكل تطوعي ليقدموا العون لهذه الفئة المهمشة من الأطفال".

 ويشير المصدر السابق إلى أن المركز يستقبل حالات الإعاقة السمعية والنطقية مهما كانت شدتها، إضافة لحالات الإعاقة الذهنية البسيطة والمتوسطة، ويغطي الأعمار من الرابعة حتى الـ 12 عاماً. وقد تجاوز عدد الأطفال المسجلين في المعهد ثمانين طفلاً، يتفاعلون بشكل إيجابي مع معلميهم ويتقدمون في تعلم الحروف والقراءة وغيرها من المهارات المختلفة.

الصعوبات السابقة تعكس جزءاً يسيراً من صورة الوضع في سورية، لتبقى الصورة الكاملة أقسى وأبشع وبحاجة لتدخل فوري من قبل المنظمات الإنسانية والحقوقية المعنية بحقوق الطفل لتقوم بواجبها تجاه هذه الفئة التي تعد الأضعف على الإطلاق بين فئات المجتمع السوري والأكثر تهميشاً وحاجةً للرعاية والتعليم.


 

دلالات
المساهمون