المشاكل المدرسية... لماذا ينطوي الأطفال وكيف نحتويهم؟

02 نوفمبر 2016
تشتكي الأمهات من عزوف الأبناء عن الحديث معهن(Getty)
+ الخط -
عادت ابنتها ذات الخمس سنوات من المدرسة لتفتح التلفاز في صمت على غير عادتها حتى ذهبت في النوم خلال دقائق، وبعد أيام بدأ الانقطاع التدريجي عن الطعام، ثم الانطواء خلال أيام العطلة، ونبذ اللعب الجماعي وكثرة البكاء، والنوم مبكراً.

كانت إيمان تعاني مشكلة مدرسية لم تستطع والدتها اكتشافها مبكراً، فقد كانت زيارة جدها الطبيب بداية البحث في الأمر، عندما أخبر والديها أن الطفلة ليست طبيعية، وأنها تمر بمشكلة نفسية تتكتم عليها، وخلال الحديث بينها وبين والدتها علموا أن هناك مشاكل بينها وبين المعلمة التي لم تحسن معاملتها، وفور نقلها لقسم آخر عادت إيمان لحياتها الطبيعية من لعب وجري وثرثرة وصراخ يملأ المنزل.

الانطواء والرفض
تشتكي الكثير من الأمهات من عزوف الأبناء عن الحديث معهن عما يمرون به من أحداث في اليوم الدراسي، حيث تقول نهال، سورية مقيمة بالسويد: "مع انتقالنا حديثاً انغلق ابني على نفسه تماماً، وبدأ يرى الكوابيس ليلاً، وعاد للتبول اللاإرادي، وكان يرفض تماماً الحديث معنا بخصوص مشاكله بالمدرسة، لكنني أسرعت بالتواصل مع طبيب نفسي مختص بالمدرسة وتجاوزنا المشكلة وكانت أولها علاج عزوفه عن الكلام معنا في البيت، فقد كان لا يستطيع إثبات نفسه وقدراته ومهاراته بينهم".

وتضيف فاطمة: "أحاول معرفة تفاصيل اليوم الدراسي لابني، فهو يعاني من مشكلات كثيرة مع زملائه بالقسم، ولا يستطيع إثبات نفسه وقدراته ومهاراته بينهم، وفقد ثقته بنفسه رغم أنه متفوق، لكنه يرفض الحديث متعللاً أنه كبير ولا يحتاج لدعم مني أو عون، فأنا أسأله كثيراً فيغضب".

بينما يقول فاضل: "طفلي لم يتأقلم مع معلم الرياضيات الذي أعتبره فاشلاً بعد أن نقصت علاماته، فقرر نقله في آخر القسم، رفض ابني تدخلي في الأمر وأصر أن يعالج الأمر بنفسه، لكنني تدخلت فساء الوضع".

أساسيات التواصل أولاً
تواصلت "العربي الجديد"، مع استشاري الطب النفسي الدكتور وليد وصفي، والذي تحدث عن دور الأم خاصة في علاج مشاكل الأطفال المدرسية قائلاً: "مشكلات الطفل الكتوم، والمنطوي في البيت أو المدرسة نستطيع التعامل معها نفسيا بشكل أفضل إذا ما دعمنا قدرات التواصل لدى الأطفال، واضعين في اعتبارنا أن الأطفال عموما – خصوصا من هم دون سن السابعة – يفضلون أن يعبروا عن أنفسهم ومشاعرهم عن طريق اللعب أو الرسم أكثر من الكلام مباشرة مع الآخرين.

فيجب أن تحاول الأم أن تعطي مساحة من وقتها للعب مع أطفالها، وستفاجأ بطفلها وهو مثلا يركل الكره بغضب كأنه يركل زميله الذي ضايقه، أو يتقمص شخصية مدرسته التي أحبها، أو يتمتم باستياء بكلمات الدرس الذي لم يفهمه، أو يرسم نفسه صغيرا في الحجم كتعبير عن قلة ثقته في نفسه، وغيرها، لذلك يجب أن تشارك الأم الأطفال في اللعب والرسم وأن تحسن الملاحظة.

ويضيف وصفي: يجب أن تتذكر أن رد فعلك تجاه ما يمكن أن يقوله طفلك هو ما قد يجعل طفلك يفضل الكتمان والصمت بل وأحيانا الكذب؛ فلا يعقل مثلا أن تستجوب طفلك بصيغة التهديد وتسأله: "إياك أن تكون قد فعلت كذا، أو إياك أن تكون قد قلت كذا، ثم تنتظر أن يتحدث معك طفلك بكل أريحية وصراحة، كما أن معظم المشاكل تحتاج إلى عنصر الوقت لحلها؛ فاجعلي الوقت معك لا عليك.
كما أننا كثيرا ما نخطئ حين نوصل لطفلنا - و لو عن غير قصد - أن اهتمامنا بدراسته ودرجاته وشهاداته أهم من اهتمامنا به شخصيا؛ اهتمي بطفلك ونفسيته وكينونته ككل، ولتكن الدراسة مجرد جزء منه في النهاية، وإلا فانتظري احتمال أن يهمل طفلك دراسته عقابا لك على اهتمامك بدراسته أكثر منه.

لا تنتهك خصوصيته
وعن كثرة أسئلة الآباء والأمهات يؤكد وصفي أنه: "ليس شرطا أن نعرف كل كبيرة وصغيرة عن طفلنا، فالطفل من حقه بعض الخصوصية، خاصة إذا ما أظهر قدرا معقولا من التعامل الجيد مع مشاكله، والمحافظة على هذه الخصوصية أمر مهم جدا خاصة أمام الآخرين، والمقارنات بين الأطفال عادة ما تكون امرأ مزعجا لمعظم الأطفال أكثر من كونها مفيدة، وأوصلي لطفلك رسائلك الإيجابية التشجيعية أثناء اللعب معه وأثناء السير معا في الشارع، وقبيل النوم، وفي لحظة ضعفه أو إحراجه، افعلي ذلك دائما ولو عبر رسالة نصية أو صوتية عبر الهاتف في حال انشغالك عن التواصل المباشر معه.

وإن زادت المشاكل النفسية للطفل فيجب ألا يتردد الوالدان في أن طلب المساعدة من الطبيب النفسي المختص أو الاختصاصي النفسي، خاصة إذا ما تعثرت علاقات الطفل أو تعثرت دراسته بشكل واضح في ظل وجود انطوائية شديدة أو صمت زائد أو ضعف واضح في القدرة على التواصل مع الآخرين، أو التعبير عن نفسه أو غيرها من أعراض قد تكون جزءا من اضطراب نفسي يستوجب تدخلا علاجيا مناسبا".

وتتفق معه أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر الدكتورة ناجية بوزيد، فتقول لـ"العربي الجديد": "الأبناء يفسرون كثرة الأسئلة من آبائهم بأنها عدم ثقة في قدراتهم، وعندما نجد أن الطفل يصمت ويحاول إخفاء أحداث معينة فهذا يدل على رغبته في الشعور بالخصوصية، لكن تجاهله التام يشعره بالوحدة خصوصاً من هم في بداية مرحلة المراهقة، وبالتالي يجب تشجيع الأبناء على الحوار من خلال اختيار الوقت المناسب.
فقد يقرر الطفل أن يتحدث في الوقت الذي يكون فيه الوالدان مشغولين، ووقتها يجب أن يتفرغ أحدهما، وإن لم يستطيعا نهائياً فيجب أن يعتذرا وأن يحددا موعدا للحديث في وقت لاحق، ومن الجيد الحديث خلال فترات العطلة، فالكثير من الأطفال أكثر انفتاًحا وقتها، حيث يكون كل شيء حاضرا وواضحا في أذهانهم، كما أن فترة ما قبل النوم يستطيع بعض الأطفال سرد الأحداث اليومية وتستطيع الأم وقتها أن تعرف كل ما يشغل باله.

كما تستطيع الأم فتح باب الحديث من خلال السؤال عن الأنشطة خلال اليوم، أو ما أضحك الأطفال، ومن كان لطيفاً معه من الزملاء، ومَن من المعلمين استفاد منه أكثر خلال اليوم، مَن من زملائه كان معه أشهى فطور، مَن من زملائك تعتقد أنه سيصبح معلماً، هل يذكرك أحد من المعلمين بأحد آخر تعرفه؟ متى شعرت بالفخر بنفسك اليوم؟ ما الذي تتمنى أن تتعلمه قبل نهاية هذا العام في المدرسة؟ من أكثر شخص لا يشبه طباعك في القسم؟ وغيرها من الأسئلة التي تخرج بها مكنونات نفس الطفل، فما يحتاجه الابن بالرغم من عدم إدراكه لهذا هو لمس المشاعر، وهنا فهو سيشعر بالأمان وينفتح ويكمل الحديث، أو سيستاء وينغلق ويرفض الحديث.
المساهمون