ينابيع الجزائر... مياه طبيعية ومتعة وشفاء

12 أكتوبر 2022
يشرب الجزائريون من مياه الينابيع منذ عقود (فرانس برس)
+ الخط -

يأبى الجزائريون منذ سنوات طويلة التخلي عن مياه الينابيع، فتعلّقهم بها يعكسه واقع النظر إليها، باعتبارها أحد رموز الهوية الجغرافية لبلدهم. 
وطالما كانت الينابيع شاهدة على مراحل تاريخية عاشتها الجزائر، ويحكي كل منها تاريخ إحدى الحضارات التي تعاقبت عليها. 
ولدى عبور طرق قريبة من الينابيع التي تنتشر في مختلف المناطق، خصوصاً فترة المساء، يشاهد اصطفاف عدد كبير من السيارات على جوانبها، والتي جاء أصحابها لملء عبوات وبراميل صغيرة توفر لهم كميات من المياه تكفيهم لأيام، بعدما باتوا منزعجين من شرب مياه الحنفيات، وتحمّل تكاليف شراء المياه المعدنية من المحلات، وبينهم أشخاص يعانون من أمراض الكلى والقولون والمعدة.
وتُروى قصص كثيرة عن الينابيع باختلاف مواقعها، وتتطور في بعض الأحيان الى أساطير تترسخ في الذاكرة الشعبية. وتنقل بعض القصص أن ينابيع تشفي من أمراض، وأن أخرى تكسّر حصى موجودة في الكلى، أو تتضمن مياهاً طبيعية مائة في المائة، خاصة تلك التي تنساب من جبال مرتفعة. 
كما تلتقي ينابيع مع قصص تنقل التاريخ المحلي للمناطق التي تحتضنها، وتتحدث عن تفجّرها في حقبات تاريخية معينة، بينها خلال الفترتين العثمانية والاستعمارية، أو في السنوات الأخيرة بعد التساقط الكثيف للثلوج والأمطار.
وفي منطقة الجبابرة التي تقع بين محافظتي عين الدفلى وتيبازة، يتوافد سكان بلديات كثيرة على نبع يوجد على أطراف طريق عام للظفر بكمية مياه تكفيهم لأيام. وزاد شهرة هذا النبع ما يتداوله العامة عن الفوائد الكبيرة لمياهه التي تعالج أمراض الكلى والقولون والمعدة، ما جعل موقعه يحظى بمتابعة صحية ومعالجة خاصة من المصالح الرسمية. 
وعلى غرار نبع الجبابرة، يشتهر نبع سيدي موسى الذي يقع في منطقة الناظور قرب ميناء الحمدانية الجديد الذي يقصده عدد كبير من سكان الجهة الغربية والوسطى لمحافظة تيبازة للتزود بمياهه الخفيفة، والاستمتاع بأصوات الطيور، وشم روائح النباتات الغابية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويؤكد زوار كثيرون لهذه الينابيع التقتهم "العربي الجديد" أنهم يتوجهون إليها لتجنب شرب مياه الحنفيات. ويقول الشاب محمد براشد إنه يأتي في شكل دوري إلى نبع يبعد مسافة 20 كيلومتراً من مكان سكنه لملء عبوات يجلبها بمياه طبيعية، من أجل تجنب شرب مياه الحنفيات التي "يعلم الجميع أنها  تُعالج باستخدام مواد كيميائية، أو مياه محطات التحويل والتصفية، وتلك التي تنتجها محطات تحلية مياه البحر". 
ويشير أيضاً إلى أنه يريد تجنّب التعرض للمواد الخطرة التي تتضمنها القنوات الكبيرة التي تنقل المياه، وكذلك مخاطر التقصير الحاصل في تنقية وتنظيف بعض الخزانات الكبيرة التي تزوّد الأحياء والتجمعات السكانية بالمياه.

الصورة
تعالج مياه الينابيع أيضاً أمراضاً ومشكلات صحية (العربي الجديد)
تعالج مياه الينابيع أيضاً أمراضاً ومشكلات صحية (العربي الجديد)

أيضاً، يقول محمد عشيون، رفيق براشد، لـ"العربي الجديد" إن "مياه النبع طبيعية، وعائلاتنا تحب شربها بسبب نظافتها، ومساهمتها في علاج بعض الأمراض والمشكلات الصحية، والدليل على ذلك أن أشخاصاً يأتون إلى النبع من مناطق بعيدة من أجل التزود بالمياه. ونحن لا نستطيع تأكيد الفوائد الصحية لمياه هذا النبع، لكننا نضمن على الأقل أنها طبيعية، ولم تعالج باستخدام مواد كيماوية، كما يحصل في المحطات". 
وفيما يعتبر السكان الينابيع جزءاً من خصوصيات المناطق، ويحاولون الحفاظ عليها، شهد صيف عام 2018 قصة مثيرة عندما ظهر مجدداً وباء الكوليرا في منطقة البليدة قرب العاصمة الجزائرية، ورُصدت حالات في منطقة أحمر العين بولاية تيبازة القريبة من العاصمة أيضاً. 
وأعلنت وزارة الصحة حينها أن داء الكوليرا قد يكون مصدره نبع مياه سيدي الكبير في أحمر العين، ما أغضب السكان الذين استغلوا قدوم وسائل إعلام إلى الموقع، وشربوا المياه أمام الكاميرات، مؤكدين أنهم يفعلون ذلك منذ عقود من دون مواجهة أي مشكلات. ثم أكدت الفحوص الصحية التي أجرتها السلطات سلامة مياه النبع.   

ومع تزايد إقبال الناس، تحوّلت بعض الينابيع إلى أماكن مهمة لكسب الشبان الرزق، عبر عرض منتجات مثل العسل وزيت الزيتون والفواكه، وبينهم الثلاثيني أحمد الذي يجلب منتجات فواكه موسمية وخضار، ويقدمها للزبائن بأسعار تنافسية أمام منبع سيدي موسى، فيما يعرض الحرفي فيصل مجموعة تحف ومنتجات يصنعها بالتعاون مع زوجته في ورشة عائلية. وقد لقيت سلعه رواجاً كبيراً. أما علي فيبيع الخبز التقليدي وحليب الماعز وخبز الشعير، ومنتجات منزلية أخرى يكثر طلبها مثل الخبز التقليدي. 
وفي بعض المواسم، تصبح زيارة الينابيع بالنسبة إلى البعض أشبه بضرب عصفورين بحجر واحد من أجل جلب مياه طبيعية والتسوق.  

المساهمون