تحلّ الذكرى الثامنة لمذبحة عربة الترحيلات، اليوم الأربعاء، وهي الجريمة الأكثر ترويعاً لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولا يمكن فصلها عن الجريمة الأمّ في فضّ اعتصام الرئيس الراحل محمد مرسي، في ميدان رابعة العدوية في 14 أغسطس/آب 2013، والتي راح ضحيتها قرابة ألف وخمسمائة قتيل بين صفوف المدنيين.
وفي سياق تبريرها الدائم لدماء الضحايا الأبرياء في رابعة، دأبت سلطة الانقلاب في مصر، وأذرعها الإعلامية، على تحميل المعتصمين السلميين مسؤولية مقتل المئات منهم برصاص قوات الجيش والشرطة، بزعم أنّ موعد فضّ الاعتصام جرى تسريبه قبلها بساعات، ورفضوا مغادرة الاعتصام رغم علمهم بذلك، أي أنهم اختاروا بإرادتهم مواجهة قوات الأمن.
والثابت وفقاً لروايات شهود عيان أنّ القسم الأكبر من المعتصمين لم يعلم بموعد الفضّ. وفي حالة الإقرار بهذه الذريعة الواهية، يبقى السؤال الأهم: ماذا عن آلاف المعتقلين الذين ألقي القبض عليهم من داخل الاعتصام، وقُتل 37 منهم أثناء نقلهم في عربة ترحيلات من قسم الشرطة بمدينة نصر في القاهرة إلى سجن أبو زعبل، وهم مقيدو الحرية والحركة؟
وتتلخّص حادثة عربة الترحيلات في وضع 45 معتقلاً مكبّلين بالأغلال، داخل سيارة تتّسع لـ24 شخصاً، في درجة حرارة تقارب الأربعين، في 18 أغسطس/آب 2013، ما أدى إلى صعوبة بالغة في التنفس نتيجة تكدّس المعتقلين، الذين بدأوا بالاستغاثة بطرق أبواب العربة بعد احتجاز دام لسبع ساعات، فما كان من الضباط المسؤولين إلا أن أمروا بقذفهم بقنبلة غاز ليلقى 37 شخصاً منهم مصرعهم اختناقاً على الفور.
واعتبر حقوقيون أنّ الحادثة هي جريمة وحشية وبشعة، في حق مجموعة من المعتقلين المقيّدين الذين لم يتمكّنوا من دفع الضرر عن أنفسهم، في وقت صنّفت النيابة المصرية الجريمة بأنها جنحة، بحجة عدم معرفة الجناة بآثار إطلاق قنابل الغاز على عدد كبير من المعتقلين داخل عربة الترحيلات، وليست جناية قتل عمد، ما سهّل إفلات المجرمين من العقاب.
وفي أغسطس/آب 2015، قضت محكمة مصرية بتخفيف الحكم على نائب مأمور قسم شرطة مصر الجديدة، المقدم عمرو فاروق، بالحبس مدة 5 سنوات بدلاً من 10 سنوات، ومعاقبة الضباط إبراهيم محمد المرسي، وإسلام عبد الفتاح حلمي، ومحمد يحيى عبد العزيز، بالحبس مدة سنة واحدة مع إيقاف التنفيذ. وهو الحكم الذي أيّدته محكمة النقض في فبراير/شباط 2018، بعدما أسندت النيابة إلى المتهمين الأربعة تهمتي القتل والإصابة الخطأ بحق المجني عليهم.
من جهتها، وثّقت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية هذه الجريمة في فبراير/شباط 2014، مؤكدة في تقرير لها أنّ الـ45 سجيناً كانوا "محشورين" في الجزء الخلفي من عربة الترحيلات الضيقة، ولم يكن هناك مكان لوقوف المعتقلين أو أيّ مياه للشرب، ما دفع بعضهم إلى عصر قمصانهم المبلّلة بالعرق لشرب قطرات منها، بينما فقد العديد منهم الوعي.
ومثّلت حادثة عربة الترحيلات إحدى جرائم السيسي الممنهجة منذ انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، والذي شرع في تأسيس أرض البطش والخوف، وتمادت أجهزته الأمنية في عمليات القتل خارج نطاق القانون، وقمع كل من يخالفه الرأي من المعارضين، ليس فقط على صعيد القضايا السياسية، وإنما كذلك على صعيد القضايا الاقتصادية والاجتماعية.
والتزم المؤيّدون لفضّ اعتصام رابعة الصمت، إزاء جريمة عربة الترحيلات، في ظلّ "هستيريا إعلامية" للتحريض على قتل المعتصمين السلميين، آنذاك، لتحظى مجموعة من الشخصيات ذات الخلفية الليبرالية أو اليسارية المناوئة لجماعة "الإخوان المسلمين"، وتيار الإسلام السياسي عموماً، بمكافأة السيسي في ما بعد، بتسهيل حصولها على عضوية المجالس النيابية المنتخبة أو القومية التابعة للدولة.
يُذكر أنّ تسريباً قد أذاعته قناة "الشرق" الفضائية في ديسمبر/كانون الأول 2014، بشأن لقاء جمع بين رئيس المخابرات العامة حالياً، ومسؤول مكتب السيسي سابقاً، اللواء عباس كامل، ومساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية، اللواء ممدوح شاهين، للاتفاق على تسوية خارج نطاق القضاء بحق أحد المتهمين في قضية عربة الترحيلات. وكشف التسريب طلب كامل من شاهين التدخل لدى القضاء، من أجل مساعدة أحد الضباط المتهمين في القضية، لأنه نجل لواء في الجيش، ووعد الأخير بتسوية هذا الأمر.