تستمرّ عمليات إجلاء المواطنين الأجانب من الصين، وتحديداً من مدينة ووهان في إقليم هوبي، وسط البلاد، على خلفيّة تفشّي فيروس كورونا الجديد الذي عدّته منظمة الصحة العالمية أخيراً "حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً دولياً". وتعمل دول عدّة على "استعادة" رعاياها من المنطقة الموبوءة، فيما تذهب أخرى أبعد من ذلك، مع إغلاق حدودها في وجه الصين، وفرض قيود على السفر. يأتي ذلك، على الرغم من أنّ منظمة الصحة العالمية كرّرت في أكثر من مناسبة عدم وجوب الأمر. وقد صرّح ممثلها في الصين غودين غاليا، اليوم السبت، بأن لا حاجة تستدعي مثل هذه القيود، مؤكداً ما سبق أن أعلنه بوضوح أمينها العام تيدروس أدهانوم غيبريسوس يوم الخميس الماضي، ومشدّداً على أنّ "ما نريده هو أن تركّز البلدان على جهود الاحتواء من خلال رصد أيّ وفود محتمل للحالات والتعامل مع أيّ تفشٍّ محلي". ولفت غاليا إلى أنّ إعلان المنظمة "حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً دولياً" غيّر الوضع من موقف حذر في وقت سابق إلى توصية للحكومات بالاستعداد لاحتمال انتشار الفيروس، شارحاً أنّ المنظمة تصرّفت بدافع قلقها على الدول الفقيرة التي قد لا تكون مجهّزة للتعامل مع الفيروس، ومضيفاً أنّ مثل هذا الإعلان يتطّلب استجابة دولية منسّقة لتوفير مزيد من الأموال والموارد.
تبدو الولايات المتحدة الأميركية من أكثر الدول المتشدّدة في مجال القيود، فهي أعلنت حالة طوارئ للصحة العامة، فيما وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً يمنع دخول الرعايا الأجانب الذين زاروا الصين. وقد صرّح وزير الصحة الأميركي أليكس عازار بأنّ "المواطنين الأجانب، من غير أفراد العائلات المباشرين لمواطنين أميركيين أو آخرين يحملون إقامات دائمة، ممّن سافروا إلى الصين في خلال الأسبوعَين الماضيَين سيُمنعون من دخول الولايات المتحدة". على الأثر، انتقدت بيكين إجراءات واشنطن، إذ إنّها تتناقض مع توصية منظمة الصحة العالمية بتجنّب حظر السفر، وصرّحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا تشون ينغ بأنّه "فيما أوصت المنظمة بعدم وضع قيود على السفر، سارعت الولايات المتحدة إلى السير في الاتجاه المعاكس... وبالتأكيد هذه ليست بادرة حسن نيّة".
من جهتها، أعلنت أستراليا اليوم السبت إجراءات مماثلة تمنع من خلالها الوافدين من الصين من دخول أراضيها، معلّلة بأنّ ذلك يأتي في سياق خطّتها لمكافحة انتشار فيروس كورونا الجديد. وقد أوضح رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون أنّه لن يُسمح إلا "للمواطنين الأستراليين والمقيمين في أستراليا وحاملي وثائق وصاية قانونية والزوجات" من دخول البلاد، مؤكداً أنّ "الأشخاص العائدين سيخضعون لحجر صحي لمدّة 14 يوماً". يُذكر أنّ اليابان وسنغافورة سبقتاها بإجراءات مماثلة.
ولعلّ أبرز المستجدّات في ما يتعلّق بتفشّي فيروس كورونا، تسجيل إصابة مؤكدة ثانية في الشمال الأوروبي، بعد فنلندا، مع إعلان السويد أمس الجمعة عن أولى الإصابات بفيروس كورونا. وأوضحت السلطات الصحية في استوكهولم أنّ الحالة هي امرأة عادت من الصين في 24 يناير/ كانون الثاني المنصرم من دون أن تظهر عليها أعراض العدوى، فالفيروس بحسب ما شرحت مسؤولة دائرة الصحة السويدية كارين تيكمارك فيسل "كان كامناً". وفيما بدأت السلطات السويدية تفحص العائدين من مناطق انتشار الفيروس الجديد، أوضحت فيسل أنّ "الأمر لا يعني أنّ الفيروس انتشر في بلدنا، لكنّنا نتّخذ الإجراءات لمواجهة المخاطر".
وفي سياق ذات صلة، أجلت طائرة نقل تابعة للجيش الدنماركي 10 دنماركيين أمس الجمعة من الصين، وقد هبطت في مطار صغير في مدينة روسكيلد البعيدة عن كوبنهاغن، فيما عُزل العائدون من أجل فحوصات إضافية، بحسب وزارة الصحة الدنماركية. وكان وزير الدفاع الدنماركي ييبا كوفود، قد أعلن في اجتماع برلماني للجنة الشؤون الخارجية أنّ وزارته عرضت على أوروبيين آخرين إجلاءهم من الصين، ومن المتوقّع وصول دفعات جديدة قريباً.
وبينما تكثر الشائعات المرتبطة بفيروس كورونا الجديد، تحاول الدنمارك التصدّي لذلك، لما يخلّفه من إرباك بين مختلف الفئات، ومنها العاملة في الشأن الصحي. وقد عمدت السلطات المختصة إلى طريقة يُحال من خلالها كلّ مواطن يكتب "فيروس كورونا" على محرّك بحث، فوراً، على الصفحة الرسمية لدائرة الصحة الوطنية التي تقدّم معلومات دقيقة وعلمية. وعلّقت الطبيبة المتخصصة بشؤون الشائعات حول الأمراض، أيدا دونكين، في حديث إلى القناة الرسمية الدنماركية، صباح اليوم السبت، أنّ "فيروس كورونا سبّب انتشار شائعات كثيرة تتلاعب بالمشاعر الإنسانية وبحساسية الناس تجاه الأمراض"، واصفة الأمر بأنّه "خطر جداً في نتائجه".
وفيما وصل عدد الوفيات بفيروس كورونا الجديد إلى 259 في الصين، مع 11 ألفاً و374 حالة مؤكدة حول العالم، بحسب البيانات الرسمية الأخيرة، صباح اليوم السبت، كانت الدول تعلن تباعاً مواعيد وصول رعاياها من الصين بعد إجلائهم، بالإضافة إلى الإجراءات المتخذة في حقهم لضمان سلامتهم، وفي الوقت نفسه عدم انتقال الفيروس الجديد إلى داخل حدودها. من آخر تلك الدول، الأردن الذي استقبل فجر اليوم السبت 70 طالباً أردنياً وعربياً جرى إجلاؤهم من مدينة ووهان، وذلك في مطار الملكة علياء الدولي في العاصمة الأردنية عمّان. وقد نُقل هؤلاء بحسب ما صرّح به وزير الصحة الأردني بالوكالة صالح الخرابشة إلى مستشفى البشير لإجراء الفحوصات اللازمة والتأكّد من خلوّهم من المرض. من جهتها، كانت السلطات الصحية الصينية قد أجرت فحصاً طبياً احترازياً لهؤلاء في مطار ووهان، قبيل إجلائهم. يُذكر أنّ الطلاب، بحسب ما أفاد وزير النقل خالد سيف، هم 55 طالباً أردنياً وسبعة طلاب من فلسطين وثلاثة من سلطنة عُمان وطالب واحد من لبنان وثلاثة من تونس وطالب واحد من البحرين، إلى جانب زوجة طالب من الجنسية الروسية.