زواج القاصرات جائز.. مع زفّة!

12 ديسمبر 2014
لهذه الممارسة هيكلية دستورية وقانونية (دانيال ميهايلسكو/ فرانس برس)
+ الخط -
كانت تبلغ من العمر 14 عاماً حين تزوجت من رجل بضعف عمرها وله ولدان، أكبرهما من جيلها. هذه الفتاة هي جدتي. حصلت الحادثة عام 1947. اليوم، وبعد سبعين عاماً تقريباً، ما زال زواج الفتيات القاصرات أمراً مقبولاً في مجتمعنا. ليس مقبولاً فحسب، بل يتم أيضاً بمباركة ثالوث الأهل والدين والمجتمع.

لهذه الممارسة هيكلية دستورية وقانونية ناظمة في لبنان. تتضمن المادة التاسعة من الدستور احترام الدولة لنظام الأحوال الشخصية "للأهلين على اختلاف مللهم". يعني ذلك من الناحية القانونية أن قرارات الزواج والطلاق والوصاية والحضانة والولاية والإرث هي بيد رجل الدين. والأخير هو من يقرر الحد الأدنى للزواج، وقد يعتمد في كثير من الأحوال على حسن تقديره لنضوج الفتاة وأهليتها للزواج.

بين الطوائف المسيحية وتلك الإسلامية، لا يوجد أية طائفة تحدد سن 18 للزواج للشاب والفتاة إلا الطوائف الأرثوذكسية، وإن كان يجوز لها في بعض الحالات تخفيض السن إلى 17 سنة للذكر و15 سنة للأنثى. وتحدد الطائفة الشيعية نظرياً السن الأدنى للزواج بـ 15 سنة للشاب و9 سنوات للفتاة، وإن كان الشرط الأساسي لدى هذه الطائفة هو البلوغ للفتاة حتى لو حصل بعمر 8 سنوات!

يتعايش اللبنانيون مع هذا الأمر منذ ثلاثينيات القرن الماضي. بدأ تنظيم الأمر في الخمسينيات من خلال القوانين الراعية لقضايا الأحوال الشخصية للطوائف المختلفة. اللافت أن هذا "الزواج المبكر" بات، وبصورة مفاجئة، "مشكلة" في الآونة الأخيرة. ألصقت المشكلة بطبيعية الحال بالآخر المختلف. اللاجئون واللاجئات السوريون/ات في لبنان باتوا هم المشكلة بنظر الرأي العام. هم من يزوجّون بناتهم بدافع "حمايتهن" أو لتخفيف العبء الاقتصادي عن كاهلهم، كونهم في أوضاع نزوح غير طبيعية. والأهم، يتم الأمر بلا زفة!

للتصدي للمشكلة المستجدة، وضعت القضية على جدول أعمال وأجندات المنظمات والهيئات الأهلية والمدنية والدولية. كما خرجت طروحات رسمية لمشاريع قوانين تهدف إلى تنظيم زواج القاصرات في لبنان. تبقى كل هذه المقاربات والمبادرات قاصرة إن لم يتم معالجة المشكلة بكليتها وبمختلف أبعادها وجذورها. وتبقى معالجتها أمراً مستحيلاً طالما لا يتم معالجة جملة الإسقاطات النابعة من حالة النكران الجماعي للمشاكل في لبنان. ففي هذا البلد، ألا يتم تزويج الفتيات القاصرات بعمر مبكر انطلاقاً من الدوافع نفسها، ومع زفّة بالطبع؟

في مقابل حالة النكران الجماعي للمواطنين، ثمة حالة انفصام لدى السلطة. هل هي السلطة نفسها التي رفضت تخفيض سن الاقتراع إلى 18 عاماً بحجة أن المواطنين ليسوا ناضجين بعد؟

(ناشطة نسوية)
دلالات
المساهمون