سوريون يلجأون إلى اليونان بحراً بعد تعثّرهم برّاً

04 مارس 2020
على الحدود (بوراك كارا/ الأناضول)
+ الخط -

بعدما شرّعت السلطات التركيّة باب أوروبا أمام المهاجرين على أراضيها، رأى هؤلاء أنفسهم عالقين عند الحدود مع اليونان. فالاتحاد الأوروبي ليس موافقاً على الأمر. وهكذا يبقى الهاربون من بلدانهم ضحية للصراعات السياسية.

سوريون كثر هم من بين المهاجرين الذين فتحت لهم تركيا حدودها للعبور نحو أوروبا أخيراً. وبعدما وجدوا الحدود البريّة مع اليونان مغلقة أمامهم، رأوا في البحر فرصة للعبور نحو البلد الجار ومنه إلى "الجنّة الأوروبية". طالب الحاج علي من هؤلاء وهو شاب من محافظة إدلب، يخبر "العربي الجديد": "توجّهت مع بعض الأصدقاء إلى مدينة إزمير بعد استحالة الدخول برّاً إلى اليونان من ولاية أدرنة نتيجة توافد آلاف المهاجرين إلى الحدود التركية مع اليونان، ومنع سلطاتها هؤلاء من العبور، بالإضافة إلى المواجهات التي وقعت هناك". يضيف الحاج علي: "ننتظر حلول الليل، لنحاول العبور بحراً إلى اليونان. فأقرب جزيرة بحسب ما أُفدنا، لا تبعد أكثر من 15 كيلومتراً عن مكان إقامتنا في ولاية إزمير". ويتابع: "لا شيء مضمونا، لكنّها تبقى فرصة للسوريين حتى يهربوا من الواقع اليوم. صحيح أنّنا مرتاحون في تركيا لكنّ المعيشة صعبة. فأنا أتقاضى نحو ألفَي ليرة تركية (نحو 320 دولاراً أميركياً) شهرياً، وهي لا تسدّ حاجاتي على الرغم من أنّني عازب. وأنا مستعدّ للمغامرة لعلّني أصل إلى أوروبا وأبدأ حياة جديدة".

يوضح الدليل السياحي التركي سردار دونميز لـ"العربي الجديد" أنّ "النقاط الحدودية المشتركة تتعدّد بين تركيا واليونان، سواء أكانت برية أم بحرية"، لافتاً إلى أنّ "النقطة الأقلّ اكتظاظاً بالمهاجرين هي قضاء أيواجك في ولاية جنق قلعة التي لا تبعد عن جزيرة ميديلي اليونانية أكثر من 20 دقيقة بحراً. كذلك ثمّة نقاط عدّة في ولاية إزمير يمكن الانطلاق منها نحو الجزر اليونانية، أقربها ساكير التي لا تبعد عن تشمة التركية أكثر من 15 كيلومتراً". يضيف دونميز أنّ "حدود ولاية أدرنة هي الأقرب، إذ لا يفصلها عن اليونان سوى نهر مريج، لكنّ التشدّد الذي أدّى إلى مقتل شاب سوري قبل يومَين، دفع المهاجرين إلى تغيير وجهتهم صوب إزمير وجنق قلعة". ويتابع: "يسألني كثيرون عن الطريق الآن، لكن بصراحة لا يوجد أيّ معبر آمن إلى اليونان، ولا يمكن لأيّ كان أن يضمن التهريب". وحول التهريب إلى بلغاريا الواقعة على الجهة الأخرى من الحدود الشمالية الغربية لتركيا، يقول دونميز إنّ "السلطات التركية لم تسمح بوصول المهاجرين إلى الحدود البلغارية، علماً أنّ ثمّة معبرَين هناك، الأوّل بازار كولي بين بلغاريا واليونان والثاني توبي كولي بين تركيا وبلغاريا". ويكمل أنّ "الحدود بين تركيا وبلغاريا تمتدّ لمسافة قصيرة، وهي مضبوطة في حين أنّ الحدود مع اليونان تمتدّ لنحو 200 كيلومتر وتركيا فتحتها أمام المهاجرين أخيراً".



أبو عبدو شاب سوري آخر يصف رحلته بـ"الشاقة" في حديث إلى "العربي الجديد" في آكسراي بإسطنبول. يخبر: "جئت من سورية تهريباً إلى تركيا، تحديداً إلى ولاية كلس، في مقابل 1700 دولار أميركي، ومنها إلى مدينة عنتاب في مقابل 100 دولار. وأخيراً وصلت إلى إسطنبول لقاء 100 دولار". ويشرح أبو عبدو الأسباب التي اضطرته إلى تحمّل هذا المبلغ الكبير، قائلاً "لا أملك كيملك وقد هرّبتنا سيارات أجرة على مسؤولية المهرّبين". وعند سؤاله عن وجهته، يجيب أبو عبدو "نخطط للذهاب إلى ولاية إزمير، لأنّنا نتواصل مع شباب في أدرنة، وقد أكّدوا لنا أوّل من أمس الإثنين أنّ الشرطة التركية تمنع وصول المهاجرين إلى الحدود البحرية، فضلاً عن المخاوف من الموت، بالإضافة إلى أنّ الشرطة اليونانية أعادت 75 مهاجراً سورياً إلى تركيا، بعدما رموا كلّ ما يملكون في النهر".

وحول ما يجري في ولاية أدرنة، يقول مراسل تلفزيون "العربي" أحمد غنام الموجود على الحدود التركية اليونانية إنّ "نسبة السوريين الساعين إلى التوجّه نحو اليونان من الولاية لا تتجاوز 10 في المائة من المتهافتين إلى الحدود، أمّا النسبة الأكبر فهي من إيران وأفغانستان. كذلك ثمّة مهاجرون عراقيون ومغاربة وأفارقة". ويؤكد أنّ "الوصول إلى اليونان صعب وخطر لأنّه يستوجب عبور نهر عميق ومتشعّب فيما مياهه باردة، بالتالي من غير المؤكد بلوغ المهاجرين وجهتهم عير البالم (قوارب مطاطية)". ويتحدّث غنام عن تشدّد اليونان ومنع وصول المهاجرين إليها، لافتاً إلى أنّه "حتى نحن نجد صعوبة للوصول إلى الضفّة لتغطية الأحداث".

وعلى الرغم من الإجراءات المشدّدة التي لجأت إليها اليونان وكذلك تراجع التشجيع التركي في انتظار القمّة المتوقّعة ما بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وصلت أعداد كبيرة من المهاجرين السريين عبر تركيا إلى اليونان. وقد أفادت الصحافة اليونانية بأنّ المهاجرين وصلوا برّاً من أدرنة وبحراً من إزمير ومناطق أخرى على بحر إيجه إلى الجزر اليونانية، خصوصاً كيوس وليسفوس وساموس التي تضمّ مخيّمات للمهاجرين فيما يزداد تذمّر سكانها اليونانيين من موجات اللجوء تلك.



وكان أردوغان قد أعلن أخيراً أنّ بلاده سوف تبقي أبوابها مفتوحة أمام المهاجرين الراغبين في التوجّه إلى أوروبا، موضحاً أنّ تركيا غير قادرة على استيعاب موجة هجرة جديدة. وقبيل تصريحه هذا، بدأت حافلات مجانية تنطلق من شارع وطن في وسط حيّ الفاتح بإسطنبول إلى ولاية أدرنة على الحدود البرية مع اليونان وبلغاريا، لإيصال الراغبين في الهجرة. وبحسب المراقبين، فإنّ ذلك يهدف إلى الضغط على الدول الأوروبية التي لم تلتزم مالياً في ما يخصّ ملف اللجوء مع تركيا، ولم تقف معها في مواجهاتها العسكرية في شمال غرب سورية.
المساهمون