الهجوم الأخير على أحد مستشفيات الأطفال في كابول، فجع كثيراً من العائلات التي خسرت بناتها خصوصاً، إذ لم يوفر المسلحون الأمهات اللواتي وضعن مواليدهن للتوّ، أو كنّ يتهيأن لذلك، فيما تُرك كثير من الأطفال يتامى منذ لحظة ولادتهم.
فقدت الطفلة آمنة أمها بعد ساعة ونصف من ولادتها بسبب هجوم استهدف مستشفى للأطفال في العاصمة الأفغانية كابول، في 12 مايو/ أيار الجاري. قُتلت نازيا، أم الطفلة، رمياً بالرصاص ولم تكمل ساعتين على ولادتها. قصة آمنة اشتهرت في أوساط الشعب الأفغاني من بين آلاف القصص لأطفال عاشوا في أتون حرب تستمر منذ أربعة عقود، ولا تلوح بوادر نهايتها في القريب العاجل.
يحكي والد الطفلة آمنة، وزوج الضحية نازيا، رفيع الله، القصة كاملة لـ"العربي الجديد" ويقول: "كنت أنتظر مع والدتي لحظة خروج زوجتي من المستشفى بعدما وضعت طفلتنا، لكي نعود إلى المنزل، وكنت أتوقع أن يكون ذلك بعد ظهر ذلك اليوم، ولم يكن يخطر في بالي أنّي سأذهب إلى منزلي من دون زوجتي وأنّ هجوماً مباغتاً سيفرقّها عنّي إلى الأبد، وأنّي سأصبح أباً وأماً في آنٍ واحد، لثلاثة أطفال"، واصفاً شريكة حياته نازيا بالمرأة الحنونة المؤدبة.
قبل مقتلها بقليل اتصلت نازيا بزوجها، لتحذره من أنّ هناك هجوماً يحصل وعليه أن يحمي نفسه. يقول الزوج: "كنت مع والدتي إلى جانب السيارة التي نقلت فيها زوجتي إلى المستشفى، وقد استعرتها من رفيقي، عندما وقع إطلاق نار ودوي تفجير، حينها اتصلت بي زوجتي وقالت إنّ هناك في ما يبدو هجوماً انتحارياً، واستشارتني في الخروج مع مولودتنا من الغرفة، لكن ظننت أنّ المهاجمين لن يدخلوا إلى غرف النساء، لذا قلت لها لا تخرجي واجلسي في مكان آمن، وهي أيضاً أوصتني بتوخي الحيطة قبل أن ينقطع الاتصال". وبعد انتهاء الهجوم، دخل رفيع الله إلى المسشفى فوجد من بين القتلى زوجته وقد ألقت بنفسها تحت السرير، أما ابنته فنقلتها القوات الخاصة إلى مستشفى آخر، ثم سلّمتها إلى والدها لاحقاً، لتصبح على كاهله مهمة تربية ثلاثة أطفال بعدما فقد شريكة حياته.
رفيع الله شرطي يعمل في إقليم قندهار، جنوبي البلاد، فيما أسرته في كابول، وقد حضر من أجل مراقبة حالة زوجته التي كانت بصدد وضع الطفل. في مساء الإثنين تعبت الزوجة، فأخذها إلى المستشفى الحكومي الخاص بأمراض النساء، كونه أفضل مستشفى في المنطقة، إذ تموله منظمة "أطباء بلا حدود". وفي صباح الثلاثاء، وقبل وقوع الهجوم رزق الرجل بطفلة. خلال الفترة ما بين الولادة والهجوم وهي ساعة ونصف، تحدث رفيع الله مع شريكة حياته نازيا عبر الهاتف حول أمور مختلفة مرتبطة بمرحلة ما بعد ولادة الطفلة. كانت تطلب منه ألاّ يقلق كثيراً حول شؤون الحياة، وأن يهتم بصحته كونه صائماً.
اقــرأ أيضاً
وبعد فقدان زوجته تضاعفت معاناة الرجل وازدادت مشاكله بالرغم من إعلان وزير الداخلية مسعود أندرابي، عن نقل مكان وظيفته من قندهار إلى كابول، كي يتمكن من تولي تربية أولاده. لكنّ تلك الخطوة قد لا تحلّ مشاكل الأب إذ إنّه بحاجة إلى البقاء في المنزل، فأبناؤه صغار جداً، وهم مدينة (5 أعوام)، وميروس (3 أعوام) بالإضافة إلى المولودة حديثاً آمنة، بينما الوظيفة تتطلب منه الذهاب إلى العمل. أما والدته ووالده المسنان فيحتاجان بدورهما إلى عناية كانت زوجته تتولاها إلى جانب تربية الأبناء والقيام بشؤون المنزل المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك، ثمة مشكلة أكبر تواجه رفيع الله، إذ يقول: "أعيش في منطقة كمبني، بضواحي العاصمة، وهي منطقة غير آمنة، وفيها نفوذ لحركة طالبان وغيرها من الحركات المسلحة. كانت أسرتي تقول للناس سابقاً إنّي أعمل سائقاً في قندهار. والآن بعد مقتل زوجتي علم الجميع أنّي شرطي، إذ أثيرت قصتنا في وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك باتت حياتي معرضة للخطر، ولا أتوقع أن تفعل الحكومة شيئاً أكثر من نقل وظيفتي من قندهار إلى كابول".
في ذلك اليوم الدموي، لم تكن نازيا الضحية الوحيدة، بل أدى الهجوم إلى مقتل 26 امرأة في المستشفى، بعضهن كنّ قد وضعن الأطفال للتوّ، فيما كانت تتهيأ أخريات. من القصص الأليمة قصة امرأة وضعت طفلتها أثناء الهجوم. تقول ممرضة أفغانية رفضت الكشف عن هويتها، إنّ تلك المرأة وضعت طفلتها وسط دوي التفجيرات وإطلاق النار الكثيف، ما منعها حتى من الحديث، كذلك وضعت الأم إصبعها في فم الطفلة بعد الولادة كي لا تخرج صوتاً. وهناك قصة طفلة أصيبت في رجلها بعدما قُتلت أمها على يد المسلحين. وقال مستشفى "أتاتورك" في بيان، إنّه استقبل 20 طفلاً بعد الهجوم وكان من بينهم طفلة عمرها ساعات تلقت رصاصتين في رجلها، ثم أرسلت إلى مستشفى "أنديرا غاندي" لإجراء جراحة. وكان من بين القتلى مولودان عمرهما ساعات، كما قالت وزارة الداخلية، وهو ما يؤكد مدى بشاعة هذه الحرب التي لا ترحم أحداً، بل يدفع الأطفال ثمنها بأرواحهم، فضلاً عن الحرمان من التعليم والرعاية الصحية وغيرهما.
اقــرأ أيضاً
قبل تسليم مستشفى "أتاتورك" الأطفال إلى ذويهم، طلبت نساء عديدات تبنيهم، وكان من بين هؤلاء الناشطة كهكشان كوفي، التي طلبت أن تأخذ أحد هؤلاء الأطفال لتربيه مع ابنيها جوشن جان وبهراد جان، وقد سعت لذلك، كما سعى غيرها. لكن، بسبب العادات والتقاليد من جهة، وبسبب المشاعر الجياشة لدى ذوي الأطفال من جهة ثانية، لم يحدث ذلك. مع ذلك، تولت بعض النساء إرضاع ورعاية الأطفال الذين قتلت أو أصيبت أمهاتم بعد نقلهم إلى مستشفى "أتاتورك". وبعض هؤلاء النساء تحدثن عن المشاعر والأوضاع السائدة هناك. منهن فيروزه عمر، التي قالت لوسائل الإعلام المحلية: "عندما رأيت خبر الهجوم على المستشفى وأنّ الأطفال نقلوا إلى المستشفى القريب من منزلنا استشرت زوجي وقد وافقني على أن أترك طفلي الرضيع في المنزل، وذهبت إلى المستشفى فوجدت الأطفال بحاجة إلى الرضاعة وبدأت أرضعهم واحداً واحداً، ثم بدأت أتنقل بين منزلي لأرضع طفلي، وبين المستشفى لأرضع هؤلاء الأطفال"، موضحة أنّ هناك نساء أخريات قمن بنفس العمل، ومشيرة إلى أن الأجواء السائدة هناك كانت مفعمة بالحزن والأسى. يُذكر أنّ منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أفادت في تقرير لها بأنّ معدل سقوط الأطفال ما بين قتيل وجريح خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، كان تسعة أطفال يومياً.
يحكي والد الطفلة آمنة، وزوج الضحية نازيا، رفيع الله، القصة كاملة لـ"العربي الجديد" ويقول: "كنت أنتظر مع والدتي لحظة خروج زوجتي من المستشفى بعدما وضعت طفلتنا، لكي نعود إلى المنزل، وكنت أتوقع أن يكون ذلك بعد ظهر ذلك اليوم، ولم يكن يخطر في بالي أنّي سأذهب إلى منزلي من دون زوجتي وأنّ هجوماً مباغتاً سيفرقّها عنّي إلى الأبد، وأنّي سأصبح أباً وأماً في آنٍ واحد، لثلاثة أطفال"، واصفاً شريكة حياته نازيا بالمرأة الحنونة المؤدبة.
قبل مقتلها بقليل اتصلت نازيا بزوجها، لتحذره من أنّ هناك هجوماً يحصل وعليه أن يحمي نفسه. يقول الزوج: "كنت مع والدتي إلى جانب السيارة التي نقلت فيها زوجتي إلى المستشفى، وقد استعرتها من رفيقي، عندما وقع إطلاق نار ودوي تفجير، حينها اتصلت بي زوجتي وقالت إنّ هناك في ما يبدو هجوماً انتحارياً، واستشارتني في الخروج مع مولودتنا من الغرفة، لكن ظننت أنّ المهاجمين لن يدخلوا إلى غرف النساء، لذا قلت لها لا تخرجي واجلسي في مكان آمن، وهي أيضاً أوصتني بتوخي الحيطة قبل أن ينقطع الاتصال". وبعد انتهاء الهجوم، دخل رفيع الله إلى المسشفى فوجد من بين القتلى زوجته وقد ألقت بنفسها تحت السرير، أما ابنته فنقلتها القوات الخاصة إلى مستشفى آخر، ثم سلّمتها إلى والدها لاحقاً، لتصبح على كاهله مهمة تربية ثلاثة أطفال بعدما فقد شريكة حياته.
رفيع الله شرطي يعمل في إقليم قندهار، جنوبي البلاد، فيما أسرته في كابول، وقد حضر من أجل مراقبة حالة زوجته التي كانت بصدد وضع الطفل. في مساء الإثنين تعبت الزوجة، فأخذها إلى المستشفى الحكومي الخاص بأمراض النساء، كونه أفضل مستشفى في المنطقة، إذ تموله منظمة "أطباء بلا حدود". وفي صباح الثلاثاء، وقبل وقوع الهجوم رزق الرجل بطفلة. خلال الفترة ما بين الولادة والهجوم وهي ساعة ونصف، تحدث رفيع الله مع شريكة حياته نازيا عبر الهاتف حول أمور مختلفة مرتبطة بمرحلة ما بعد ولادة الطفلة. كانت تطلب منه ألاّ يقلق كثيراً حول شؤون الحياة، وأن يهتم بصحته كونه صائماً.
وبعد فقدان زوجته تضاعفت معاناة الرجل وازدادت مشاكله بالرغم من إعلان وزير الداخلية مسعود أندرابي، عن نقل مكان وظيفته من قندهار إلى كابول، كي يتمكن من تولي تربية أولاده. لكنّ تلك الخطوة قد لا تحلّ مشاكل الأب إذ إنّه بحاجة إلى البقاء في المنزل، فأبناؤه صغار جداً، وهم مدينة (5 أعوام)، وميروس (3 أعوام) بالإضافة إلى المولودة حديثاً آمنة، بينما الوظيفة تتطلب منه الذهاب إلى العمل. أما والدته ووالده المسنان فيحتاجان بدورهما إلى عناية كانت زوجته تتولاها إلى جانب تربية الأبناء والقيام بشؤون المنزل المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك، ثمة مشكلة أكبر تواجه رفيع الله، إذ يقول: "أعيش في منطقة كمبني، بضواحي العاصمة، وهي منطقة غير آمنة، وفيها نفوذ لحركة طالبان وغيرها من الحركات المسلحة. كانت أسرتي تقول للناس سابقاً إنّي أعمل سائقاً في قندهار. والآن بعد مقتل زوجتي علم الجميع أنّي شرطي، إذ أثيرت قصتنا في وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك باتت حياتي معرضة للخطر، ولا أتوقع أن تفعل الحكومة شيئاً أكثر من نقل وظيفتي من قندهار إلى كابول".
في ذلك اليوم الدموي، لم تكن نازيا الضحية الوحيدة، بل أدى الهجوم إلى مقتل 26 امرأة في المستشفى، بعضهن كنّ قد وضعن الأطفال للتوّ، فيما كانت تتهيأ أخريات. من القصص الأليمة قصة امرأة وضعت طفلتها أثناء الهجوم. تقول ممرضة أفغانية رفضت الكشف عن هويتها، إنّ تلك المرأة وضعت طفلتها وسط دوي التفجيرات وإطلاق النار الكثيف، ما منعها حتى من الحديث، كذلك وضعت الأم إصبعها في فم الطفلة بعد الولادة كي لا تخرج صوتاً. وهناك قصة طفلة أصيبت في رجلها بعدما قُتلت أمها على يد المسلحين. وقال مستشفى "أتاتورك" في بيان، إنّه استقبل 20 طفلاً بعد الهجوم وكان من بينهم طفلة عمرها ساعات تلقت رصاصتين في رجلها، ثم أرسلت إلى مستشفى "أنديرا غاندي" لإجراء جراحة. وكان من بين القتلى مولودان عمرهما ساعات، كما قالت وزارة الداخلية، وهو ما يؤكد مدى بشاعة هذه الحرب التي لا ترحم أحداً، بل يدفع الأطفال ثمنها بأرواحهم، فضلاً عن الحرمان من التعليم والرعاية الصحية وغيرهما.
قبل تسليم مستشفى "أتاتورك" الأطفال إلى ذويهم، طلبت نساء عديدات تبنيهم، وكان من بين هؤلاء الناشطة كهكشان كوفي، التي طلبت أن تأخذ أحد هؤلاء الأطفال لتربيه مع ابنيها جوشن جان وبهراد جان، وقد سعت لذلك، كما سعى غيرها. لكن، بسبب العادات والتقاليد من جهة، وبسبب المشاعر الجياشة لدى ذوي الأطفال من جهة ثانية، لم يحدث ذلك. مع ذلك، تولت بعض النساء إرضاع ورعاية الأطفال الذين قتلت أو أصيبت أمهاتم بعد نقلهم إلى مستشفى "أتاتورك". وبعض هؤلاء النساء تحدثن عن المشاعر والأوضاع السائدة هناك. منهن فيروزه عمر، التي قالت لوسائل الإعلام المحلية: "عندما رأيت خبر الهجوم على المستشفى وأنّ الأطفال نقلوا إلى المستشفى القريب من منزلنا استشرت زوجي وقد وافقني على أن أترك طفلي الرضيع في المنزل، وذهبت إلى المستشفى فوجدت الأطفال بحاجة إلى الرضاعة وبدأت أرضعهم واحداً واحداً، ثم بدأت أتنقل بين منزلي لأرضع طفلي، وبين المستشفى لأرضع هؤلاء الأطفال"، موضحة أنّ هناك نساء أخريات قمن بنفس العمل، ومشيرة إلى أن الأجواء السائدة هناك كانت مفعمة بالحزن والأسى. يُذكر أنّ منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أفادت في تقرير لها بأنّ معدل سقوط الأطفال ما بين قتيل وجريح خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، كان تسعة أطفال يومياً.