الإصابات بفيروس كورونا الجديد تُعَدّ قليلة في السودان مقارنة بدول أخرى، غير أنّ النظام الصحي في البلاد وكذلك التحديات الأخرى التي تعيشها تجعل تهديد الفيروس كبيراً. هو لا يستهدف صحة الأفراد فحسب، لا بل المنظومة الصحية بأكملها.
تأتي أزمة كورونا لتُضاف إلى أزمات بالجملة يعانيها السودان، وأصبح الفيروس يهدّد السودانيين إلى جانب النقص في الخبز والوقود وغاز الطبخ وغلاء الأسعار. ولعلّ الأخطر هو المخاوف من انهيار النظام الصحي في البلاد. وكان السودان قد اتّخذ منذ يناير/ كانون الثاني الماضي جملة من التدابير الاحتياطية، منها إغلاق المدارس والجامعات وكلّ المعابر البرية والجوية والبحرية وحظر التجمّعات، للحؤول دون تفشّي كورونا. وفي الإطار نفسه، فُرض في نهاية الشهر الماضي حظر تجوّل ليلي، قبل أن يبدأ السبت الماضي تنفيذ حظر تجوّل شامل في العاصمة الخرطوم، مع فترة سماح لمدّة سبع ساعات حتى يتمكّن المواطنون من توفير احتياجاتهم الغذائية.
وبينما تشير السلطات الصحية في البلاد إلى أنّ استراتيجيتها الأساسية في مواجهة فيروس كورونا وقائية، في ظلّ هشاشة النظام الصحي وضعف الإمكانيات، رسمت لجنة الأطباء المركزية صورة سوداء لأوضاع المستشفيات والكوادر الصحية العاملة فيها. وقد أوضحت اللجنة في بيان أنّ ثمّة 10 مستشفيات تعمل بأقلّ من طاقمها وأربعة أخرى في العاصمة الخرطوم توقّف عملها إلى حدّ كبير نتيجة حجر أطقمها بعد حالات اشتباه في إصابتها بالعدوى. وأكّدت اللجنة أنّ البلاد تواجه جائحة كورونا وسط نظام صحي رثّ يُوشك أن ينهار، لافتة إلى أنّ الكوادر الطبية والصحية تعاني كثيراً من أجل استقرار النظام الصحي ومحاربة عناصر الردّة في ظلّ شح الإمكانات والتعدّي المستمر عليها. وقد شدّدت على أنّ خطّ الدفاع الأوّل في مواجهة الفيروس يحتاج إلى معينات العمل اللازمة للقيام بالدور المنوط به تجاه شعبه وأهله.
وإذ أفادت اللجنة بأنّ نزف الكوادر قد بدأ بالفعل في الأيام الماضية، نتيجة عدم توفير معينات العمل ومستلزمات الحماية الشخصية اللازمة بالإضافة إلى غياب نظام الفرز البصري، حذّرت من استمرار الحال على ما هي عليه وهو ما قد يؤدّي بحسب تقديرها إلى بلوغ مرحلة التوقف التام عن تقديم الخدمات الطبية وانهيار النظام الصحي ككلّ. وتابعت اللجنة أنّ ثمّة مستشفيات تعاني وتعمل بأقلّ من طاقتها الكاملة، مع توقّف بعض الأقسام، فيما تعمل أخرى بفرق أقلّ نتيجة حجر عدد كبير من الكوادر نتيجة حالات اشتباه أو حالات موجبة، يُضاف إلى ذلك عدم الالتحاق بالعمل في غياب وسائل النقل، فيما توقّفت أخرى عن تقديم خدماتها لضرورة التعقيم.
في السياق، يقول مدير المستشفى الأكاديمي في الخرطوم محمد نقد الله لـ"العربي الجديد" إنّ "المستشفيات تواجه مشكلات عدّة تحتاج إلى تدخّلات سريعة"، مشيراً إلى أن مستشفاه "واجه في الأيام الماضية مشكلة نقل الأطباء والكوادر الصحية الأخرى من منازلهم إلى موقع العمل مع فرض حظر التجول". وأضح أنّ "إدارة المستشفى نسّقت مع إدارة شركة مواصلات ولاية الخرطوم لتجهيز عدد من الحافلات، ثمّ لجأنا إلى حلّ آخر وهو توفير سكن في المستشفى حتى نضمن تشغيل أكبر عدد من الكوادر بدلاً من العمل بالحدّ الأدنى". يضيف نقد الله أنّ "الأزمة الثانية التي واجهتنا هي ندرة معدّات الوقاية والحماية للأطباء"، لافتاً إلى أنّ "وزارة الصحة بدأت بتقديم دعم كبير خفّف من وطأة الأزمة". وعن تحذير لجنة الأطباء المركزية من انهيار النظام الصحي، يقول نقد الله إنّ "الأمر وارد، خصوصاً إذا ارتفعت أعداد المصابين في الأسابيع المقبلة وبالشكل الذي شهدته بلدان أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية". لكنّه يشدّد على أنّ "اللاعب الرئيسي في مواجهة كورونا هو المواطن نفسه الذي يتوجّب عليه الالتزام بالإرشادات الصحية التي تقيه شرّ الإصابة بالفيروس".
من جهته، يعدّد الطبيب محمد عثمان لـ"العربي الجديد" أبرز المعوّقات التي تعترض عمل الأطباء والكوادر الصحية في السودان، ومنها "عدم توفّر الأدوات والمستلزمات الضرورية لخوض معركتهم مع كورونا"، مشيراً إلى أنّه "في بعض المستشفيات لا تتوفّر حتى القفّازات والكمّامات". يضيف عثمان أنّ "الأطباء يقابَلون كذلك بروح عدائية في نقاط تفتيش كثيرة في خلال فترة حظر التجوّل، إلى جانب قلّة عدد الأطباء الاختصاصيّين في مراكز العزل، فضلاً عن عدم استلام مستحقّاتهم المالية وعدم توفّر سكن له في المستشفيات ومراكز العزل على وجه التحديد. هم يخشون الذهاب إلى بيوتهم خشية نقل العدوى إلى أسرهم". ويتابع عثمان أنّ "كلّ تلك الظروف بالإضافة إلى الوضع المتدهور للنظام الصحي أساساً، تفرض على الحكومة وعلى وزارة الصحة خصوصاً مراجعة استراتيجيتها، لا سيّما أنّها مسنودة بقانون طوارئ صحية".
بدوره، يقرّ وزير الإعلام المتحدث الرسمي باسم الحكومة، فيصل محمد صالح، لـ"العربي الجديد" بـ"هشاشة النظام الصحي الموروث من نظام الرئيس المعزول عمر البشير"، مؤكداً أنّ "الحكومة تعمل بكلّ طاقاتها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه على الرغم من شحّ الإمكانات". ويشير صالح إلى أنّ "الاتحاد الأوروبي تبرّع بمبلغ 80 مليون دولار أميركي للسودان بهدف مواجهة كورونا، كذلك تبرّع بنك التنمية الأفريقي بمبلغ 40 مليون دولار، غير أنّ ذلك المال لن يُحوَّل إلى البلاد بالسرعة المطلوبة".
ويوضح صالح لـ"العربي الجديد" أنّ "أكبر المشكلات التي تواجه الكوادر الصحية في المستشفيات هو لجوء بعض المرضى وأسرهم إلى إخفاء معلومات مهمّة، ما يؤدّي إلى إصابة الكوادر الصحية والأطباء أو إلى حجرهم في حال ثبوت إصابة المريض بالفيروس"، مضيفاً أنّ "أعداداً كبيرة من هؤلاء في الحجر الصحي بعد مخالطتهم مرضى". وحول نقص مستلزمات الوقاية، يوضح صالح أنّ "شركات محلية تمكّنت في خلال الفترة الماضية من إنتاج ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف بذلة واقية، بعدما تعذّر استيرادها من الخارج"، فيما يلفت إلى أنّ "البلاد لم تستلزم حتى الآن أيّ جهاز تنفّس صناعي". وعن عدم التزام مواطني ولاية الخرطوم بحظر التجوّل المفروض واضطراهم إلى الانتظار في طوابير طويلة ومزدحمة بسبب أزمات الخبز والوقود وغاز الطبخ، كشف صالح أنّه "في خلال ثلاثة أيام فقط سوف تتلاشى كلّ تلك الطوابير بعد التعاقدات التي قامت بها الحكومة لتوفير كلّ السلع الضرورية لمدّة ثلاثة أشهر".