لماذا تسجل الولايات المتحدة أكبر عدد من إصابات كورونا؟

28 مارس 2020
فرض الحجر المنزلي على 60% من الأميركيين(كينا بيتانكور/فرانس برس)
+ الخط -
انتقلت الولايات المتحدة الأميركية من رصد أول إصابة بفيروس كورونا الجديد على أراضيها في نهاية كانون الثاني/يناير إلى إعلان حصيلة رسمية، الجمعة، تفوق المئة ألف إصابة، ما يجعل هذا البلد يحتلّ المرتبة الأولى في العالم في عدد الإصابات بوباء "كوفيد-19". 

وقضى حوالي 1600 شخص جرّاء إصابتهم بفيروس كورونا، بحسب آخر حصيلة صدرت الجمعة، غير أن نسبة الوفيات تبقى أدنى بكثير مما هي عليه في العديد من الدول الأوروبية. فكيف وصلت الولايات المتحدة الأميركية إلى ما هي عليه اليوم؟ وما الذي يمكن توقّعه بشأن تطوّر الوضع؟

تأخير في إجراء الفحوص 

يحذّر خبراء الصحة العامة بأن الوباء لم يبلغ ذروته بعد في الولايات المتحدة، غير أن ثمة عوامل عدّة خلف تسجيل أعداد كبيرة من الإصابات في هذا البلد. ففي بداية أزمة انتشار الوباء، اتُّهم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالتقليل من خطورته، بتأكيده، خلافاً لرأي مسؤولي الصحة، أنّ انتشار الفيروس محلياً ليس أمراً "محتوما". ومع توالي الإصابات، أولاً في ولايتي واشنطن وكاليفورنيا (غرب)، بدا البلد عاجزاً عن رصد الأشخاص الذين كانوا على تواصل مع المصابين بشكل فعّال، لعدم توافر الفحوص على نطاق واسع لكشف الإصابات بالفيروس.
كما رفضت الحكومة، في بادئ الأمر، رفع بعض القيود للسماح للولايات المختلفة بتطوير فحوصها بنفسها، ما زاد من التأخير في مواجهة الأزمة. وتمّ إرسال أول الفحوص المتوافرة إلى مقرّ "مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها" في أتلنتا. بدورها، أرسلت "مراكز مكافحة الأمراض" فحوصاً غير صالحة إلى الولايات، ما زاد من التأخير.
ولم ترفع الحكومة القيود المفروضة إلاّ في 29 شباط/فبراير، يوم حصول أول وفاة في الولايات المتحدة، وبعد أكثر من شهر على رصد أول إصابة. بعد ذلك، انضم القطاع الخاص  إلى الجهود لمكافحة كورونا. وأوضح مدير قسم طب الطوارئ في جامعة جون هوبكينز، غابور كيلن، لوكالة "فرانس برس"، أنّه: "لو تمكنا من رصد الذين تواصلوا مع الأشخاص المصابين، لكنّا ربما عثرنا على المزيد من الحالات بشكل سريع، وعزلنا مواقع الانتشار الكبير".


وحاول المسؤولون الأميركيون الدفاع عن أنفسهم، فردّدوا أنّ الفحوص التي طورّتها كوريا الجنوبية، البلد النموذجي على صعيد استراتيجية الرصد الجماعي للإصابات، كانت تعطي أحيانا نتائج إيجابية بالخطأ.
"لكن هذا لا يهم" برأي غابور كيلن، الذي يضيف أنّ "ما أعلّمه لتلاميذي في الطب هو أنّ أيّ شيء هو أفضل من لا شيء. وكلّما أبكرنا كان الأمر مجديا أكثر (...) الأفضل عدو الجيد".

لا تحرك وطنياً

باتت ولاية نيويورك بؤرة الوباء في الولايات المتحدة، بعد تسجيل حوالي 45 ألف إصابة وأكثر من 500 وفاة حتى الجمعة، وهي أرقام تشهد تطوراً سريعاً. تليها ولاية نيوجرسي المجاورة، ثم كاليفورنيا وولايات واشنطن وميشيغن وإيلينوي، مع تركّز الإصابات في المدن الكبرى مثل نيويورك.
وحذّر أستاذ الصحة العامة في جامعة "هارفرد"، توماس تساي، من أنّه يجدر بالولايات التي لم تشهد تزايداً في انتشار الوباء في الوقت الحاضر، أن تسارع إلى استخلاص العبر. وقال لـ"فرانس برس" إنّ "الولايات المتحدة ليست مجموعة موحّدة، فهناك خمسون ولاية مع تحركات مختلفة قرارها بيد الحكّام وإدارات الصحة العامة المحلية".
وأضاف "أعتقد أنّ ما نحن بحاجة إليه اليوم، هو مجهود وطني حقيقي للتنسيق"، محذراً من أنّ الإستمرار في الـ"ردود المتباينة" بين الولايات، تستهدف حركة الأشخاص وقد تجعل ولايات جديدة تشهد انتشاراً للوباء شبيهاً بما يحصل في نيويورك.
وتمّ فرض الحجر المنزلي، اعتبارا من بعد ظهر الجمعة، على أكثر من 60% من الأميركيين، ما يعني أنّ حوالى 30%، من أصل تعداد إجمالي قدره 330 مليون نسمة، غير خاضعين لهذا التدبير.

ماذا الآن؟

ما يبعث على الأمل، هو أنّ معدّل الوفيات الوطني، المستند إلى عدد الإصابات المثبتة، يبقى في الوقت الحاضر متدنياً نسبياً. إذ هو 1,5% بالمقارنة مع 7,7% في إسبانيا و10% في إيطاليا. لكن هل يستمر هذا التوجه؟ هذا سؤال ينقسم حوله الخبراء.
أوضح خبير علم الأوبئة في جامعة "تورونتو"، ديفيد فيسمان، لـ"فرانس برس"، أنّ "نسبة الوفيات لا تطمئن"، موضحاً أنّها "سترتفع لاحقاً، لأنّ الأمر يستغرق وقتاً حتى تحصل وفيات. أتوقع أن تكون الولايات المتحدة على أبواب وباء كارثي بشكل عام".
ويتفق الجميع على نقطة واحدة، وهي أن تدابير "الابتعاد الاجتماعي" ضرورية للاستمرار في "خفض مسار" انتشار الوباء، أي إبطاء عدد الإصابات الجديدة وسرعة تسجيلها، لتفادي قدر الإمكان استنفاد طاقات المستشفيات كما يحصل في نيويورك.
ومن المحتمل، من وجهة نظر علمية، أن يتحوّل الفيروس مع الوقت إلى شكل أقل فتكاً، برأي غابور كيلن، كما أنّ الحر والرطوبة قد يبطئان من انتشاره. وتتوقّع كلية الطب في جامعة "واشنطن" الوصول إلى ذروة انتشار الوباء، قرابة منتصف نيسان/إبريل، إذا ما استمرّ المسار الحالي. على أن يصل عدد الوفيات إلى حوالي 80 ألفا اعتباراً من حزيران/يونيو. ويشير النموذج، الذي وضعته الكلية، إلى أنّ هذا العدد سيتراوح بين 38 ألف وفاة كحد أدنى و162 ألفا كحد أقصى، بينما أودت الإنفلونزا مثلاً بحياة 34 ألف شخصاً في الولايات المتحدة خلال 2018-2019.

(فرانس برس)

المساهمون