سابقة طبية عالمية في فلسطين

15 مارس 2020
"الإنجازات الطبية تعيد ثقة المواطن الفلسطيني بكفاءاته الوطنية" (فيسبوك)
+ الخط -

نجح فريق جراحة فلسطيني في إنقاذ حياة فلسطينية شابة (29 عاماً) بعدما تعرّضت في خلال عملية الوضع إلى تمزّق كامل في الحجاب الحاجز، وانزلاق معظم أعضاء البطن الحيوية إلى تجويف الصدر. ونشرت المجلة البريطانية المتخصصة في جراحة القلب والصدر تقريراً حول هذا الإنجاز، لافتة إلى أنّه يُعَدّ الأول في تاريخ النشر الطبي.

والمرأة الفلسطينية الشابة كانت في صيف عام 2017 على وشك وضع طفلها الأوّل في أحد مستشفيات جنوب الضفة الغربية، عندما فقدت وعيها وكادت تموت بسبب توقّف مفاجئ في القلب. عمد الأطباء إلى إنعاشها غير أنّ حالتها تدهورت بشدّة، فتدخّل حينها فريق أطباء متخصّص لإنقاذها برئاسة جرّاح القلب الفلسطيني المعروف البروفسور سليم الحاج يحيى، وهو كان رئيس المستشفى الجامعي في نابلس آنذاك، علماً أنّه أستاذ جراحة القلب في جامعتَي غلاسكو وبريستول البريطانيتَين. وبعد تشخيص فوري للحالة، أجرى الفريق عمليّة طارئة ودقيقة لإعادة كلّ أعضاء البطن الحيوية إلى مكانها الطبيعي وإعادة القلب إلى وضعه الصحيح ونفخ الرئتَين، فضلاً عن إعادة ترميم وبناء عضلة وأنسجة الحجاب الحاجز بالكامل.

في حديث مع "العربي الجديد"، يقول يحيى إنّها "ليست فقط المرّة الأولى التي تنجو فيها امرأة في مثل وضعها من مضاعفات مماثلة، بل هي المرّة الأولى التي يصدر منشور فيها حول نجاح عملية من هذا النوع في تاريخ النشر العلمي الطبي. لذلك، بالإضافة إلى تميّز هذه الخطوة الطبية، فإنّه من الضروري أن نعرف أنّ التمزّق أو انفجار الحجاب الحاجز كان نتيجة عدم الالتزام بقواعد الإنعاش والضغط عند أسفل الصدر في محاولة لإحياء القلب". ويوضح أنّه "من النادر جداً أن ينفجر الحجاب الحاجز بالكامل وأن تنزلق الأعضاء كلها، الكليتان والمعدة والأمعاء والطحال في اتجاه الصدر. لكن هذا ما حدث وثمّة صور توضح الأمر نُشرت في المجلة العلمية البريطانية".



ويتابع يحيى: "أنا فخور بأنّ نجاح هذه العملية أتى تحديداً في فلسطين المحتلة، ومع فريق يضمّ مجموعة من الأطباء الفلسطينيين المتخصّصين. وأنا فخور بالفريق". يضيف أنّ "النشر عن هذا النجاح هو بالنسبة إليّ بمثابة ميزة وتقدير للشعب الفلسطيني. فنحن أثبتنا أنّنا شعب قادر على العمل في فريق ولدينا أدمغة وجرّاحون وفي إمكاننا القيام بعمليات قد يعجز الغرب عن إنجازها، على الرغم من الاحتلال وشحّ الإمكانيات"، مشدداً على أنّ "التركيز على عمل الفريق الفلسطيني العربي الذي يتحدّى الصعوبات والاحتلال هو الأهمّ بنظري. وهذه الإنجازات الطبية بغضّ النظر عن عظمتها أو ضآلتها، تعيد ثقة المواطن الفلسطيني بكفاءاته الوطنية، وتلهم طلاب الطب وأطباء المستقبل لبناء مجتمع واثق يتحدّى المستحيل حتى لو كان يعيش تحت الاحتلال وفي ظلّ أصعب الظروف".

وكانت المجلة البريطانية قد أشارت إلى أنّ أهمية نجاح هذه العملية لا تكمن فقط في الناحية العلمية أو الجراحية وتعقيداتها، بل كذلك في الناحية التثقيفية والتربوية في المجتمع الطبي، وكيفية التعامل مع إنعاش قلب المرأة الحامل بحسب الأصول العلمية السليمة لضمان إنقاذ حياتها وحياة الجنين معاً. فالأمر يحتاج إلى اعتبارات خاصة وفهم وضعيّة القلب والكبد وكذلك الجنين، ومعرفة كيفية إجراء إنعاش صحيح. تُضاف إلى ذلك ضرورة التخطيط للتدخّل الجراحي بعناية من قبل فريق متعدّد التخصّصات، مع ما يتطلب الأمر من تقنيات جراحية دقيقة لتحقيق نتائج أفضل.

ويلفت يحيى إلى أنّ "تشخيص الحالة كان صعباً لأنّها نادرة ولم تخطر على البال في البداية، فكان علينا أن نستخدم الخبرة والمعرفة الطبية العامة، وأن نعمل في فريق منظّم يتولى كلّ طبيب منّا البحث في جهة معيّنة متخصّص فيها حتى نصل إلى النتيجة المطلوبة. كان ينبغي علينا القيام بكلّ شيء في فترة قصيرة لأنّ المرأة كانت بين الحياة والموت".



تجدر الإشارة إلى أنّ يحيى من بين الأطباء الجرّاحين البارزين في زرع القلب والرئتين وكذلك القلب الصناعي وغيرها من الجراحات التي تُعَدّ معقّدة. وهو يعمل على تأسيس برامج متقدّمة لزرع القلب الصناعي في العالم وإدخال ابتكارات جديدة في الدورة الدموية الميكانيكية، على صعيد عالمي. في لبنان على سبيل المثال، ساعد في عملية زرع أوّل قلب صناعي ناجحة في مستشفى القديس جاورجيوس في بيروت، وأشرف على عمليتَين جراحيتَين في الجامعة الأميركية في بيروت. كذلك ساهم في نجاح أوّل عملية مماثلة في الكويت، وفي فلسطين وفي السعودية والأردن وتركيا واليونان وجنوب أفريقيا. وفي عام 2011، أجرى أوّل عملية زرع قلب اصطناعي ناجحة في غلاسكو في اسكتلندا. يُذكر أنّه أوّل جرّاح قلب في بريطانيا يعمل في جامعتَين بريطانيتَين في وقت واحد، والوحيد في اسكتلندا المتخصص في مجال زرع القلب الصناعي.