اضطهاد المهاجرين... أوروبا تواصل التضييق على طالبي اللجوء

12 يناير 2020
قسوة العيش عند الحدود البوسنية - الكرواتية(مصطفى أوزتورك/الأناضول)
+ الخط -

لم يؤدِّ الاتفاق الأوروبي - التركي بعد مرور نحو أربع سنوات على توقيعه إلى أيّ نتائج تُذكر في ما خص المهاجرين العالقين في مخيمات دول الاستقبال والعبور الأوروبية، مع استمرار التضييق عليهم فيها

خلال الأعوام القليلة الماضية وصل إلى بيرو وحدها نحو مليون مهاجر من فنزويلا. كذلك، استقبلت تشيلي الآلاف من هؤلاء، بالإضافة إلى مهاجرين من الوطن العربي. بحسب أرقام رسمية للمنظمة الدولية للهجرة، ومنظمات إنسانية محلية في عدد من دول أميركا اللاتينية، خرج نحو 2.5 مليون فنزويلي (نحو 7 في المائة من عدد السكان) إلى مختلف دول أميركا الجنوبية، كبيرها وصغيرها. وبالرغم من أنّ عام 2018 شهد ذروة خروج هؤلاء، لأسباب اقتصادية وسياسية، لم تمنع الإكوادور وكولومبيا مرور هؤلاء باتجاه بيرو وتشيلي، على أمل العمل والعيش بشكل أفضل، كما فعلت دول أوروبية عدة، بعدما استقبلت القارة الأوروبية مليون مهاجر.




في أميركا الجنوبية، حيث توجّه المهاجرون بمعظمهم نحو بيرو، جرى تشديد مراقبة الحدود للسيطرة على دخول عشرات الآلاف من الفنزويليين براً، لكن لم تشهد تلك الدول تكدس معسكرات طالبي اللجوء، كالتي شهدتها القارة الأوروبية منذ بدء الاختلاف بين أعضاء الاتحاد الأوروبي في خريف 2015 على كيفية التعامل مع وصول تلك الأعداد عبر البحر الأبيض المتوسط من جزر إيطاليا واليونان باتجاه دول مثل ألمانيا والسويد وغيرهما. وبالرغم من انقضاء السنوات وتراجع أعداد الواصلين إلى القارة الأوروبية في 2019 إلى نحو 122 ألفاً وقبلها 141 ألفاً عام 2018، وفقاً للأمم المتحدة، أي نحو 12 في المائة مقارنة بمن وصل في 2015، فإنّ أوروبا ما زالت تتحدث، سياسياً وإعلامياً، عن "الأزمة".

رحلات المهاجرين الخطيرة في البحر المتوسط مستمرة (الأناضول) 












وعدا عن أنّ عشرات الآلاف من طالبي اللجوء يتكدسون في معسكرات بدائية جداً على جزر يونانية، خصوصاً ليسبوس، تفوح منذ أشهر رائحة "عنف بوليسي كرواتي نيابة عن أوروبا بحق أكثر من 50 ألف مهاجر عالقين في البوسنة والهرسك"، وفقاً للخبير في شؤون الهجرة، جيرالد كناوس. ولم يحلّ الاتفاق الأوروبي - التركي في مارس/ آذار 2016 هذا التكدس لمهاجرين من جميع الأعمار، ومن الجنسين، يعيشون واقعاً مزرياً في خيام باردة لا تختلف عن تلك المنتشرة عشوائياً للمهجّرين الهاربين من القصف في الشمال السوري.

ترهيب
خلال السنوات الأربع الماضية لم تكن ثمة أسرار في اختيار بعض دول أوروبا سياسة التخويف من المجيء إلى دولها وطلب اللجوء فيها. فالنهج المبكر الذي اتخذته الدنمارك عام 2015، من خلال دعاية مضادة عبر إعلانات مدفوعة الأجر، حتى في صحف عربية، انتقل إلى غيرها، كهولندا وأحزاب ألمانية، فيما وصل الأمر بالمجر وبلغاريا إلى التهديد بالحبس والعنف ضدّ من يعبر الحدود طالباً للجوء أو من يساعده. وحتى بواخر الإنقاذ التابعة لمنظمات خيرية وإنسانية، وتشارك فيها منظمة "أطباء بلا حدود" تعرضت في البحر المتوسط لمضايقات ومنع إبحار مع بقاء سياسات وزير الداخلية الإيطالي السابق، ماتيو سالفيني، مهيمنة في التعاطي مع قضية المهاجرين.

خلال الأسابيع القليلة الماضية، عادت قضية الهجرة لتتقاذفها السياسات، بالإضافة إلى تحذير متكرر من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأنّ استمرار القصف وتدفق النازحين نحو حدود بلده مع سورية سيطلقان موجة جديدة من الهجرة باتجاه أوروبا. اليونان حذرت أيضاً من أنّ تدفق المهاجرين يمكن أن يتسارع في 2020 ليصل إلى نحو 100 ألف يضافون إلى نحو 57 ألفاً في جزرها وفي عاصمتها أثينا، يعيشون في ظروف غير لائقة، خصوصاً في مخيم ليسبوس، سيئ السمعة والخدمات.




أحد أهم باحثي قضايا الهجرة الأوروبيين، جيرالد كناوس، عقّب في حديث له مع صحيفة "إنفورماسيون" الدنماركية، نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على استمرار السجالات والزيارات المتبادلة بين قادة أوروبيين حول القضية بالقول: "يجب أن ننظر جدياً إلى ما يرتكب باسمنا (كأوروبيين)، فيومياً تجرى ممارسة عنف ضد قيمنا في محاولة وقف المهاجرين". لم يتردد كناوس، وهو عالم اجتماع ومسؤول "مبادرة الاستقرار الأوروبي"، وهو مركز أبحاث مقره برلين، في وصف سياسات أوروبا في هذا السياق بـ"الوحشية" و"غير الإنسانية" و"العنفية"، في إشارة منه إلى "محاولة الأوروبيين جعل قضية المهاجرين وكأنّها أزمة بلا حلول "بتعميق مأساة الآتين لترهيب البقية، بطريقة وحشية، من المجيء وإظهار أنّ لا إرادة سياسية لحلّ هذه المعضلة". كأنّ الرجل الذي كان وراء مخطط الاتفاق الأوروبي - التركي في 2016 يبدي غضباً من الحالة التي وصل إليها وضع استقبال المهاجرين في القارة، خصوصاً "الأوضاع المزرية لعشرات الآلاف في اليونان والتعامل غير الإنساني في كرواتيا والبوسنة ومعسكرات تجميع المهاجرين في ليبيا"، إذ يصفها كناوس بسياسة "إساءة استخدام الاتفاق، لتخويف المهاجرين" واستمرار السياسات الأوروبية بإظهار "عجز" عن التوافق على برنامج تقاسم هؤلاء بين الدول. ويرفض كناوس الاتهامات الموجهة للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، بأنّها هي من فتحت أبواب القارة أمام المهاجرين، "فيما في الواقع هي من تعاونت مع هولندا للوصول إلى الاتفاق مع أنقرة، لتقديم دعم مالي للأخيرة، مقابل وقف تدفق المهاجرين وإعادة بعضهم من اليونان".

آمال
واقع الحال أنّه بعد نحو أربعة أعوام لم تجرِ إعادة أكثر من 2000 طالب لجوء من اليونان إلى تركيا، مع تزايد تكدس هؤلاء في أوضاع صعبة وغير إنسانية وفقاً لتصنيف منظمات إنسانية تعمل في الجزر اليونانية. وبالنسبة لخبير، كجيرالد كناوس، المساهم في تصميم الاتفاق الأوروبي - التركي، فإنّ هذه الأوضاع غير الإنسانية "ترتبط بسياسيي أوروبا الذين فقدوا الاهتمام بتنفيذ بنود الاتفاق، ولم يعد هناك تأييد سياسي له، ولا تملك اليونان مقدرات كافية لإدارة الفوضى عندها".

مخيم للمهاجرين في اليونان (فرانس برس) 












سياسيو أوروبا، بمن فيهم رئيسة وزراء الدنمارك، ميتا فريدركسن، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وغيرهما من قادة الاتحاد، يصرّون على أنّ الحلّ يكمن في "إقناع دول الشاطئ المتوسطي الجنوبي بإقامة معسكرات تجميع المهاجرين. لكن، كيف يمكنك أن تعمل على تهيؤات باعتبارها سياسة؟ فلينظروا للوضع في اليونان، والكابوس الذي خلقناه من دون قدرة على المساعدة في تسيير نظام معالجة طلبات اللجوء، فكيف يمكن إقناع تونس مثلاً بأن تقوم بالمهمة عنا؟". يتساءل جيرالد كناوس في معرض انتقاده لهذه السياسات الأوروبية.

خلال الأسبوع الماضي، قامت مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون الهجرة والأمن الداخلي، السويدية إيلفا يوهانسون، بزيارة إلى كوبنهاغن، لتكرر خلالها رئيسة وزراء يسار الوسط الدنماركي فريدركسن، طرح فكرة "إقامة معسكرات استقبال في دول ثالثة" خارج أوروبا. فريدركسن لا تتحدث فقط باسم حكومة الدنمارك عن تلك الأفكار، فهي اختزال للقراءة الرسمية لسياسيي الاتحاد الأوروبي الذين لا يبدون مع نهاية العام قلقاً أكبر من قلقهم حول الاتفاق مع تركيا، وكابوس أن يقوم بالفعل الرئيس التركي بفتح الباب أمام 2.6 مليون مهاجر للزحف نحو أوروبا، خصوصاً أنّ من هم في بروكسل مشغولون عملياً بتسرب الآلاف عبر البلقان مرة أخرى. ففي البوسنة والهرسك وحدها، هناك أكثر من 52 ألف عالق ويواجهون في كلّ محاولة عبور نحو أراضي دول الاتحاد الأوروبي عنف حرس الحدود الكرواتي لإعادتهم فوراً إلى البوسنة والهرسك. ولفهم واقع مهاجري البوسنة والهرسك فإنّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تدير مخيم فودجاك البوسني، وصفت على لسان، هانو بيكا لاهيو، المكان بأنّه "جحيم فوق الأرض، ومن غير المفهوم كيف يجري هذا على أرض أوروبية"، مع التأكيد أنّ ما يقوم به الأمن الكرواتي هو "بالنيابة عن دول الاتحاد الأوروبي".




التقارير عن عنف جسدي ممنهج، وإهمال لحياة الناس، باسم "حراسة حدود الاتحاد الأوروبي"، ليست أمراً متخيلاً بل واقع يرصده حقوقيون وموظفون أمميون مثل مسؤول مكتب البلقان، في المنظمة الدولية للهجرة، بيتر فان دير أنويرت، إذ قال في بداية ديسمبر/ كانون الأول الماضي: "ربما المسألة مسألة وقت قبل أن نبدأ بالاستماع إلى قصص موت هؤلاء المهاجرين". وإذا كان هذا المسؤول يشير إلى مأساوية ما يعيشه عشرات آلاف المهاجرين في مخيم فودجاك البوسني، فإنّ منظمات حقوقية كثيرة رصدت كيفية التعامل الكرواتي العنيف مع طالبي اللجوء الذين يكررون محاولتهم العبور. وفي كلّ الأحوال، فإنّ ما يأمله بعض الأوروبيين الرافضين لسياسات الاتحاد الأوروبي الخاصة بالهجرة، هو أن يحمل العام الجديد حلولاً أكثر إنسانية، خصوصاً بعد تولي السويدية إيلفا يوهانسون مسؤوليتها كمفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون الهجرة والأمن الداخلي، وهي التي وعدت في زيارتها الأخيرة إلى كوبنهاغن بأنّه "يجب أن نقدم سياسة رسمية مختلفة بدلاً من هذه الانقسامات الأوروبية". بالرغم من ذلك، لا يبدو التفاؤل كبيراً لدى المهاجرين أنفسهم، أو المنظمات العاملة في صفوفهم، ومن بينها اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
المساهمون