احتاج المواطن الليبي عماد إنبيص إلى خمس ساعات للوصول الى معبر رأس جدير الرئيسي بين ليبيا وتونس، بسبب طوابير المسافرين الطويلة. ويقول إنبيص إن "الساعات الخمس ليست كثيرة، فعبور أخي تطلّب أكثر من ثماني ساعات"، لافتاً إلى أنّه ما زال في حاجة إلى ثلاث ساعات أخرى ليتجاوز البوابة التونسية. وعلى الرغم من كل المتاعب التي يعانيها المسافر الليبي إلى تونس، فإنّه لم يتوقف عن التوجّه إلى بلدات الساحل التونسي، حيث يُسجَّل وجود مئات الليبيين لأسباب مختلفة، لعلّ أبرزها العلاج أو الهروب من مناطق الحرب والتوتر في ليبيا، نظراً إلى المخاطر الأمنية ونقص الخدمات.
وإقبال الليبيين على السفر إلى تونس قلّل من قلق المسؤولين التونسيين، إزاء احتمال تأثير الحرب القائمة في جنوب العاصمة الليبية طرابلس على معدّلات السياحة في تونس، فالأرقام التي نشرتها وزارة السياحة والصناعات التقليدية التونسية في منتصف مايو/ أيار الماضي، تبيّن أنّ العائدات السياحية ازدادت بنسبة 37.7 في المائة منذ بداية العام. وبحسب تلك الأرقام، يكون الليبيون قد ساهموا في خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري في ضخّ 102 مليون يورو في خزينة الدولة، علماً أنهم حلّوا في المرتبة الثانية بعد الجزائريين في مؤشّر السياحة التونسي. وتشير تلك الأرقام إلى أنّ عدد الليبيين بلغ في خلال تلك الأشهر الأربعة 642.8 ألف شخص، بواقع زيادة نسبتها 19.9 في المائة بالمقارنة مع العام الماضي.
بالنسبة إلى إنبيص، فإنّ "السفر برّاً أكثر أمناً من السفر جوّاً انطلاقاً من مطارات البلاد، ولا سيّما من طرابلس التي تعرّض مطارها الدولي الوحيد في معيتيقة إلى قرارات متوالية، تقضي بإغلاقه وتأخير رحلاته بسبب تعرّضه إلى القصف". ويشير إنبيص إلى أنّ "التوجّه إلى تونس هو الأفضل بالنسبة إلى السائح الليبي، فلا يضطر إلى السفر جوّاً إلى بلدان أخرى". لكنّ إنبيص يؤكد أنّ سفره إلى تونس ليس فقط بهدف السياحة، بل كذلك "هرباً من أزمات البلاد".
والأزمات نفسها هي التي دفعت جلال البهلول، مواطن ليبي آخر، إلى الإقامة في جرجيس التونسية منذ إبريل/ نيسان الماضي، علماً أنّ عشرات الأسر الليبية تستقرّ اليوم في جرجيس وغيرها من المدن والبلدات التونسية القريبة من الحدود مع ليبيا. يقول البهلول لـ"العربي الجديد": إنّ "تكاليف المعيشة تشبه تلك التي في ليبيا، فلماذا أبقى في ليبيا وسط ظروف صعبة؟". ويلفت البهلول إلى أنّ "البيئة والعادات ونمط حياة لا تختلف كثيراً عن بلدي، والسياحة هنا تقدّم بطريقة ما زالت تحترم نسبياً تقاليدنا المحافظة".
في سياق متصل، تقدّم الحكومة التونسية منحة سنوية تحت عنوان "منحة أرباب الأسر"، فتخصّص بموجبها 500 دولار أميركي للفرد سنوياً، وهو ما يعدّه إنبيص "عاملاً مساعداً على إقامتي في تونس مع عائلتي المؤلفة من ستّة أفراد". يضيف أنّ "ثلاثة آلاف دولار تكفيني للعيش شهراً ونصف الشهر تقريباً، فالعام الدراسي انتهى ولا داعي لإبقاء عائلتي في الظلام ووسط الحرّ، بالإضافة إلى احتمال وصول القتال إلى منطقتنا في أيّ وقت". إذاً يبدو أنّ التوسّع المحتمل لرقعة الحرب مبرر آخر لسفر الليبيين إلى خارج البلاد.
يُعدّ الباحث الاجتماعي عياد الرقعي "زيادة نسبة المسافرين الليبيين إلى تونس في خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري بواقع 19.9 في المائة، بالمقارنة مع العام الماضي مؤشّراً لافتاً". ويقول الرقعي لـ"العربي الجديد"، إنّه "من غير الممكن أن تكون هذه الزيادة لأسباب علاجية، إذ إننا اعتدنا أن يكون سفر الليبي إلى تونس للعلاج"، مؤكداً أنّه "لا شك في أنّ الأسباب متعلقة بالحرب ومضاعفاتها كالنقص الكبير في الخدمات". يضيف الرقعي أنّ "العامل الأمني هو الذي يدفع الليبي إلى اللجوء إلى تونس، بالدرجة الأولى، ثمّ يأتي عامل الخدمات. وهو ما يجب على السلطات الليبية التنبّه له ومعالجته سريعاً".