في خضم الاحتفالات بعيد المرأة، الذي تحييه تونس اليوم الثلاثاء، 13 أغسطس/آب من كل عام في ذكرى الاستقلال وصدور مجلة الأحوال الشخصية عام 1956، تعيش عديد التونسيات منسيات في عيدهن. وإن كانت الاحتفالات لا تعنيهن كثيرا في ظل ما تكبدنه من مشاق، إلا أنهن يحاولن الصمود ومواصلة حياتهن بثبات.
التسعينية عويشة القيزاني
تؤكد التسعينية عويشة القيزاني، في منزلها الجميل في محافظة بنزرت، أنها ترملت بعمر 25 عاماً، وترك لها زوجها بنتا وصبيا كانا كل حياتها والنور الذي تتحسس به خطواتها. ضحت كثيرا في فترة الاستقلال لإعالتهما وتربيتهما حين كانت الظروف الاجتماعية والاقتصادية صعبة، خاصة بالنسبة لأرملة شابة وفي مقتبل العمر. ومع ذلك حاولت جاهدة ألا تحرمهما من شيء أو تتزوج ثانية، كي لا يعيشا تحت سلطة زوج الأم.
وأشارت عويشة إلى أنها عايشت عديد الفترات التاريخية، من الزعيم الحبيب بورقيبة إلى فترة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، إلى ما بعد الثورة، ولكن رغم اختلاف الحكام والمسؤولين فلا أحد تذكرها أو سأل عن أحوالها.
تستعيد عويشة شريط حياتها وما عايشت من محن، مشيرة إلى أنها فقدت ولديها، إذ كانت الصدمة الأولى بموت ابنتها التي تزوجت وتركت أطفالها صغارا، ثم ابنها الذي ترك لها طفلين لتحرم من فلذتي كبدها بعدما فارقاها في عز شبابهما.
وتوضح المتحدثة أنّها تقضي يومها جالسة أمام باب منزلها كأنها تنتظر زيارة من شخص ما أو عودة ولديها، رغم يقينها أنهما لن يعودا. ولكن خيالهما في أرجاء البيت وإطلالاتهما في كل مكان، بحسب تأكيد المتحدثة. وتقول إنها قد تبقى لساعات تنتظر اللاشيء تتأمل المارة وعابري السبيل، وحين يسدل الليل ستاره تتحسس خطاها نحو سريرها لتنام في هدوء. وعن عيد المرأة، تتمتم قائلة: أي عيد؟ وأي احتفال فلا أحد يسأل عن حالي؟
الفلاحة الخمسينية منية
في ضيعة فلاحية، ورغم شدة الحرارة كانت الخمسينية منية تخدم الأرض بيديها السمراوين الموشحتين بالتجاعيد وآثار العمل الفلاحي محفورة عليهما. وبجلبابها القطني ووشاحها الوردي كانت منية تجتهد لتنجز عملها، العرق يتصبب من جبينها، وأشعة الشمس الحارقة تلفح وجهها فتزيده اسمرارا على اسمرار، ومع ذلك انهمكت في عملها غير مبالية بالطقس، فقد تعودت على العمل الفلاحي في ظروف مناخية قاسية.
تقول منية إن لديها ثلاثة أبناء، وإن زوجها عامل يومي، واضطرتها الظروف الاجتماعية إلى الخروج للعمل في سن الأربعين ليتمكن أبناؤها من مواصلة دراستهم الجامعية، مضيفة أنها تخرج من السادسة صباحا وحتى الثالثة بعد الظهر، تزرع وتسقي وتقلع الأعشاب الطفيلية.
وتتابع "صحيح أن العمل مضن ولكنني مضطرة للعمل وإلا سينقطع أبنائي عن دراستهم ويحرمون من مواصلة تعليمهم"، مؤكدة أنها مستعدة للعمل في أي مجال، آملة في ألا تمنع الظروف الاجتماعية القاهرة أبناءها من الظفر بشهاداتهم الجامعية.
ورغم قساوة العمل الفلاحي صيفا إلا أن منية تعمل حتى في عطل نهاية الأسبوع، فهي لا تعرف إلى الراحة سبيلا، وتجتهد ليلا ونهارا لتوفير مصاريف عائلتها ونفقات دراسة أبنائها. أما عن الراحة فقد ودعتها منذ سنوات.
خبز الشابة سمية
لا تزال سمية في مقتبل العمر، دون الثانية والعشرين من عمرها، وهي من الشمال الغربي، إلا أنها تبيع خبز الطابونة، فتنهض مع بزوغ الشمس لتجهز العجينة ثم تشعل الحطب وتعد ما تيسر من الخبز.
وانقطعت سمية عن الدراسة في سن مبكرة، وتزوجت لتنتقل رفقة زوجها إلى العاصمة، ولكن ظروف زوجها وعمله غير القار (غير المستقر) تارة في البناء وأخرى في الفلاحة، دفعها إلى مساعدته، وخاصة أنهما يعجزان في مناسبات كثيرة عن دفع الإيجار.
تقول سمية لـ"العربي الجديد"، إنها كثيرا ما حلمت بأن تعيش مثل أترابها، ولكن حياتها مختلفة عنهن، فهي تشتغل في أكثر من عمل لتؤمن الإيجار ومصاريف البيت، وبالإضافة إلى بيع الخبز تعمل في تنظيف البيوت وفي أعمال يومية وموسمية أخرى.
وتشير الشابة العشرينية إلى أن "الشغل ليس عيباً طالما أن الإنسان يشتغل بعرق جبينه، فلا ضرر في ذلك"، ومع ذلك تعتبر أن المرأة التونسية كادحة وتلهث وراء لقمة العيش، وحتى في عيدها كتبت عليها التضحية حالها حال عديد التونسيات الكادحات ممن حتمت عليهن ظروفهن أن يكسبن لقمة العيش ويكدحن علهن يحققن بعضاً من أحلامهن.
وتحلم سمية ببيت جميل تتوفر فيه أبسط المرافق من بيت استحمام ونوافذ بعيدا عن الرطوبة التي تعاني منها في بيتها الصغير الحالي. كما تتمنى أن تتمكن ذات يوم من تحقيق حلمها في الأمومة.
قرارات حكومية لصالح المرأة
التضحيات التي تتكبدها بعض التونسيات، يقابلها الإعلان كل عام عن جملة من القرارات لفائدة التونسيات بمناسبة 13 أغسطس. وقرر رئيس الحكومة يوسف الشاهد أخيرا إدراج التلقيح ضد سرطان عنق الرحم ضمن الروزنامة الوطنية للتلقيح، واستفادت نحو 700 ألف فتاة منه مجانا، إلى جانب توفير مجانية التقصي المعمق لسرطان الثدي لجميع المنخرطات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، وبخاصة اللاتي وصلن لسن الأربعين. كما تتكفل الدولة بالنفقات المتأتية عن هذا الإجراء، بحيث يكون الفحص إجباريا.
وأقرت الحكومة تخصيص 10 ملايين دينار، أي نحو 3 آلاف دولار أميركي، لحساب البنك التونسي للتضامن لكل من يريد اقتناء عربة لنقل العاملات الفلاحيات، وتمكين من يرغب في نقل النساء العاملات من منحة تقدر بنحو 30 بالمائة من قيمة العربة وقرض دون فوائد.
ومنحت المرأة التونسية حق التصريح بولادة أبنائها مع تنقيح القانون عدد 3 المؤرخ في غرة أغسطس/آب 1957 المتعلق بضبط الحالة المدنية. وكثيرا ما طالبت منظمات حقوقية تونسية بتنقيح هذا القانون باعتبار أنه لا يتماشى والعصر، ولا مع الحقوق التي اكتسبتها المرأة.