تفوق طلاب مصر في الثانوية العامة بلا جدوى

19 يوليو 2019
لم يتمكن معظم الطلاب من التقدم إلى كليات الطب(الأناضول)
+ الخط -

لن يستفيد عدد كبير من المتفوقين في امتحانات الثانوية العامة في مصر، من تفوقهم في الانتساب إلى الكليات التي يرغبون فيها، التي رفعت حاجز العلامات المطلوبة للتقدم إليها

أصيب طلاب "علمي علوم" الحاصلون على الثانوية العامة في مصر، التي أعلن عن نتائجها خلال الأيام الماضية، وتفوّقوا فيها، بصدمة شديدة، بسبب ارتفاع نسبة علامات النجاح المطلوبة للقبول بكليات الطب: (طب، طب أسنان، صيدلة، علاج طبيعي، طب بيطري)، أعلى من كلّ مرة، وبفارق ملحوظ مقارنة بالأعوام الماضية.

تبخّرت أحلام الطلاب في الالتحاق بإحدى الكليات العلمية المسماة بـ"كليات القمة" في الجامعات المصرية الحكومية، بالرغم من حصولهم على المجموع المرتفع 95 في المائة وما فوق، بعد إعلان وزارة التعليم العالي عن فتح باب تسجيل الرغبات (الكليات التي يرغبون بالتسجيل فيها) لطلاب الثانوية العامة لشعبتيها العلمي والأدبي، اعتباراً من بعد غد الأحد حتى الخميس المقبل، إذ تقرر قبول شعبة "علمي علوم" بدءاً من 398 درجة، أي بنسبة 97.07 في المائة وما فوق، علماً أنّ عدد طلاب الشعبة الناجحين هو 30.152 طالباً، وذلك بزيادة في المعدل المطلوب بنسبة 1.6 في المائة عن العام الماضي 2018، التي فتح باب القبول فيها بدءاً من 394 درجة بنسبة 96.10 في المائة.




في المقابل، فتحت وزارة التربية والتعليم باب "التظلمات" أمام الطلاب، بداية من الثلاثاء الماضي ولمدة شهر، مقابل دفع نحو مائة جنيه مصري (6 دولارات أميركية) للتظلم الواحد، إذ يرى كثير من الطلاب وأولياء الأمور أنّ تلك التظلمات لن تغير مصير أحد، على الرغم من تأكيدات مجموعة من الطلاب أنّهم أجابوا عن أسئلة كثيرة وإجابات صحيحة حُسبت لهم خطأ. كذلك، يعتبر أحد المدرسين، أنّ الكثير من أخطاء الطلاب لم تصوّب، لأنّ إجاباتهم جاءت مختلفة عن النماذج (قواعد التصحيح) الموزعة على المعلمين المسؤولين عن التصحيح، مشيراً إلى أنّ جميع المدرسين حددت لهم إجابات لا يمكن الخروج عنها، وبالتالي فإنّ أيّ تظلمات نهايتها الفشل.

أثارت تحذيرات النقابة العامة للأطباء في مصر، بعدم تسجيل خريجي عدد من كليات الطب الخاصة في سجلاتها، حالة من الخوف والقلق بين عدد من أولياء الأمور من رجال الأعمال والشخصيات المرموقة ممن سيتجهون إلى الجامعات الخاصة لإلحاق أبنائهم بكليات الطب. ومصدر قلقهم نابع من ضياع مستقبل أبنائهم بعد التخرج وعدم الاعتراف بهم. يقول سعد أحمد، وهو تاجر، إنّ ابنه حصل على مجموع 95 في المائة شعبة "علمي علوم" هذا العام، وتأكد مليون في المائة من عدم إمكانية التحاقه بأيّ من كليات الطب هذا العام: "تصريحات نقابة الأطباء زرعت الخوف في قلوبنا، وأطالب النقابة بتحديد كليات الطب الخاصة التي يجب الالتحاق بها، حتى لا تضيع أموالنا وجهود أبنائنا بعد التخرج".

بدورهم، أبدى عدد من خريجي الثانوية العامة شعبة "علمي علوم" استياءهم من نتائج التقدم للمرحلة الأولى في الكليات، مؤكدين أنّ المعدل المطلوب شكّل صدمة لهم، ودمر جميع أحلامهم في الالتحاق بكليات الطب، إذ أكدت غادة حسن "علمي علوم" أنّها حصلت على 96.7 في المائة، وبهذه النسبة حُرمت من أيّ فرع من فروع كليات الطب: "الأسوأ من ذلك أنّ ظروفي المالية لا تسمح بالتحاقي بكليات طب الجامعات الخاصة". ويقول عبد السلام أحمد "علمي علوم" إنّه حصل على 96.5 في المائة، وبالرغم من ذلك حُرم من كلية الطب وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، كونها كليات مرحلة أولى: "ليس أمامي سوى الجامعات الخاصة، إذ إنّ والدي يملك قطعة أرض عرضها للبيع لأتمكن من استكمال تعليمي في القطاع الخاص". يلفت محسن محمد "علمي علوم" إلى أنّه فوجئ بارتفاع نسبة القبول المطلوبة من شعبته: "بالرغم من حصولي على 97 في المائة فإنّ أحلامي وطموحاتي تدمرت، وحسبي الله ونعم الوكيل". يشير إلى أنّ النتائج السابقة في التظلمات لم تنصف أكثر من 95 في المائة من الطلاب الذين تقدموا بها، وأنّ الحكومة هدفها جمع الأموال فقط من دون أيّ نظر في تظلمات الطلاب. يضيف أنّ "درجة واحدة أنزلتني من فوق لتحت". ويتساءل محمد حسن: "ما ذنبي بزيادة نسبة الناجحين وعلاماتهم في علمي علوم؟ هل جزائي حرماني وحرمان أسرتي التي تعبت معي، من حلمي بالدراسة في كلية الطب؟". يوضح أنّ هذا القرار ينسف أحلام معظم الطلاب في الالتحاق بكليات القمة الحكومية، لصالح الاتجاه إلى التعليم الخاص "البيزنس" ولصالح أبناء الطبقات الراقية، كون ما حدث سيعمل على تنشيط سوق الجامعات الخاصة، التي تعدّ "الابن المدلل" لوزارة التعليم العالي.




يأتي ذلك في الوقت الذي تعاني فيه المستشفيات والوحدات الصحية على مستوى المحافظات المصرية من نقص حاد في الأطباء، ما أدى إلى إغلاق العديد من الأقسام المهمة داخلها، نتيجة العجز في عدد من الاختصاصات تحديداً، وهجرة عدد من الأطباء إلى دول الخليج العربي وأوروبا، واستقالة عدد منهم، بحثاً عن مصدر رزق يضمن لهم حياة كريمة، بسبب تدني أجورهم المادية، الأمر الذي شكل مخاوف كبيرة لدى مجلس نقابة الأطباء المصريين، وانعكس ذلك على جودة الخدمة المقدمة للمواطنين، وجعل المواطن في مصر لا يشعر بأنّ هناك تقدماً في منظومة الصحة العامة، أو اهتماماً من جانب الدولة.
المساهمون