منذ أكثر من شهر، تسجّل في بلديات بعض مدن تونس وقراها شكاوى من قبل آلاف السكان، بسبب تراكم النفايات وانتشار الناموس في تلك المناطق. ومع ارتفاع درجات الحرارة ترتفع حدّة تذمّر المواطنين، كما هي الحال مع بداية كل فصل صيف. ويعبّر هؤلاء عن سخطهم من ضعف تدخّل الجهات المعنية أو عدم مبالاتها في ما يخصّ رفع النفايات يومياً أو معالجة برك المياه والأنهر التي تكثر حولها الحشرات.
والأنهر مشكلة تؤرّق كثيرين، سواء في فصل الشتاء مع فيضان مياهها من جرّاء تساقط كميات كبيرة من الأمطار، أو في فصل الصيف مع التلوّث الذي يطاولها من جرّاء رمي النفايات بمختلف أنواعها فيها والذي يؤدّي إلى تكاثر الناموس. يُذكر أنّ مجاري عدد من الأنهر صارت مسدودة بالأوساخ والأوحال والأتربة وكذلك ببعض الحيوانات النافقة. وتتكرّر المشكلة خصوصاً في محافظة القيروان حيث تكثر برك المياه الراكدة والأنهر التي أصبحت مكامن للحشرات السامة، وتكدّس النفايات في مجاريها، على سبيل المثال نهر البورجي ونهر حيّ الصحابي. وقبل أيام عبّر مواطنون هناك عن تذمّرهم من انتشار الناموس متخوّفين خصوصاً على الأطفال الصغار والرضّع بسبب ما قد تتسبّب فيه لدغات الناموس، وطالبوا السلطات المعنية بالتدخل لتنظيف الأنهر من الأوساخ ومعالجتها تفادياً لانتشار الحشرات. ويتذمّر هؤلاء من واقع أنّ البلديات لم تشرع مبكراً في معالجة الأنهر وبرك المياه الراكدة والسباخ التي تمثّل مصدراً رئيسياً للناموس.
تجدر الإشارة إلى أنّ المصالح البلدية والبيطرية والأجهزة المختصة في العناية بالبيئة كانت تشرع سابقاً بعمليات المعالجة منذ شهر مارس/ آذار، لتتبعها بعمليات مراقبة. ويشير في السياق رفيق سيف الله، وهو من سكّان المنطقة، إلى أنّ "عمليات تنظيف الأنهر من الاوساخ المتراكمة فيها ومعالجتها لتفادي الحشرات تنطلق عادة قبل ارتفاع درجات الحرارة وتفقيس الحشرات بمعظمها". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّه "سبق وتمّ التنبيه إلى ذلك، لكنّ عمليات التدخّل منذ ثلاثة أعوام تأتي متأخرة، بالتالي تكون بلا جدوى". يُذكر أنّ الأنهر تجتاز تجمعات سكانية ومدنا كثيرة في المحافظات التونسية بمعظمها، من قبيل منوبة وصفاقس وأريانة وتونس العاصمة وغيرها، وهي تكون غالباً بقعاً لتراكم النفايات سواء على خلفية عوامل مناخية (أمطار وفيضانات وغيرها) أو بسبب تعمّد السكان إلقاءها في مجرى تلك الأنهر.
يأخذ عيّنات لفحصها وتحديد التلوّث (العربي الجديد) |
ولم تنقطع منذ عام 2011 حتى يومنا هذا شكاوى المواطنين من جرّاء تواصل تراكم النفايات الملقاة عشوائياً في كل الأحياء، سواء أكان ذلك في العاصمة أو غيرها من المدن. ويعاني سكان الضاحية الجنوبية للعاصمة، على سبيل المثال، من تكدّس النفايات لا سيّما بالقرب من منطقة سيدي حسين، بالإضافة إلى عدم تنظيف السبخة في المنطقة ولا معالجتها. ويشير عمر الجندوبي، وهو من سكان المنطقة، بحديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "سبخة السيجومي تمثّل أكبر بؤرة لتراكم النفايات وانتشار الناموس في العاصمة. والتدخلات السنوية بمعظمها كانت تتمّ قبل عام 2010 في خلال شهرَي مارس/ آذار وإبريل/ نيسان، بهدف تنظيف الأنهر في المنطقة وإزالة الأعشاب منها ثمّ معالجتها بما يلزم قبل تكاثر الحشرات. لكنّنا، على مدى الأعوام التسعة الأخيرة، صار التدخّل يأتي متأخراً وفي بعض الأحيان يغيب كلياً على الرغم من التحركات الاحتجاجية التي ينظّمها الأهالي". يضيف الجندوبي أنّ "البدء بالمعالجة اليوم أمر لا يجدي نفعاً، إذ إنّه من الممكن القضاء على الناموس المنتشر في الجوّ في حين أنّ بيوضه تنتشر في العشب والتربة. وهذا أمر لا يُخفى عن السلطات المعنية من بلديات ووزارة بيئة، ومع ذلك فإنّ عمليات المعالجة لم تعد تنفّذ إلا بعد لجوء الأهالي إلى الاحتجاج أو تقديمهم شكاوى حول الموضوع".
في تونس الكبرى، يمتدّ نهر قريانة من العقبة إلى الدندان وحيّ الزهور وصولاً إلى محافظة منوبة. وهو نهر يُعَدّ من أقدم وأكبر الأنهر التي تشقّ تجمعات سكانية عدّة، وقد مثّل على مدى أعوام مصدر إزعاج كبير للسكان والمارة على حدّ سواء. وهو ما يؤكد رفيق سلطاني أحد سكان منطقة العقبة في العاصمة، موضحاً لـ"العربي الجديد" أنّ "الأمر يتكرر في خلال فصل الشتاء بسبب فيضانه المستمرّ وتسببه في غلق معظم الطرقات، وفي خلال الصيف بسبب الأعشاب التي تنمو على ضفّتيه وتراكم النفايات فيه". يضيف: "على الرغم من ذلك لا ينظّف بصورة مستمرة لا صيفاً ولا شتاءً. يُذكر أنّه لم يتمّ التخطيط لتهيئة النهر على الرغم من أنّه أدّى إلى وقوع حوادث مختلفة من قبيل انقلاب سيارات أو وقوع مارة فيه، خصوصاً في خلال الفيضانات الأخيرة".
من جهتها، كانت وزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية قد أعلنت بعد اجتماع بعدد من ممثلي بلديات تونس الكبرى في مايو/ أيار الماضي عن رصد 3.5 ملايين دولار أميركي للبلديات سوف تخصّص لتنفيذ خطط مكافحة التلوّث وتكدّس النفايات في العاصمة والولايات المجاورة وتنظيف الأنهر والقضاء على الناموس استعداداً لصيف 2019. كذلك خصّصت بلديات تونس 150 ألف دولار لتنفيذ تدخلات لمكافحة الحشرات وتنظيف الأنهر في خلال الفترة الممتدة ما بين مايو/ أيار 2019 وأكتوبر/ تشرين الأول منه.