"الجامعة الأميركية في أثينا". اسم قد يوحي بالثقة، تماماً كما هي حال فروع الجامعة الأميركية في عواصم العالم المختلفة. لكنّ الأمر تطلّب بعض التحقيقات من قبل الجهات الكويتية للاكتشاف بأنّها "وهميّة".
ما زالت فصول قضيّة الشهادات المزوّرة في الكويت تتوالى، بعد إصدار القضاء حكماً نهائياً يقضي برفض قبول الشهادات الجامعية الصادرة عن "الجامعة الأميركية في أثينا" والتي حصل عليها أكثر من 300 طالب وطالبة كويتيّين في مختلف التخصصات، وسط جدال أكاديمي كبير، ذلك أن إدارات عدّة في الدولة ارتكبت سلسلة أخطاء أدّت إلى تعقيد القضية.
نشرت وزارة التعليم العالي على موقعها، قائمة بأسماء خرّيجي تلك الجامعة الوهمية، شملت أكثر من 150 اسماً، بعضهم مسؤولون في أجهزة رسمية مهمّة، مثل ديوان المحاسبة والجيش ووزارة الإعلام إلى جانب أشقاء نواب ووزراء وسياسيين بارزين وأكاديميين وطبيب تغذية شهير. غير أنّ الوزارة عطّلت لاحقاً الصفحة التي نُشرت عليها القائمة. وفي وقت لاحق، أصدرت وزارة التعليم العالي بياناً أوضحت فيه أنّ تلك القائمة كانت تخصّ مجموعة من الطلاب الذين تقدّموا بطلبات لمعادلة شهاداتهم في عام 2014. لكنّ طلباتهم رُفِضَت نظراً إلى "عدم وجود الجامعة من الأساس".
تعود قضيّة "الجامعة الأميركية في أثينا" إلى عام 2008، عندما اعترفت وزارة التعليم العالي الكويتية بتلك الجامعة، بعد زيارة رجل أعمال يوناني مطلوب حالياً من قبل الإنتربول، يُدعى إشليزس كانيلوبولس، للكويت، برفقة وكيل الجامعة الوهمية، وهو أستاذ في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب (ثاني أهم مؤسسة تعليمية في البلاد بعد جامعة الكويت)، ووساطة عضو في البرلمان. حينها عُرضَت منشورات وصور زائفة للجامعة المزعومة في أثينا أمام المدير العام للهيئة آنذاك الدكتور أحمد الأثري. في السياق، زار مدير الجامعة الوهمية، كانيلوبولس، وزارة التعليم العالي والتقى مسؤوليها وآخرين من رجالات الدولة الكبار، وحصل على تبرّعات مالية لبناء مرافق في داخل الجامعة، بينما عمد إلى تكريم عدد من القياديين ومنحهم شهادات دكتوراه فخرية. فحصلت الشيخة فريحة الأحمد الصباح، بدورها، على شهادة دكتوراه فخرية، وتقرّر إطلاق اسمها على أحد مباني تلك الجامعة، التي يتبيّن في وقت لاحق أنّها غير موجودة.
Twitter Post
|
تجدر الإشارة إلى أنّ الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب في الكويت بعثت برسالة حول الموضوع إلى المكتب الثقافي في السفارة الكويتية في باريس، وهو المكتب الذي يتولى شؤون الطلاب الكويتيين في جامعات أوروبا، باستثناء بريطانيا. فأتى الردّ بأنّ "الجامعة الأميركية في أثينا جيّدة"، ليتبيّن لاحقاً أنّ الشخص المكلف بالاطلاع على الجامعة لم يزرها ولم يعلم بمكانها، بل لجأ إلى موقعها على الإنترنت، الأمر الذي يتناقض وشروط وزارة التعليم العالي الخاصة بأيّ اعتماد أكاديمي. وقبل اكتشاف حقيقة الأمر، وبناء على توصية المكتب الثقافي في فرنسا، قرّرت وزارة التعليم العالي اعتماد "الجامعة الأميركية في أثينا" والسماح للطلاب الكويتيين بالدراسة فيها، بينما ابتعثت الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب ثمانية من أعضاء هيئة التدريس فيها للحصول على شهادات ماجستير ودكتوراه منها.
Twitter Post
|
ساورت عدداً من موظفي التعليم العالي شكوك حول الموضوع، فبُعث برسالة أخرى إلى المكتب الثقافي في فرنسا تطالبه بإعادة النظر في الجامعة وتكليف وفد رسمي بزيارتها. فأتى تقرير المكتب بعد الزيارة الاستكشافية ليبيّن أنّ الجامعة غير موجودة أصلاً، والأمر يقتصر على مجرّد شقة سكنية لبيع الشهادات. وكانت توصية إلى وزارة التعليم بإلغاء اعتمادها على الفور وإصدار أوامر للطلاب الكويتيين بالعودة إلى الكويت أو اختيار جامعات أخرى. حصل ذلك في عام 2009. يُذكر أنّ عضو المكتب الثقافي الكويتي في فرنسا الذي أعدّ التقرير الأول وورّط وزارة التعليم العالي، لم يحاسَب، وهو ما زال يمارس عمله في الوزارة المعنية في داخل البلاد.
Twitter Post
|
على الرغم من إلغاء اعتماد الجامعة رسمياً من قبل وزارة التعليم العالي في عام 2009، إلا أنّ الأساتذة المبتعثين من قبل الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب إلى تلك الجامعة لدراسة الماجستير والدكتوراه، لم يعمدوا إلى تحويل أوراقهم واستمروا بتقاضي رواتبهم ومخصصات من الهيئة نظير دراستهم الوهمية. وقد ادّعت الهيئة في كتاب أرسلته إلى وزارة التعليم العالي بأنّها لم تتلقَّ أيّ تنبيه من الوزارة بعد قرار إلغاء الاعتماد.
يقول الدكتور محمد الشمري، وهو أستاذ في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذه قضية قديمة وقد حسم القضاء أمرها. فالجامعة غير موجودة، وهؤلاء الذين ذهبوا للدراسة فيها، مع شديد احترامنا لهم، إنّما اشتروا الشهادات بأموالهم، لأنّ تقرير الزيارة كان واضحاً: لا تتوفّر فيها أيّ مختبرات أو مبانٍ أو قاعات للمحاضرات، إنّما تقتصر على غرفتين صغيرتين ومكتب مع موظفة استقبال. والمضحك أنّ الجامعة أغلقت أصلاً في اليونان، وصاحبها مطلوب للعدالة، بحسب علمنا، بتهمة النصب والاحتيال". يضيف الشمري أنّ "الجامعة تدرّس، بحسب المفترض، الهندسة وإدارة الأعمال والآداب والمحاسبة والحقوق، وخرّيجوها يصرّون على الحصول على اعتراف مصدّق من وزارة التعليم العالي بأحقيتهم في الشهادة".
Twitter Post
|
من جهته، يقول أحد خرّيجي تلك الجامعة، لـ"العربي الجديد"، مفضّلاً عدم الكشف عن هويّته، إنّ "المجتمع يمارس التنمّر بحقّنا. كذلك الأمر بالنسبة إلى وسائل التواصل والصحف التي تشنّ حرباً غريبة وغير مفهومة. ربّما ثمة تصفية حسابات سياسية خلف الموضوع، لا أعلم. المهمّ أنّنا نملك كل المستندات التي تثبت انتسابنا إلى الجامعة بتوصية من وزارة التعليم العالي في عام 2009، وتحديداً في شهر يوليو/ تموز واستمررنا بالدراسة على حسابنا الخاص، أنا ومجموعة من الزملاء، حتى عام 2012. فتخرّجت بشهادة في الآداب لكنّني فوجئت بأنّ الوزارة ترفض معادلة شهادتي بحجّة أنّ الجامعة لا تملك مقراً لها". يضيف: "حاولت شرح الأمر، وعرضت صوراً للجامعة أمام المعنيين، وقلت لهم إنّ زيارتهم كانت لمكتب تابع للجامعة وليس للجامعة نفسها، لكنّهم رفضوا معادلة الشهادة. وعندما توجّهت إلى القضاء، قرّر اعتماد تقرير وزارة التعليم العالي وعدم قبول اعتراضي". وخريج تلك الجامعة نفسه الذي اضطرّ إلى متابعة دراسته من جديد في جامعة خاصة في داخل الكويت في التخصص نفسه لمدّة أربعة أعوام، نبّه إلى "قيام وزارة التعليم العالي باعتماد شهادات بعض زملائي الطلاب من ذوي النفوذ على الرغم من رفض القضاء اعتماد كل الشهادات الصادرة عن تلك الجامعة. وهو ما يضع علامة استفهام حول ملف هذه الجامعة برمّته".
Twitter Post
|
وكان القضاء الكويتي قد أكّد في حكم أصدره حول القضيّة، أنّ تلك الجامعة هي "مكتب لبيع شهادات علمية"، وليست لها أيّ مقرّات أو مختبرات، ولم يثبت وجودها إلا على الورق. بناءً عليه، فإنّ المحكمة قد حكمت بعدم الاعتراف بكل شهاداتها.
ويتحدّى عضو الهيئة التدريسية في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، محمد الوطيان، الذي يقود منذ أعوام حملة كبيرة للقضاء على الشهادات المزوّرة في الكويت، "أيّ شخص يقول إنّ ثمّة جامعة أميركية بهذا الاسم في أثينا، إنّما هي مجرّد دكّان لبيع الشهادات. ووزارة التعليم العالي اعترفت للأسف الشديد بها، عن طريق الخطأ، فاستغل كثيرون ذلك الاعتراف ليشتروا شهادات". يضيف الوطيان لـ"العربي الجديد"، أنّ "عدم الاعتراف بشهادات هؤلاء لا يكفي، بل يجب محاسبتهم على كذبهم وتلاعبهم بالدولة والنظام التعليمي الذي يتعرّض لهزات بسببهم، ومحاسبة الذين أتاحوا لهم تلك العملية، وأوّلهم وكيل الجامعة في الكويت، وهو أكاديمي كويتي، إلى جانب مسؤولين آخرين سهّلوا استقطاب الطلاب الكويتيين".
وكان المدير العام السابق للهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، أحمد الأثري، الذي أشرف على عملية تعيين عدد من خرّيجي تلك الجامعة في المعهد التطبيقي لتدريس الطلاب من دون التأكد من معادلة التعليم العالي لها، قد قال في تصريح له نشر في صحيفة "القبس" الكويتية في الخامس من يونيو/ حزيران من عام 2016، إنّهم أعلموا في عام 2008 بأنّ الجامعة الأميركية في أثينا تعادل في مستواها جامعة هارفارد. في السياق، وعد أعضاء في مجلس الأمة الكويتي بعقد جلسة عاجلة في البرلمان لبحث تداعيات هذه القضية. وقد صرّح النائب أحمد نبيل الفضل، في مؤتمر صحافي له، بأنّ ثمّة "قياديين في الجيش والإعلام وهيئات التدريس في الجامعات وفي ديوان المحاسبة يحملون شهادات وهمية من هذه الجامعة، وسوف نعقد جلسة لمحاسبتهم وملاحقتهم".