قتل المحبوسين أو وفاتهم في السجون الباكستانية ليس أمراً مستجدّاً، إنّما السبب وراء تأسيس حركة "حماية البشتون" بعد مقتل الشاب نقيب الله محسود في أحد سجون مدينة كراتشي (جنوب) في عام 2017. ونقيب الله ينتمي إلى البشتون وتحديداً إلى قبيلة محسود الشهيرة في جنوب منطقة وزيرستان القبلية (شمال غرب). على الرغم من كل الوعود التي قطعتها السلطات الباكستانية لتفادي هذه المشكلة وتشكيلها لجان تحقيق والعمل على إيجاد حلول مناسبة، فإنّ حوادث القتل والوفيات ما زالت مستمرة بين حين وآخر. ولعلّ واحدة من أحدث تلك الوقائع، مقتل الشاب محمد بلال أحمد في أحد سجون كراتشي في ظروف غامضة. حتى اليوم، لم يعرف السبب، مع أنّ الحكومة المحلية في إقليم السند، جنوبيّ البلاد، وعدت بإجراء تحقيق لمعرفة ملابسات الحادثة وتقصّي الحقائق. وفي التفاصيل، اعتقلت الشرطة أحمد بتهمة السرقة، وقد وجدت في حوزته دراجة نارية مسروقة وأسلحة. الشاب كان جريحاً خلال اعتقاله، لكنّ الشرطة لم تذكر سبب إصابته في حين أشارت إلى أنّه نُقِل فور الاعتقال إلى مستشفى عباسي شهيد حيث تلقّى العلاج لساعات قبل إعادته إلى السجن من جديد. لكنّ حالته عادت لتتدهور، فنُقل مرّة أخرى إلى المستشفى حيث فارق الحياة على الفور.
تتضارب الروايات الرسمية حول الحادثة وهي جميعها انتشرت على شاكلة تصريحات صحافية في الأيام الماضية. في حين تفيد الشرطة الباكستانية بأنّ الشاب كان مصاباً بجروح غير معلوم مصدرها، يقول مسؤول أمن منطقة تيمورية حيث وقعت الحادثة، شودري طفيل، إنّ الشاب اعتقل وهو مصاب ونُقل إلى المستشفى وتوفي هناك. وفي رواية ثالثة، يشير طفيل نفسه إلى أنّ الشاب مدمن وقد مات بسبب ذلك. أمّا رواية المستشفى فتذكر أنّه أصيب في رجله في أثناء الاعتقال وقد أفاد رجال الشرطة بأنّ الشاب أصيب في تبادل لإطلاق النار بينهما في أثناء عملية الاعتقال. ويؤكد المسؤول في المستشفى، شاهد نظامي، أنّ الشاب لقي حتفه بسبب النزيف الذي أصيب به على خلفيّة الجرح في رجله. من جهته، يقول والد الشاب، محمد همايون، إنّ ابنه اعتقل وكان سالماً معافى، وهو بريء لأنّ الدراجة النارية كانت ملكه على الرغم من ادعاء الشرطة بأنّها كانت مسروقة، لكنّ الشرطة قتلته. وقد دعا الحكومة إلى إجراء تحقيق حول القضية.
بعد تظاهرات نظّمها سكان المنطقة تنديداً بالحادثة، وتم تناولها في وسائل الإعلام المحلية، أعلنت الحكومة المحلية في إقليم السند تأليف لجنة من مسؤولين أمنيين لإجراء تحقيق في القضية ومعرفة ملابساتها. فيقول مسؤول أمن مدينة كراتشي، داكتر أمير شيخ، في خلال إعلانه عن تشكيل اللجنة، إنّ ثمّة أسئلة لا بدّ من الإجابة عنها حول حادث الشاب، ومنها "كيف نُقل الشاب إلى السجن وهو في حالة حرجة؟" و"من فعل ذلك؟" و"لماذا؟". ويشير المسؤول الأمني إلى أنّ لجنة برئاسة أمين يوسفزاي تعمل على هذه الحادثة وسوف تعلن نتائجها خلال أيام. لكن، بحسب ما يبدو، فإنّ هذه النتائج لن تكون مختلفة عن سابقاتها، لأنّ أياماً مضت من دون أن يظهر أيّ شيء.
وسبق أن تناولت وسائل الإعلام حادثة مماثلة، وهي مقتل عمران خان في ظروف غامضة في منطقة قادر بور في مدينة ملتان بإقليم البنجاب (شرق) في يناير/كانون الثاني الماضي. يقول أهل الشاب أنّ الشرطة اعتقلته من دون أن يعرفوا سبب اعتقاله، وفي اليوم التالي أعلموا بأنّ ابنهم مات من دون أن يتناول المسؤولون معهم سبب الوفاة. يُذكر أنّه مع إذاعة خبر الوفاة، خرج الأهل إلى الشارع وانضمّ إليهم سكان منطقة قادر بور ومناطق أخرى، الأمر الذي تسبب في إغلاق طرقات رئيسية. ومرّة أخرى، أعلنت السلطات عن إجراء التحقيق في القضية لمعرفة ملابستها فهدأ المتظاهرون، لكنّ الأمر انتهى مرّة أخرى من دون جواب.
بالعودة إلى مقتل نقيب الله محسود، فقد حدثت موجة احتجاجات في كلّ باكستان، وطالب المشاركون فيها بمحاكمة مسؤول أمن مدينة كراتشي آنذاك، راو أنور، إذ إنّ العائلة كانت تدّعي أنّه هو المسؤول عن مقتله. فاتخذت الحكومة آنذاك إجراءات عدّة، منها إقالة المسؤول ومحاكمته. لكنّه بُرّئ في النهاية، فتأججت الاحتجاجات التي وحّدت البشتون، فتأسست حركة "حماية البشتون" التي ما زالت حتى اليوم تمثّل تهديداً في شمال غرب باكستان.