دفاع عن التدخين في روسيا

15 فبراير 2019
تدخن رغم البرد (فاليري شاريفولين/ Getty)
+ الخط -


تُواصل السلطات الروسية منذ أكثر من خمس سنوات حملتها الرامية إلى مكافحة التبغ من خلال تطبيق تدريجي لقانون قضى بحظر التدخين في الأماكن العامة. وفي آخر مبادرة من هذا القبيل، أعدّت وزارة الصحة الروسية في نهاية العام الماضي رؤية جديدة لسياسات الدولة في مجال مكافحة التبغ لأعوام 2019 ــ 2030، على أن يتوقّف بيع السجائر بشكل كامل بعد عام 2050.

إلا أنّ مؤسّس جمعية "الدفاع عن حقوق المدخنين"، رومان زينتشوك، يرى أنّ فكرة وزارة الصحة غير واقعية بالمرة، بل إنها تتبنّى نهجاً خاطئاً وغير فعال في مكافحة التبغ. يقول لـ "العربي الجديد": "التدخين في الواقع أحد أقوى أنواع الإدمان. في الوقت نفسه، هو مقبول اجتماعياً. لذلك، حتى الناس الأكثر إدراكاً لمخاطر هذا الإدمان، وفي مقدمتهم الأطباء، يواصلون التدخين. لا ينبغي مكافحة هذه الظاهرة بالحظر، وإنما بتوعية المدخنين بأساليب التخلص من الإدمان وضرورة الإيمان بقدرتهم على ذلك حتى يجربوا على الأقل".

بدأ تطبيق قانون مكافحة التبغ في روسيا في منتصف عام 2013، من خلال منع التدخين في المؤسسات التعليمية والرياضية والثقافية والطبية ووسائل النقل والمطارات، قبل أن يشمل في عام 2014 منع التدخين في الحانات والمطاعم والفنادق. وحظر القانون أيضاً إعلانات منتجات التبغ وبيعها في الأكشاك، وعلى مسافة تقلّ عن 100 متر من المؤسسات التعليمية.

ولما كانت قيمة الغرامة على التدخين في الأماكن العامة تراوح ما بين 8 و50 دولاراً تقريباً، بلغ مجموع الغرامات التي دفعها المدخنون الروس في عام 2018 وحده أكثر من مليون دولار.



إلا أن زينتشوك يصف هذه الإجراءات الصارمة بأنها "شعوبية تهدف إلى التظاهر بالعناية بالسكان"، قبل أن يضيف: "يحصل التضييق على المدخنين بأطر قانونية، ما يتسبب في عقد نفسية لديهم. ما بين 40 و45 في المائة من سكان روسيا مدخنون، ويعانون كثيراً أثناء السفر بسبب منع التدخين في القطارات والمطارات. نتيجة لذلك، يتوجه هؤلاء للتدخين في دورات المياه، ليصبح غير المدخنين هم أكثر المتضررين من الأمر. حتى أثناء البرد الشديد، يضطر المدخنون إلى الخروج من المطاعم إلى الشارع لتدخين سيجارة، أو مغادرة مكان العمل كثيراً، ما يقلل من إنتاجيته".

ويشير إلى أن "الدولة الروسية تجني المليارات من جراء الرسوم والضرائب التي تدفعها شركات التبغ وتغريم المدخنين، بينما اعتاد الكثير من الروس على التدخين نتيجة للدعاية في الحقبة السوفييتية، والتي أشارت إلى أن تناول السجائر من إحدى مظاهر الرجولة، قبل أن يتغير التوجه العام في أيامنا هذه".

ويتابع زينتشوك الذي بدأ التدخين منذ كان مراهقاً قبل نحو 15 عاماً: "يتم الترويج لأسطورة مفادها أن التدخين مجرد عادة مضرة. العادة على سبيل المثال، هي أن تقود السيارة على الجانب الأيسر من الطريق في بلد، ثم تعتاد سريعاً على القيادة في الجانب الأيمن في بلد آخر، بحسب النظام المعمول به. أما التدخين، فهو إدمان مثل إدمان المخدرات، ولن يتخلص منه أحد بسهولة بسبب حظره. امتنعت عنه مدة عامين، ثم استأنفته مرة أخرى".

وبحسب أرقام وزارة الصحة الروسية لعام 2016، فإن نسبة المدخنين بين الروس كانت تبلغ 30.9 في المائة أي أكثر من 40 مليون شخص، وسط غياب لبيانات أحدث.

أما منظمة الصحة العالمية، فرصدت تراجعاً في نسبة المدخنين بين سكان روسيا من 39 في المائة في عام 2009 إلى 29 في المائة في عام 2017، فيما ترتفع نسبتهم إلى 45 في المائة بين الرجال وتنخفض إلى 15 في المائة بين النساء.



إلا أن وزارة الصحة الروسية تسعى إلى خفض نسبة المدخنين إلى 25 في المائة بحلول عام 2025، ثم إلى 5 في المائة بحلول الأربعينيات والخمسينيات من القرن الحالي.

وهذه ليست أول مرة تسعى فيها وزارة الصحة إلى وضع خطة لمكافحة التبغ، إذ سبق لها أن طرحت رؤية لأعوام 2017 - 2022 شملت عدداً من الإجراءات الصارمة، مثل منع التدخين في السيارات في حال وجود أطفال، وحتى إطالة يوم العمل للمدخنين وإلزام شركات التبغ بدفع ضريبة بيئية. إلا أن هذه النسخة واجهت انتقادات من عدد من الوزارات، ولم يتم تبنيها في نهاية المطاف.
المساهمون