يطالب جزائريون كثر من الذين أنهوا دراساتهم العليا ويحملون اليوم لقب "دكتور/ دكتورة" بحقّهم في وظائف تضمن لهم مستقبلهم بعدما وجدوا أنفسهم عاطلين من العمل على الرغم من عهود الجهات الرسمية المعنية.
ارتفعت أصوات حاملي شهادات الدكتوراه في الجزائر أخيراً، لا سيّما من خلال وقفات احتجاجية نفّذوها أمام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية، داعين إلى توظيفهم والإيفاء بالوعود التي قدّمتها لهم الوزارة قبل نحو شهرين. وقد انضمّ أكثر من 1200 جزائري حاصلين على شهادات عليا، إلى تنظيم باسم "الدكاترة البطالون" في محاولة لردّ الاعتبار لهم وتمكينهم من وظائف في مختلف الجامعات في البلاد، مع تسوية أوضاعهم، خصوصاً الحاصلين على الدكتوراه والذين تمّ توظيفهم بنظام التدريس بالساعات من دون تسوية أوضاعهم المالية منذ عامَين.
عبد العالي سماري أستاذ مساعد في جامعة حسيبة بن بو علي في ولاية الشلف (غرب)، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "التنظيم أو التجمّع هو هيكل علميّ تمّ تأسيسه بالتواصل بين عشرات الحاصلين على الدكتوراه الذين ينتظرون استحداث مناصب مالية عبر مختلف الجامعات"، لافتاً إلى أنّ "هذا التنظيم تمكّن من تسمية مسؤولين عنه في كلّ ولايات الوطن من أجل تعبئة الحاصلين على الشهادات العليا في النظام الدراسي القديم (ماجستير ودكتوراه) وعقد اجتماعات في الولايات الكبرى، مثل قسنطينة ووهران وعنابة وتيزي وزو وورقلة والجزائر، بهدف ترتيب مطالب الكوادر والتمكّن من تصنيفها ودراستها حالة بحالة والاتفاق على المطالب الجماعية لتقديمها في عريضة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي".
وثمّة ضغط كبير يُسجَّل في الجامعات الجزائرية، إذ إنّ ثمّة أساتذة متعاقدين يضطرون إلى التدريس لساعات طوال في انتظار الحصول على مبلغ معيّن في نهاية العام الجامعي. ويقول في هذا الإطار الأستاذ في كلية العلوم الاقتصادية في ولاية ميلة، عبد النور شليغم، لـ"العربي الجديد" إنّ هذا "أمر ينطوي على إجحاف في حقّ الآلاف، فالعمل مؤقّت والانتظار يطول للحصول في النهاية على مبلغ زهيد بالمقارنة مع الجهد المقدّم في الجامعة". ويوضح شليغم أنّ "الأساتذة المتعاقدين يلجأون إلى تدريس ساعات إضافية بهدف تمتين ملفاتهم، إذ إنّ ذلك يؤخذ بعين الاعتبار في أثناء مسابقات توظيف الأساتذة"، مؤكداً أنّ "المشوار مضنٍ للحصول على منصب في الجامعات الجزائرية على الرغم من كلّ الوعود بفتح المجال أمام الأساتذة في مختلف الجامعات".
وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قد وعدت في نهاية أغسطس/ آب الماضي بملء المناصب الشاغرة، واستحداث مناصب شغل جديدة، بالإضافة إلى تعيين أساتذة جدد بدلاً من الأساتذة المتقاعدين، بحسب تصريحات وزير التعليم العالي والبحث العلمي الطيب بوزيد. وعلى الرغم من وعود الوزارة الوصيّة، يرى المعنيّون ضرورة الضغط أكثر من أجل التوصّل إلى اتفاقات وتوظيف الحاصلين على الدكتوراه في الأعوام الأخيرة. وهذا يشير إليه الأستاذ علي بن حمودة من كلية العلوم التكنولوجية في جامعة قسنطينة، لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أنّ "المسألة تبقى في إطارها القانوني إذ إنّه لا يعقل أن تصمّ الوزارة أذنيها وتهمل المحتجّين في مختلف ولايات الجزائر في ظلّ الفراغ المسجَّل على مستوى كليات عدّة". يُذكر أنّ الوزارة كانت قد وجّهت رسالة إلى جامعات مختلفة، أعلنت أنّها في صدد إعداد مسابقات توظيف قبل نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني لأكثر من ألف أستاذ بهدف تغطية العجز على مستوى التكوين (التدريب) والتأطير (التوظيف) في كليات بحدّ ذاتها.
في السياق، ثمّة خطوة كبرى تنوي الوزارة القيام بها، تتعلّق بإحالة أكثر من 1300 أستاذ جامعي على التقاعد، وهو قرار ليس سهلاً على الوزارة الوصيّة تنفيذه في الفترة الحالية، بحسب المتابعين للشأن الأكاديمي في قطاع التعليم العالي في الجزائر. ويقول الدكتور حسن لعلامة لـ"العربي الجديد" إنّ "الذين سوف يُحالون على التقاعد بمعظمهم تجاوزوا السبعين من عمرهم، لافتاً إلى أنّ "القطاع الجامعي سوف يفقد بالتالي كفاءات كثيرة". يضيف لعلامة أنّ الأمر "أثار جدالاً بين مختلف الفاعلين في الوسط الأكاديمي في الجامعات، في بداية العام الجامعي الجديد في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي"، مقترحاً "استثمار خبرة الأساتذة الذين وصلوا إلى سنّ متقدّمة في الانتاج الفكري وتوظيف الكوادر الشابة في البحث العلمي". ويتّفق معنيون كثر مع طرح لعلامة، إذ إنّهم يرفضون إحالة زملائهم على التقاعد بطريقة عشوائية. وتقول الأستاذة نورة ضوايفية من جامعة الوادي لـ"العربي الجديد" إنّ "الجامعة في النهاية مطالبة بالحفاظ على الخبرات وتزويد مخرجاتها العلمية والمعرفية"، موضحة أنّ "الجميع في حاجة إلى أهل الخبرة. فمخرجات الجامعات هي تراكم الخبرة والتجارب والمعرفة التي تتطوّر وتحتاج دوماً إلى مؤطّر وقائد لقاطرة البحث العلمي".
ويتناول أساتذة كثر في الجامعات الجزائرية مسألة المخرجات العلمية للجامعة، بحسب الأستاذة في علوم التكنولوجيا في جامعة باب الزوار، نديرة بوطبة، التي توضح لـ"العربي الجديد" أنّ "ذلك يأتي خصوصاً في مجالَي التدريب والإشراف البحثي على مجموعات عمل من شأنها أن ترفع المستوى التعليمي في الجزائر من جهة، وتحرص من جهة أخرى على توافقه مع التطوّر الحاصل في شتّى المجالات في خارج الجامعات". وتلفت إلى أنّ "الأمر يتعدّى التوظيف التربوي في داخل الأقسام في الجامعة ليبلغ التوازن بين المدخلات الجامعية من طلاب وأساتذة وبين ما تقدّمه الجامعة لمختلف القطاعات الاقتصادية والعلمية والخدماتية، فضلاً عن مدى اتساق المخرجات مع سوق العمل".