عمر عاشور: ماجستير للدراسات الأمنية "النقدية" في معهد الدوحة

13 يناير 2019
الحاجة ملحّة للتفكير النقدي المدروس (العربي الجديد)
+ الخط -


يطلق "معهد الدوحة للدراسات العليا" ابتداءً من العام الدراسي المقبل (2019 - 2020) برنامج ماجستير "الدراسات الأمنية النقدية"، وهو الأول من نوعه عربياً. يتحدث رئيس البرنامج عمر عاشور إلى "العربي الجديد" عن مهمته ومدى ارتباطه بما تشهده عدة بلدان عربية من نزاعات واضطرابات أمنية وحروب، والمعايير التي يعتمدها.

يستمر معهد الدوحة للدراسات العليا، في العاصمة القطرية الدوحة، في تطوير عمله وضمّ اختصاصات جديدة، وهو الآن في عامه الدراسي الرابع. فقد افتتح المعهد عامه الدراسي الأوّل في 2015 - 2016، ويعدّ مؤسسة خاصة غير ربحية، تعمل حصراً على تحقيق غايات تعليمية وبحثية خدمة للمجتمع. أسّس المعهد، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عام 2014 بصفته كياناً مستقلاً قانونياً. وفي يونيو/ حزيران الماضي، احتفل المعهد بتخريج الفوج الثاني الذي ضم 157 طالباً وطالبة، وتوزع خريجو الدفعة الثانية على 12 برنامجاً أكاديمياً هي العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وعلم الاجتماع والأنثربولوجيا، والإعلام والدراسات الثقافية، واللسانيات والمعجمية العربية، والأدب المقارن، والتاريخ، والفلسفة، والإدارة العامة، واقتصاديات التنمية، والسياسات العامة، والماجستير التنفيذي في الإدارة العامة، وإدارة النزاع والعمل الإنساني. وأطلق المعهد، بالشراكة مع المعهد الأوروبي للإدارة والتكنولوجيا في برلين (ESMT BERLIN)، في مارس/ آذار الماضي، برنامج الماجستير التنفيذي المزدوج في إدارة الأعمال والإدارة العامة. جديد المعهد ابتداءً من العام الدراسي 2019 - 2020، برنامج ماجستير "الدراسات الأمنية النقدية"، الذي تلقي "العربي الجديد" الضوء عليه من خلال مقابلة رئيس البرنامج، عمر عاشور:

- ماذا تعني التسمية "النقدية" تحديداً، وبمَ يختص البرنامج؟

"معهد الدوحة للدراسات العليا" في دولة قطر يطرح أول برنامج للدراسات الأمنية النقدية في المنطقة العربية والشرق الأوسط. وتأتي أهمية "النقدية" لعدة أسباب، أبرزها تمحور معظم الدراسات الأمنية "التقليدية" حول مفاهيم ومنظورات غربية (western- centrism). هناك كذلك حاجة المنطقة العربية إلى توسيع مفهوم "الأمن" ليشمل الأمن الإنساني والبيئي والغذائي والمجتمعي، وعدم حصره فقط في أمن الدول (state- centrism). أيضاً الحاجة إلى فهم ودراسة الأزمات الأمنية داخل سياقاتها الإقليمية والتاريخية، من دون عزلها عن سياقاتها التاريخية (de- contextualize/ ahistoricize) كما تفعل بعض الدراسات الأمنية التقليدية أو "الأرثوذكسية". كذلك، هناك حاجة ملحّة للتفكير النقدي المدروس في بعض النظريات السائدة في الدراسات الأمنية التقليدية، مع ضرورة المراجعة النقدية للمصطلحات، وقواعد البيانات. هناك أيضاً حاجة للاعتماد على مصادر معرفية أصلية في البحث والتدريس، وتقليل الاعتماد السائد على مصادر معرفية ثانوية أو حتى على البروباغندا المكثفة. البرنامج هو الأول من نوعه، في شمول ما يصطلح عليها بالدراسات الأمنية "الصلبة" (مثل دراسات العلاقات المدنية - العسكرية، ودراسات مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف)، والدراسات الأمنية غير التقليدية (مثل الأمن البشري والأمن البيئي والغذائي والمائي).



- هل ثمة علاقة بين إطلاق البرنامج، وما تشهده المنطقة من نزاعات وحروب؟

نعم، من دون شك، إذ لدينا حاجة ماسّة إلى برامج أكاديمية - علمية تحلل وتواكب المتغيرات الأمنية والاستراتيجية المتسارعة، وأبرزها: الحصار على قطر، وارتفاع معدلات العنف السياسي والإرهاب، سواء من تنظيمات ما دون الدولة أو من دول، واشتعال عدة أزمات وحروب إقليمية بالوكالة بما فيها من بعدين طائفي وجهوي بالنسبة إلى بعضها، بالإضافة إلى أزمات الأمن البيئي والغذائي، والتحديات المستمرة للأمن البشري العربي. المنطقة العربية تضمّ أعلى معدل في العالم للنزاعات المسلحة، وأكبر عدد من ضحايا العنف السياسي بجميع أنواعه؛ من الانقلابات العسكرية إلى قمع الأنظمة الحاكمة، والحروب الأهلية، وحتى الإرهاب والتطرف العنيف. كذلك لدينا 12 من أصل 22 نظاماً حاكماً عربياً، إما في حالة حرب مع مكونات وشرائح من مجتمعاتهم، أو في حالة حرب مع جيرانهم العرب. وبالرغم من حاجة سوق العمل إلى مهارات مؤهلة للتحليل العلمي في هذا المجال، لا وجود لأيّ برامج ماجستير في تخصص الدراسات الأمنية أو الدراسات الأمنية النقدية في دولة قطر، كما يفتقر المجال الأكاديمي العربي بشكل عام لمتخصصين جادّين في البحث الأكاديمي العلمي في حقول الدراسات الأمنية والاستراتيجية. بالمقارنة مع الوطن العربي، فإنّ في الولايات المتحدة الأميركية وحدها 119 برنامجاً للدراسات العليا في الدراسات الأمنية، وفي المملكة المتحدة هناك 79 برنامجاً بتخصصات دراسات أمنية مختلفة، مع العلم أنّ البلدين لا يعانيان من معدلات الأزمات الأمنية وتكاليف الحروب الطاحنة المرتفعة كما هي الحال في منطقتنا. عموماً، تعدّ الدراسات الأمنية واحداً من أسرع مجالات البحث والتدريس نموّاً وتطوراً في العالم الأكاديمي الغربي، مع الآلاف من الكتب والمقالات العلمية الجديدة - ذات المستوى العالي - التي نشرت خلال السنوات القليلة الماضية، وخصوصاً حول منطقتنا العربية. ولم ينعكس هذا النموّ الهائل في التدريس والبحث في مؤسسات التعليم العالي العربية.

"لدينا حاجة ماسّة إلى برامج أكاديمية - علمية" (العربي الجديد) 


- ما هي مهمة البرنامج؟

المهمة باختصار هي إعداد جيل جديد من المفكرين الاستراتيجيين، وعلماء الدراسات الأمنية القطريين والعرب، القادرين على التحليل والتأثير وتطوير وتنفيذ السياسات الاستراتيجية - الأمنية، في بيئة عالمية متغيرة ومتنوعة ثقافياً وشحيحة الموارد، وخصوصاً في القضايا المتعلقة بقطر والمنطقة. البرنامج مصمم لطلاب الدراسات العليا الملتحقين أو الساعين للالتحاق بالقوات المسلحة ووزارات الدفاع والشؤون الخارجية والأمن الداخلي، وكذلك بالسلك الجامعي ومراكز الأبحاث - في تخصص بالدراسات الأمنية والاستراتيجية، وبالصحافة والإعلام، وبالمنظمات الدولية (مثل الأمم المتحدة).

معهد الدوحة للدراسات العليا (العربي الجديد) 


- ما هي المعايير التي صمم بموجبها البرنامج، وما أبرز المقررات؟

جرت صياغة مقررات البرنامج وفقاً لأعلى المعايير الأكاديمية المتبعة في الجامعات العالمية، المتميزة في مجال الدراسات الأمنية والاستراتيجية، وبناءً على خبراتي السابقة في تأسيس برامج دراسات أمنية واستراتيجية عليا في بريطانيا. وراجع هيكل البرنامج خبراء عالميون مرموقون من جامعة أوسلو والمؤسسة النرويجية الرسمية لأبحاث الدفاع، وقسم دراسات الحرب في كلية الملك بجامعة لندن. وخضع البرنامج إلى تحديث وتطوير، بناءً على مراجعة شاملة من الرئيس وعمداء الكليات بمجلس معهد الدوحة للدراسات العليا، وكذلك من مجلس أمناء المعهد، وقد حصلنا على الاعتماد الأكاديمي للبرنامج من وزارة التعليم والتعليم العالي القطرية. يقدم برنامج الدراسات الأمنية النقدية ثماني موادّ أساسية وأربع موادّ اختيارية، والموادّ الأساسية هي: الدراسات الأمنية النقدية، والنظريات الاستراتيجية والحروب، وفهم النزاع المسلح، ومناهج البحث، والعلاقات المدنية - العسكرية، والأمن البيئي والإنساني، والأمن الإقليمي والدولي، ودراسات التنظيمات المسلحة غير الحكومية. وبناءً على هذه الموادّ والموادّ الاختيارية الأخرى، يختار الطالب موضوع رسالة الماجستير الذي سيتخصص فيه بدقة.

يوم تعريفي (العربي الجديد) 


- ما عدد الطلاب المستهدفين؟

الدراسات الأمنية متعددة التخصصات بطبيعتها، والبرنامج يرحب بخريجي الكليات العسكرية والشرطية والاستراتيجية، والإعلام والصحافة، وخريجي العلوم السياسية، والعلاقات الدولية، والجغرافيا، والتاريخ، وعلم الاجتماع، والاقتصاد، والإدارة، والاتصالات، وغيرهم من خريجي العلوم الاجتماعية، وبالتأكيد سننظر في طلبات القبول من التخصصات الأخرى. ونقدّر عدد الدفعة الأولى ما بين خمسة عشر طالباً وطالبة، وعشرين.



- ما هي شروط القبول العامة والخاصة في البرنامج؟

أولاً، أشير إلى أنّ هناك منحاً دراسية كاملة وجزئية للطلاب. أما شروط القبول فيمكن الاطلاع عليها من خلال موقع البرنامج، وموقع القبول في معهد الدوحة، وأبرزها أن يكون المتقدمون من الطلاب المتفوقين، ممن يمتازون بالمهارات والدوافع المطلوبة للدراسات العليا، مع استيفاء المعايير الآتية: حمل درجة بكالوريوس (أو إجازة) مقبولة أو أن يكون طالب (طالبة) سنة أخيرة يتوقّع تخرجه قبل شهر أغسطس/ آب من السنة التي ينوي الدراسة فيها. ويفضل أن تشتمل درجة البكالوريوس على تخصّص رئيس أو ثانوي في الدراسات الأمنية، أو في حقل ذي صلة كالعلوم السياسية، والعلاقات الدولية، ودراسات النزاعات، والدراسات العسكرية، والصحافة. لكنّ الطلاب والطالبات الحاصلين على بكالوريوس في اختصاصات أخرى سيحظون باهتمام كامل أيضاً. ثم أن يكون الطالب المتقدم حاصلاً على متوسط معدّل تراكمي 3 من أصل 4 نقاط، أو ما يعادلها في البكالوريوس. وأن يقدم الطالب رسالتي توصية من شخصيتين أكاديميتين، وخطاباً شخصياً عن الغرض من الدراسة. والخطوة الأخيرة إجراء مقابلة شخصية مع الطالب المتقدم. ويتوقع برنامج ماجستير الدراسات الأمنية النقدية أن يبدأ أول فوج طلاب فيه في سبتمبر/ أيلول 2019. وافتتحت طلبات القبول للعام الدراسي 2019 - 2020 في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتُغلق في نهاية فبراير/ شباط المقبل. ويجري إدراج المقابلات مع المرشحين والمرشحات الذين استوفوا شروط المعهد والبرنامج في لائحة في مايو/ أيار المقبل، ويبلغون قرارات القبول في نهاية يونيو/ حزيران المقبل.

نبذة

عمر عاشور أستاذ مشارك في الدراسات الأمنية والاستراتيجية، ومؤسس ورئيس برنامج الماجستير في الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة للدراسات العليا. هو مؤلف كتاب "تحولات الحركات الإسلامية المسلحة"، وعمل أستاذاً في جامعـة "إكستر" في المملكة المتحدة لتسعة أعوام (2008- 2017) وفي جامعة "ماكغيل" بكندا لعامين (2006-2008). وتولى منصب مستشار أول في الأمم المتحدة لشـؤون إصلاح القطـاع الأمني ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.