إلا أن هذا الأمر ليس سهلاً، وغالبا ما يضع الباحث عنه في موقف لا يحسد عليه، وفقا لما يؤكده وليد خالد (مدرس)، الذي يقول إنه اضطر لشراء سيارة أجرة للعمل عليها بعد انتهاء ساعات دوامه في عمله الرسمي، مبينا لـ"العربي الجديد"، أن هذا الأمر يوقعه في حرج كبير حيث يضطر للعمل كأجير لدى طلبته، وأن يقبض منهم ثمن إيصالهم إلى الوجهات التي يطلبونها.
ويضيف "على الرغم من أن عملي الثاني يوقعني في حرج متكرر، إلا أنني لن أتخلى عنه لأنه يعينني على تسديد إيجار منزلي في حي المنصور ببغداد البالغ 850 ألف دينار عراقي (ما يعادل 700 دولار أميركي)، في حين أن مرتب وظيفتي لا يتجاوز 600 ألف دينار عراقي (ما يعادل 500 دولار أميركي).
أما فؤاد خليل، وهو موظف في محكمة البياع ببغداد، فيؤكد أنه يغير مهنته يومي الجمعة والسبت (عطلة العراقيين)، موضحا لـ"العربي الجديد"، أنه يتحول الى عامل بناء، رغم ما يتطلبه هذا العمل من صبر، لتوفير دخل محترم يعينه على مصاريف الأبناء واحتياجات الأسرة الكثيرة التي في الغالب يصعب تغطيتها براتب واحد.
ويتابع "قد يستغرب المرء أن يضطر موظف بمحكمة إلى الاشتغال في عمل صعب كهذا، لكن أقول لهم إن الجوع الكافر، خاصة في ظل غلاء الأسعار وزيادة مصاريف الأبناء واحتياجات الأسرة ككل"، لافتا إلى أنه تعرض للكثير من المواقف المحرجة بسبب هذا العمل، ما دفعه إلى وضع لثام على وجهه بذريعة الشمس الحارقة خلال أوقات العمل، في حين أن الغرض هو تجنب الأعين المتلصصة والألسن السليطة.
بدورها، تؤكد مها فاروق أنها اختارت إلى جانب عملها الرسمي امتهان الخياطة، في حين أن والدتها تعمل خبازة في منطقة الفصل، وسط بغداد.
وتقول لـ"العربي الجديد": "أنا موظفة إدارية في الجامعة المستنصرية، إلا أن مرتبي ينفد في الأسبوع الثاني من الشهر، بسبب مسؤوليتي عن أمي وإخوتي الصغار بعد مقتل أبي بانفجار في الباب الشرقي ببغداد قبل خمس سنوات"، مؤكدة لـ"العربي الجديد"، أن هذا الأمر دفعها لامتهان الخياطة لمساعدة أمها التي تخبز لسكان المنطقة مقابل مبالغ مالية بسيطة.
وتشير إلى أن قدوم إحدى زميلاتها إلى منزلها بالصدفة لطلب الخبز، أدى إلى اكتشاف مهنتها ومهنة والدتها، الأمر الذي سبب لها إحراجا في الجامعة، غير أنها تجاوزت الأمر، موضحة أنه "لم يكن العمل أيا كان نوعه عيبا في يوم من الأيام، إلا أن الكلمات التي يطلقها البعض هي التي تترك أثرا جارحا في النفوس".