الدكتور بول سرحال: العقم بين الذكور في ازدياد حول العالم

لندن

كاتيا يوسف

avata
كاتيا يوسف
04 يوليو 2018
7E80E6E4-9161-4E62-AF01-0A6CD3A3F94D
+ الخط -


هل يأتي يوم تزول فيه كلمة العقم من القاموس؟ يجيب الدكتور بول سرحال: "لا أظنّ أنّنا سوف نتخلص من العقم، لكنّه من الواضح أنّ تقدّماً كبيراً سُجّل خلال السنوات الأخيرة في العلاج وأعطى أملاً كبيراً للمرضى. وعلى الرغم من النجاحات الباهرة، فإنّ ثمّة مجموعة صغيرة تبقى من دون حلّ. ما زلنا في حاجة إلى سلوك طريق طويل للتوصل إلى علاج العقم للجميع، بيد أنّه من غير المحتمل حدوث ذلك".


تصدّر الدكتور بول سرحال، أحد أشهر المتخصصين في العقم ببريطانيا والآتي من مدينة جزين اللبنانية، عناوين وسائل إعلام عالمية في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2009. هو نجح في أثناء تلقيح اصطناعي في استئصال الجين الوراثي المسبب لسرطان الثدي من البويضة قبل تلقيحها وزرعها في رحم امرأة. وتلك العملية حالت دون ظهور السرطان في عائلة أصيبت نساؤها بمعظمهنّ بسرطان الثدي. وإنجاز سرحال ساهم في الكشف عن خزين البويضات لدى تلك المرأة، وبالتالي فرص الحمل المتبقية لها، خصوصاً مع تزايد عدد النساء اللواتي ينجبنَ بعد تخطّيهنّ الخامسة والثلاثين من عمرهنّ.

ومن خلال خبرته الواسعة في مجال العقم لدى الإناث والذكور على حدّ سواء، تمكّن سرحال من جعل مركز علاج العقم والأمراض الجينية (CRGH) الذي يديره إحدى أبرز الجهات العالمية المتخصصة في التقنيات الجديدة، من قبيل التشخيص الجيني قبل الزرع وتطوير علاجات الخصوبة. يُذكر أنّ سرحال غادر وطنه لبنان في الثانية عشرة من عمره، ووصل إلى المملكة المتحدة حيث ما زال مستقراً اليوم. وهو استشاري معتمد في الطب التناسلي وعضو في الكلية الملكية لاختصاصيي التوليد والأمراض النسائية في المملكة. وفي عام 1990، جرى تعيينه مستشاراً فخرياً في الطب التناسلي وصار كذلك كبير محاضرين في كلية لندن الجامعية.

- لمع اسمكم في عالم الطب والتوليد. هل يعود ذلك إلى الإنجاز التي حققتموه قبل أعوام؟

من المستحيل أن نبني مهنة بالاعتماد على إنجاز واحد، بل الأمر مرتبط بالتزام على مدى الحياة بالطب والعلم والإنسانية على أن يدفعك التعطّش إلى العلم والمثابرة والاجتهاد في العمل. كذلك، لا بدّ من عبور أميال كثيرة للوصول إلى ما نؤمن بأنّه الأداء الأمثل على الصعيدين الأكاديمي والسريري.

- ما الذي يميّز الدكتور سرحال في مجال العقم والتوليد؟

بعد أعوام من الخبرة في مجال الإنجاب، استطعنا تطوير تقنيات عدّة تُستخدم اليوم لمساعدة المريض الذي يعاني من العقم، سواء أكان ذكراً أو أنثى. وقد أنجزنا عملاً كثيراً بالتعاون مع مستشفى كلية لندن الجامعية، يتعلق بالهيكلة ووضع تقنية التشخيص التي تسبق الزرع الجيني. وهذه التقنية تستخدم لتشخيص طفرة جينية معيّنة وأيّ جين غير طبيعي لدى المريض حين ينتمي إلى عائلة تملك تاريخاً في سرطان الثدي أو نوعا آخر من الأمراض السرطانية أو مرضا آخر قد ينتقل بالوراثة. بالتالي، فإنّ الفكرة هي تخصيب البويضة في المختبر وتكوين جنين واختبار أيّ جين غير طبيعي.

إلى ذلك، أنجزنا أوّل حالة من نوعها في العالم مرتبطة بسرطان شبكية العين، ليكون لدينا بالتالي أوّل طفل من دون هذا المرض. آنذاك، من المؤكد أنّ تقنية اختبار أو تشخيص البويضة المخصّبة كانت مجهولة، أمّا اليوم فهي إجراء شائع. ويسعدني أن أرى أنّ هذه التقنية باتت آلية ولا نحتاج إلى مختبرات كبرى لإجراء الاختبار الجيني. ومن الرائع رؤية التطوّر من المرحلة الأولية التي بات يُعمل بها بطريقة روتينية في مراكز كثيرة من خلال المختبرات المركزية.

20 في المائة من سرطانات الثدي أسبابها جينيّة (أحمد الداوودي)

- في عام 2009، استطعتم استئصال الجين الوراثي المسبب لسرطان الثدي. هل صحيح أنّ ذلك منع ظهور السرطان في عائلة أصيبت معظم نسائها بسرطان الثدي عند بلوغهنّ العشرينات؟

الطفرة الجينية المعروفة باسم (BRCA1) أو (BRCA2) قد تحمل مخاطر الإصابة بسرطان الثدي وسرطان المبيض. لذلك إن حملت المرأة هذه الطفرة، سوف ينمو سرطان الثدي لديها بنسبة 90 في المائة بينما يزيد احتمالات الإصابة بسرطان المبيض بنسبة 80 في المائة. في هذه الحالة، ينبغي استئصال الثديَين وإعادة ترميمهما. كذلك من الأفضل أن تزيل المرأة المبيضَين بعد إنجاب الأطفال الذين ترغب فيهم. يُذكر أنّ نسبة احتمال نقل الجين غير الطبيعي إلى الأولاد هي 50 في المائة. وما قمنا به هو أنّنا أخذنا بويضات من النساء اللواتي يحملنَ تلك الطفرة الجينية ووضعنا البويضات الملقحة في المختبر واختبرناها، لأنّ نصف تلك البويضات - نظرياً - تحمل الطفرة الجينية أمّا النصف الآخر فهي طبيعية. ونقلنا البويضات الملقحة الطبيعية الخالية من الطفرة الجينية إلى الرحم، بذلك، لا يتأثر الجنين بالطفرة الجينية ونكون منعنا تشكّل مرض السرطان لديه.

ومن المهم الانتباه إلى أنّني أتحدّث عن نوع واحد من سرطان الثدي، فثمّة 20 في المائة من سرطانات الثدي أسبابها جينية لكن البقيّة لا علاقة لها بالجينات بل بتأثيرات البيئة. اليوم، باتت هذه العملية معروفة ومن الطبيعي أنّ سرطان الأمعاء أو الثدي أو أيّ نوع سرطان في الجينات بات من الممكن التخلص منها في حياة الأجيال المقبلة. وهنا تكمن قوة هذه التقنية.

- هل ما زال مستحيلاً على المرأة أن تحمل أحياناً؟

بالتأكيد... حين تبلغ المرأة سنّ اليأس وقد خسرت كلّ بويضاتها، فإنّه من غير الممكن القيام بتدخلات كثيرة لهؤلاء النسوة. كذلك الأمر بالنسبة إلى اللواتي يولدنَ من دون أرحام. صحيح أنّه أمر نادر، غير أنّه يحدث أن تولد نساء بمبيضَين إنّما من دون رحم. ومن الممكن لهؤلاء أن ينجبنَ بعد زرع رحم.

يُعَدّ زرع الرحم تحدياً كبيراً لأنّه ينطوي على توصيل الأوعية الدموية للرحم. وأظنّ أنّه مع الجراحة الروبوتية سوف تصير هذه العملية أسهل بكثير. وهي كانت قد أجريت في السنوات الأخيرة لـ 40 حالة حول العالم، أولاها في السويد. وقد ولد حتى اليوم 11 طفلاً عبر هذه العملية، وقريباً جداً سوف تجري للمرة الأولى في بريطانيا. يُذكر أنّه من الممكن أن تفشل هذه العملية كأيّ عملية أخرى، والأمر يعتمد على مهارة الطبيب الجراح. لكنّه مع الوقت، سوف تحسّن الجراحة الروبوتية النتيجة.

- تشير دراسات كثيرة إلى تزايد العقم بين الرجال في العالم عموماً، وفي العالم العربي خصوصاً. ما هي الأسباب؟

العقم بين الذكور هو في ازدياد عموماً، ولا أظنّ أنّ ثمّة اختلافاً جغرافياً، بل هي مسألة تحدث في كلّ أنحاء العالم. من الواضح أنّ ثمّة انخفاضاً في كمية الحيوانات المنوية ونوعيتها، ومن الصعب تحديد سبب واحد لذلك. ثمّة نظريات كثيرة ارتبطت بالأمر، منها التلوّث أو التعرّض إلى البلاستيك، غير أنّه لم يصر إلى التأكّد من أنّها السبب المباشر الذي يؤثّر على الحيوانات المنوية. بالتأكيد، ثمّة أمور عامة من قبيل الحرارة أو بعض أنواع العلاج قد تؤثّر على النوعية والكمية. أمّا الخبر الجيّد فهو أنّه حين نعالج تلك الحالات نحصل على نسبة نجاح رائعة.




- ما هي تقنية زرع أنسجة المبيض المجمّد؟

فكرة تجميد أنسجة المبيض هي تطاول أساساً الفتيات اللواتي لم يحضنَ بعد، لأنّه حين تبلغ الفتاة نجمّد البويضات وليس الأنسجة مع نسبة نجاح عالية. وإذا أرادت المرأة المحافظة على خصوبتها لأنّها تعاني من السرطان أو من تاريخ في فشل المبيض المبكر في عائلة والدتها، حينها نؤيّد تجميد البويضات. وثمّة اختبار دم اليوم لقياس احتياطي البويضات لدى المرأة، وأقترح إجراءه لأيّ امرأة تجاوزت الثلاثين من العمر لأنّ البويضات تنخفض لديهنّ. بالتالي، يكون لديهنّ خيار تجميدها لضمان احتمال الإنجاب لاحقاً.

وأظنّ أنّ عملية تجميد البويضات باتت اليوم أمراً طبيعياً في أوروبا، لا سيّما أنّ نساء كثيرات يتابعنَ دراستهنّ ويبدأنَ بالعمل، فيمرّ الوقت ويجدنَ أنفسهنّ وقد بلغنَ الخامسة والثلاثين. وإذا لم يكن لديهنّ شريك، فإنّ خيار تجميد البويضات يبقى جيداً، مع العلم أنّه لا يضمن بالتأكيد الإنجاب. وتبقى الطريقة التي نجمع بها البويضات هي الأهم. فنحن في المركز، نعمد إلى جمعها عن طريق البطن، لأنّ النساء اللواتي لا يملكنَ شريكاً يشعرنَ بالقلق على عذريتهنّ. بالتالي، فسح ذلك مجالاً أمام النساء اللواتي يرغبنَ في تجميد بويضاتهنّ لأسباب مختلفة من دون خسارة عذريتهنّ.

- هل تأجيل المرأة الحمل إلى ما بعد سنّ الثلاثين يقلص فرصها بالإنجاب؟

تبدأ الخصوبة بالانخفاض بعد الخامسة والثلاثين لدى النساء، لذلك نؤيّد الإنجاب قبل بلوغ هذه السنّ. وطبيعياً، يكون مستوى الخصوبة جيداً حتى بلوغ 35 عاماً، حينها يبدأ الهبوط. وثمّة نساء يظننّ أحياناً أنّهنّ يستطعنَ اللجوء إلى تقنية أطفال الأنابيب من دون أن يدركنَ أنّ البويضة ذاتها يجري تلقيحها بشكل طبيعي أو عن طريق تلك التقنية. لذلك، لو نظرنا إلى معدّلات نجاح تلك التقنية، نرى أنّها تبدأ بالانخفاض مع بلوغ الخامسة والثلاثين. واليوم تساعدنا التقنية التي وضعناها لدى هؤلاء النساء.

والتشخيص الجيني لتشوّهات الصبغيات أو الكروموسومات في البويضة الملقحة يؤدّي دوراً هاماً في اختيار الأفضل منها. والقيام بذلك يلغي العلاقة ما بين السنّ ومعدّل النجاح. فمع بلوغ الخامسة والثلاثين وما فوق، يزداد معدّل البويضات التي تحمل صبغياً غير طبيعي. ولو أخذنا بويضة، نرى أنّ فيها هيكلاً صغيراً يسمّى المغزل، وهو الذي يحمل كل صبغياته. إذاً، الفكرة من ذلك هو أنّه حين تكون لدينا بويضات ملقحة في المختبر، فإنّنا نتجنّب اختيار تلك التي لا تحمل العدد الصحيح من الصبغيات، أي أنّنا نحاول الابتعاد عن اختيار بويضات عدّة مصيرها الفشل، فنختار البويضة الصحيحة، وبالتالي تلغى علاقة السنّ بالموضوع.

يمكننا أن ننقل جيناً غير طبيعي إلى أولادنا بنسبة 50 في المائة (أحمد الداوودي)

- متى يكون اللجوء إلى تقنية أطفال الأنابيب؟

لا بدّ من أن يحاول الزوجان الإنجاب لمدّة عام قبل اللجوء إلى استشارة طبية، لأنّ نحو 80 في المائة من النساء يحملنَ بعد محاولتهنّ لعام تقريباً. فنحن لسنا مثل الأرانب، ونحن لسنا من الأنواع التي تتمتع بخصوبة كبرى. وبعد مرور عام، ينبغي أن يلجأ الزوجان إلى الاختبارات الأساسية، مثل اختبار الحيوانات المنوية وكذلك البويضات والتأكد من أنّ الأنابيب غير مسدودة. ومن هناك نبدأ العمل.

- ما هي المشاكل التي يعاني منها الرجل وتجعل الحمل الطبيعي مستحيلاً؟

نصف المرضى لدينا يعانون من انخفاض معدّل الحيوانات المنوية وبعضهم لا يملكون حيوانات منوية. مع هؤلاء، نعمد إلى الجراحة. وبعد أن نصف لهم علاجاً للهرمونات لبضعة أشهر، نستخرج تلك الحيوانات المنوية جراحياً من الخصيتَين. وثمّة حالتان تستوجبان هذا النوع من العلاج، إمّا انسداد ما أو أنّهم ولدوا مع عجز في تصنيع الحيوانات المنوية.

- بعيداً عن العقم، كيف هي علاقتك بلبنان وببريطانيا؟

المجيء إلى المملكة المتحدة كان تجربة رائعة بالنسبة إلي. هنا ثقافة مختلفة وقيم مختلفة وتوقعات مختلفة، وأظنّ أنّ الثقافتَين تكملان بعضهما بعضاً. ومن الخطأ القول إنّ هذه الثقافة أفضل من الأخرى، كلتاهما تملكان نقاط قوة ونقاط ضعف. وفي حين أنّ ثقافة بلدي لبنان أثرتني، فقد اختبرت في المملكة المتحدة ثقافة غريبة جداً عني أمدّتني بقوة كبيرة داخلية وبالشجاعة لكي أستمر في التقدّم وتخطّي الحواجز.



- يقال إنّ الطبيب لا يمتلك وقته. هل تستمتع بحياتك وإن لم تكن طبيباً ما هي المهنة التي تختارها؟


صحيح، الطبّ مهمة أي أنّك لا تغلق محلّك وتذهب إلى المنزل. التفكير به أمر دائم، فثمّة حالات صعبة تتعاطف بها مع المرضى وتعيش معهم تجربتهم. إنّه أشبه بالتزام حياة حتى وإن أرهقك جسدياً ونفسياً. لذلك ينبغي الاعتياد على هذا النمط الذي يصبح جزءاً منك. ولو لم أكن طبيباً كنت سأبحر حول العالم... فأنا أحب الإبحار.





ذات صلة

الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.
الصورة

منوعات

قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي ثلاثة صحافيين لبنانيين، وأصابت آخرين، بغارة استهدفت مقر إقامتهم في حاصبيا جنوبي البلاد، فجر الجمعة
الصورة
شارك العديد من الشبان في مبادرة الحلاقة (العربي الجديد)

مجتمع

في إطار المبادرات والمساعدات المقدمة للنازحين، رحب النازحون في مدينة صيدا بمبادرة الحلاقة في ظل ظروفهم الصعبة والبطالة
الصورة
آثار القصف في منطقة البقاع في لبنان (حسين بيضون)

سياسة

تعدّدت جرائم الحرب ومنفذها واحد، وهو احتلال باتت مجازره يومية بحق المدنيين في لبنان وسلوكه مركَّز على التهجير، والتدمير، مستغلاً الصمت الدولي على انتهاكاته.
المساهمون