ناسور الولادة... إصابة مدمرة ومأساوية تصيب الأمهات

23 مايو 2018
المرأة الحامل تحتاج للرعاية أثناء الولادة وبعدها (تويتر)
+ الخط -

ندرك صعوبة ما تعانيه النساء المصابات بناسور الولادة حين نستعرض الأوصاف التي يطلقها ذوو الاختصاص والمنظمات الدولية المعنية بالصحة على تلك الحالة. يصفونها بأنها "مأساوية ومدمرة وكابوس وأخطر إصابات الولادة وأصعب من الموت"، ما يعني أن النساء يحتجن إلى الإنقاذ الفوري والعاجل.

مليونا امرأة في العالم مصابات بناسور الولادة غير المعالج، ويضاف إليهن سنوياً 100 ألف إصابة جديدة. ومن أجل التوعية بمخاطر هذا النوع من الإصابات التي يمكن علاجها، والتأكيد على ضرورة تدريب الجراحين والممرضين ليكونوا على دراية تامة بتلك الحالات، تحيي منظمات الأمم المتحدة اليوم العالمي لناسور الولادة في 23 مايو/أيار من كل عام.

وتتركز إصابات ناسور الولادة على وجه التحديد في أفريقيا جنوب الصحراء، وآسيا، والمنطقة العربية، وأميركا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي، مع العلم أن بالإمكان منع حصوله بالكامل تقريبًا لو توفرت للأمهات ولادة آمنة ورعاية صحية لها ولمولودها بعد الولادة.

ما هو ناسور الولادة؟

يعرّف صندوق الأمم المتحدة للسكان ناسور الولادة بأنه "إصابة أثناء الولادة أهملت إلى حدٍ كبير، رغم أثرها المدمر على حياة الفتيات والنساء المتضررات. تحدث غالباً نتيجة ولادة متعسرة لفترات طويلة بدون تدخّل طبي عاجل في الوقت المناسب، وإجراء جراحة قيصرية طارئة. الضغط المتواصل من رأس الجنين على عظام حوض الأم يضر بالأنسجة الرخوة، ويخلق ثقباً أو ناسوراً بين المهبل والمثانة وبين المهبل والمستقيم (الجزء الأخير من الأمعاء الغليظة يمتد حتى فتحة الشرج). وهذا الضغط الشديد والمتواصل على الأنسجة يمنع تدفق الدم إليها ويصيبها بضرر بالغ ويحدث ثقباً فيها ويسبب تآكلها مع مرور الوقت. في النهاية تنزلق الأنسجة الميتة مسببة ناسوراً يسرّب البول أو البراز باستمرار عن طريق المهبل".

وناسور الولادة نوعان، الأول هو الأكثر شيوعاً يحصل في المنطقة الواقعة بين المثانة والمهبل. والثاني الأقل شيوعاً ويحصل في الأنسجة بين المستقيم والمهبل. والجدير بالذكر أن المرأة المصابة بالنوع الثاني من ناسور الولادة تكون على الأرجح مصابة بالنوع الأول أيضاً.



النساء المصابات

ناسور الولادة يحطم حياة النساء، ويتركهن مع الشعور الدائم بالخجل والمعاناة، وغالباً ما تنبذهن أسرهن والمجتمع. يصيب الناسور ما يقدر بنحو مليوني امرأة في نحو 55 دولة منخفضة الموارد في أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا، مع زيادة تصل إلى 100 ألف امرأة إضافية يتطور لديها الناسور تطوراً مأساوياً في كل عام، في بعض أفقر المجتمعات وأكثرها حرمانا في العالم. والمحزن أن امرأة واحدة فقط من بين كل 50 امرأة تستطيع التوصل إلى علاج ناسورها.

يقول الطبيب جوستين بالوكو لوسي، رئيس قسم التوليد وأمراض النساء في مستشفى هيل أفريكا في غوما، جمهورية الكونغو الديمقراطية، لموقع "سي إن إن"، "يرون أنفسهن أمواتاً أحياء". ويشير إلى أن تسرّب البول باستمرار وأحياناً البراز من دون قدرة المرأة على ضبط ذلك أو منعه، يبعد عنها زوجها ويجعلها منبوذة من قريتها بسبب رائحة كريهة تنبعث منها، إضافة إلى عدم قدرتها على حمل أطفالها.

وتقول أليسون هيلر، طالبة الدكتوراه في جامعة واشنطن في سانت لويس، وتقود دراسة بحثية عن 50 امرأة مصابات بناسور الولادة في النيجر: "هؤلاء النساء لديهن خجل وخوف كبيران جداً. إنهن ينفقن الكثير من المال على العطور في محاولة للتغطية على الرائحة". وتشير في مقابلة مع "سي إن إن"، إلى أن أعمار النساء اللواتي شملتهن دراستها تراوحت بين 15 و70 عامًا.



وتضيف هيلير: "إن التواصل مع النساء بخصوص حالاتهن صعب، وكثيرات يرفضن مناقشة وضعهن الذي يتطلب جراحة عاجلة". وتلفت إلى أن النساء لا يعرفن أنهن مصابات بالناسور، ولا يعرفن معنى ناسور الولادة أصلاً، وأنه قابل للعلاج بالجراحة.

لكنها توضح أن المرأة منهن إذا أدركت ذلك، فهي بعيدة كل البعد عن أي مستشفى، وليس لديها المال أو وسائل النقل للوصول إلى العلاج، ناهيك عن التكلفة المتوسطة وهي 450 دولارا لجراحة الإصلاح، بالإضافة إلى الرعاية بعد العملية الجراحية.

وتذكر أن واحدة من أصغر الأطفال في دراستها هي فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً تزوجت من عمها في سن الثامنة، وأمضت ثمانية أشهر في بيع أكياس الفول السوداني المحلي من أجل جمع ما يكفي من المال لدفع ثمن سيارة أجرة حتى تتمكن من الوصول إلى مركز علاج الناسور.

 


نقص الجراحين المهرة

أبرز نقاط الضعف في الرعاية الصحية الخاصة بناسور الولادة تتمثل في النقص العالمي في الجراحين المدربين والمهرة. ولا يكفي أن يكون الطبيب جراحاً حتى يتمكن من إجراء تلك العمليات بنجاح لصعوبتها ودقتها، خصوصاً أن الضرر يتطلب أحياناً أكثر من عملية لصعوبة الحالة، ومرور وقت طويل يمتد عشرات السنين على الإصابة.

القابلة جيليان سليجر، صاحبة الخبرة الأكاديمية والميدانية الطويلة، تقول لموقع women Deliver الأميركي: "إذا أردنا تحقيق أهداف خطة التنمية 2030 علينا التوسع في التدخلات الصحية، لا سيما في المناطق التي يصعب الوصول إليها وفيها مشاكل صحية كبيرة وثقيلة تطاول الأم والوليد"، مركزة على "خدمات الولادة الآمنة والرعاية التوليدية الطارئة، لذلك يجب تدريب عدد أكبر من الجراحين لإصلاح الناسور، وتوفير المزيد من المرافق الصحية القادرة على توفير خدمات علاجية شاملة للناسور، بما في ذلك إعادة التأهيل والمساعدة الاجتماعية".



يشار إلى أن بعض حالات الولادة المتعسرة تستمر ساعات طويلة وأياماً، وتودي بحياة الأم أو الجنين. وتنتشر هذه الحالة في دول العالم الثالث الفقيرة التي تتراجع فيها الرعاية الطبية.


عوامل الخطر

إن أكثر العوامل مساهمة في تطور ونشأة هذه المشكلة الصحية يأتي في مقدمتها المخاض الطبيعي المتعسر لأيام متتالية من دون الحصول على التدخل الطبي اللازم، وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن غالبية النساء اللواتي يصبن بناسور الولادة يستمر المخاض لديهن بمعدل 3.8 أيام.


وتضاف عوامل أخرى مساعدة، منها إنجاب الفتاة طفلها الأول في سن صغيرة، صغر حجم الحوض لدى الأم، سوء التغذية وعدم حصولها على كفايتها من الكالسيوم وفيتامين د، ما قد يسبب لديها تشوهات في الحوض، كبر حجم الجنين، وضعية الجنين غير المناسبة في الرحم، تعرّض الحامل لعملية ختان في الصغر.

وتشير التقارير الطبية المتخصصة إلى أن ناسور الولادة أحياناً نتيجة إصابة المرأة بمرض السرطان أو تعرّضها للأشعة خلال عملية العلاج، أو نتيجة إجراء جراحة مهبلية غير ناجحة تماماً. ومن الممكن أن ينشأ عن عنف جنسي تعرضت له المرأة، أو عن إصابتها بمرض منقول جنسياً.



خطوات يجب اتباعها

يدرج الأطباء والجراحون جملة نصائح وتعليمات للحوامل قبل أن يحين موعد ولادتهن، منها الولادة في مركز طبي أو مستشفى، حتى وإن كانت الفحوصات المنتظمة لا تدل على علامات خطر أثناء الحمل. ويؤكدون أن الولادة تحت إشراف طبي يجب أن يشمل النساء اللاتي تقل أعمارهن عن 17 عامًا أو تزيد عن 35 عامًاً، والنساء اللواتي ولدن أكثر من 5 ولادات، والحوامل المريضات واللاتي يعانين من فقر الدم بسبب نقص الحديد، وعدم تناولهن طعامًا صحيًا كافياً، ومريضات السكري، ومن لديهن مشاكل سابقة مع الحمل والولادة مثل النزيف الشديد وارتفاع ضغط الدم أو الولادة المتعسرة.

الجدير ذكره، أن 20 في المائة من النساء المصابات يكون مصيرهن الطلاق، وإلى جانب إصابتها المذلة تبتعد عنها أسرتها وتنبذها، لأن الاعتقاد السائد هو أن وضعها ميؤوس منه ولا يعالج. لكن في النهاية على المجتمعات المحلية والدولية النظر إلى ناسور الولادة على أنه قضية إنسانية قبل أن يكون قضية نسائية.

المساهمون