مستشفيات جنوب غزة... ساعات أخيرة قبل توقف العمل

05 يوليو 2024
يعاني المستشفى الكويتي الميداني من نفاد الوقود (زياد فتيحة/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **ضغوط على مجمع ناصر الطبي**: يعاني مجمع ناصر الطبي في خانيونس من ضغوط كبيرة بعد إخلاء مستشفى غزة الأوروبي، مما أدى إلى تحويل كافة الحالات المرضية إليه، وزيادة العبء بسبب نقص الإمكانيات والمستلزمات الطبية.

- **تحديات المستشفيات الميدانية ونقص الوقود**: تعمل ثلاثة مستشفيات في خانيونس تحت ضغط كبير، وتواجه نقصاً في الوقود والمعدات، مما يهدد حياة المرضى والجرحى.

- **صعوبة التواصل ونقل الحالات الطارئة**: تعاني مستشفيات خانيونس من صعوبة في نقل الحالات الطارئة بسبب تدمير الطرق، مما يزيد من الضغط على المستشفيات المحلية ويعوق الرعاية الطارئة.

يعمل كوادر مجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس تحت ضغوط كبيرة منذ خروج مستشفى غزة الأوروبي، نهار الثلاثاء الماضي، عن الخدمة نتيجة قرار بالإخلاء، وبالتالي تحويل كافة الحالات المرضية التي كانت فيه إلى مجمع ناصر، الذي يعاني من نقص الإمكانيات ومحدودية مستلزمات تقديم الخدمات الطبية.

وتعمل  في مدينة خانيونس حالياً ثلاثة مستشفيات، هي مجمع ناصر الطبي والمستشفى الكويتي الميداني، إضافة إلى مستشفى الهيئة الطبية الدولية الميداني، والمستشفيات الثلاثة غير قادرة على تغطية الخدمات الطبية لأكبر تجمع للنازحين داخل قطاع غزة بعد النزوح الكبير من مدينة رفح، كما أن مجمع ناصر والمستشفى الكويتي معرضان للتوقف بسبب نقص الوقود، ومثلهما أربعة مراكز صحية حكومية صغيرة. 
ويخشى النازحون إلى منطقة المواصي توقف الخدمات الصحية في مجمع ناصر، أكبر مستشفيات جنوب القطاع، والذي يغطي غالبية حالات الطوارئ في المنطقة، بينما يعتبر خروج المستشفى الكويتي الميداني عن الخدمة كابوساً لمن يُحوَّلون من غرب مدينة رفح، ومن بينهم جرحى ومرضى وحالات ولادة، وكذلك بعض حالات الطوارئ المحولة من منطقة المواصي، والمستشفى بحاجة إلى الوقود والمعدات الطبية لمواصلة العمل، وأكدت إدارتا المركزين الطبيين أن أمامهما ساعات محدودة قبل الخروج عن الخدمة.
وفي حال توقف العمل في المستشفيين، فإن محافظتي جنوب قطاع غزة ستكونان من دون أي مستشفى مركزي يقدم الخدمات الطبية. ويقدر المكتب الإعلامي الحكومي أن أعداد الموجودين في مدينة رفح لا تتجاوز 100 ألف نسمة، بينما زاد عدد الموجودين في مدينة خانيونس إلى أكثر من 850 ألف نازح، فضلاً عن سكان المنطقة الذين عادوا إليها بعد الانسحاب الإسرائيلي عقب عملية الاحتلال العسكرية على المدينة، وجميع هؤلاء معرضون للخطر، خصوصاً بعد خروج جميع المراكز الصحية في مدينة رفح عن الخدمة. 

تعمل في خانيونس حالياً ثلاثة مستشفيات إضافة إلى بضعة نقاط طبية

في مجمع ناصر الطبي، تقرر تحويل حالات مرضية وجرحى من قسم الطوارئ إلى قسم المبيت لتوسيع نطاق الاستيعاب، وزيادة عدد الأجهزة المتاحة للطوارئ، خصوصاً أجهزة التنفس الاصطناعي، ورغم ذلك، لا يزال مجمع ناصر عاجزا عن تلبية الخدمة الطبية المتزايدة، وأعداد الجرحى والمرضى داخل المجمع ممن يحتاجون إلى رعاية طبية متواصلة يتجاوز 120 جريحاً ومريضاً. 
يعمل الطبيب محمد أبو شريفة في قسم الطوارئ بمجمع ناصر، ويؤكد أن العديد من الإصابات التي تصل إلى المجمع يومياً لا يتمكن الكادر الطبي من إجراء عمليات الرعاية الأولية لها بسبب كثرة الأعداد ومحدودية الطاقم الطبي، إضافة إلى النقص الحاد في المستهلكات الطبية، وأن بعض المصابين لا يتوفر لهم حتى المحلول الملحي. ومنذ إخلاء مستشفى غزة الأوروبي، استقبل مجمع ناصر عشرات المرضى والجرحى، والعديد من هؤلاء وصلوا عبر عربات تجرها الحيوانات، وآخرين حملهم أفراد من أسرهم.

يقول الطبيب أبو شريفة، لـ"العربي الجديد"، إن "عدداً من الأطباء والطواقم الطبية الذين كانوا يعملون في مستشفى غزة الأوروبي نزحوا باتجاه مجمع ناصر، لكن مساحة العمل محدودة، والضغوط متزايدة، فالمجمع بات مسؤولاً عن تغطية الخدمات الطبية لنحو 250 ألف شخص، غالبيتهم من النازحين من المنطقة الشرقية، إلى جانب عشرات آلاف النازحين في منطقة المواصي، وكذا العديد من حالات الطوارئ التي تأتي من مدينة رفح. مع تزايد أعداد المصابين، أعلنت إدارة المجمع الطبي أنها بحاجة إلى بقاء العاملين على رأس عملهم على مدار الساعة حرصاً على عدم فقدان المزيد من أرواح المرضى والمصابين، ومن بينهم حالات شديدة وخطيرة، وجرى تقسيم العمل بين الأطباء والفنيين لمتابعة تقديم الرعاية للمرضى في الأقسام المختلفة".

الصورة
تعرض مجمع ناصر الطبي للاقتحام والتدمير (دعاء الباز/الأناضول)
تعرض مجمع ناصر الطبي للاقتحام والتدمير (دعاء الباز/الأناضول)

يضيف: "هناك نقص في المعدات والمستهلكات الطبية، خصوصا مستلزمات الغيار على الجروح، والمحاليل الملحية، ما يجعل المصاب ينتظر فترات طويلة، أو لا يخضع لتغيير الضمادات او المحاليل لفترات بناءً على الأوامر الإدارية التي تحاول التعامل مع النقص الحاد في المستلزمات، لكن هذا يؤدي أحياناً إلى حدوث مضاعفات. الأوضاع حالياً أكثر سوءا، ويمكن أن يتوقف المستشفى في أي لحظة في ظل كون كميات الوقود محدودة للغاية". ويشدد أبو شريفة على أن أعداد المرضى والجرحى في العناية المركزة زادت إلى الضعف بعد النزوح الأخير، ما دفع إدارة المستشفى إلى توسيع غرف استقبال الحالات الطارئة، التي تتوافد بكثرة مع أي قصف إسرائيلي، والكثير من الجرحى يعالجون على الأرض وسط عجز كبير عن تأمين الأسرة، رغم وصول عدد من الأجهزة والأسرة من مستشفى غزة الأوروبي. 

إخلاء مستشفى غزة الأوروبي زاد الضغط على مجمع ناصر الطبي

ومن داخل المستشفى الكويتي الميداني، يقول الطبيب العام محمد قديح إنهم على مشارف التوقف عن العمل، وقُلِّص عمل الأجهزة الكهربائية لمحاولة تقليل الاستهلاك، لكنهم يخشون من خسارة الأرواح بسبب تلك الأوضاع. ويوضح لـ"العربي الجديد" أن "مرضى وجرحى مدينة خانيونس يتركزون في مجمع ناصر الطبي كونها الأكبر، ورغم الأضرار من الاستهداف الإسرائيلي، إلا أنهم يعملون بطاقة مضاعفة، لكن ما نقوم به في المستشفى الكويتي ضروري أيضاً، إذ يتحتم علينا إجراء عمليات جراحية، وتغطية حالات الطوارئ التي لا تحتاج لدخول المستشفيات الكبيرة". 
ويضيف قديح: "يصل إلينا مصابون من مدينة رفح، ونحاول التعامل معها قدر المستطاع، لكن المستشفيات الميدانية لا يمكنها أن تقوم بدور المستشفيات الكبيرة، فهي مستشفيات مؤقتة، ولا يمكنها إجراء عمليات جراحية معقدة، أو تقديم رعاية طبية كاملة، لكن على أرض الواقع، العمل مضاعف، وبعض الأطباء يشرفون على عشرات الحالات يومياً".

الصورة
إمكانيات محدودة في مستشفى شهداء الأقصى (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
يصعب إجلاء الجرحى والمرضى إلى مستشفى شهداء الأقصى (أشرف أبو عمرة/الأناضول)

وترجع المشكلة في مستشفيات مدينة خانيونس إلى صعوبة التواصل مع مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح لنقل الحالات حال التوقف المفاجئ لأي من المستشفيات والمراكز الصحية العاملة في المنطقة، فالطرق مدمرة، وشارع صلاح الدين الواصل بين المدينتين يعد منطقة خطيرة يصنفها الاحتلال الإسرائيلي باللون الأحمر، وطريق شارع البحر مدمر ما يعوق الوصول السريع. 
ويغطي مستشفى شهداء الأقصى الحالات المرضية والجرحى في محافظة وسط القطاع وسط تزايد أعداد النازحين فيها ووجود أربعة مخيمات لللاجئين الفلسطينيين فيها، ما يعني عدم وجود أي خطة طوارئ حال خروج مستشفيات خانيونس عن الخدمة. 
ويُعتبر الموجودون في منطقة المواصي من أكثر الفئات التي عملت منظمات صحية ووزارة الصحة في غزة، وحتى وكالة أونروا، على إنشاء نقاط طبية لخدمتهم ومتابعة حالاتهم، وهم يشكلون النسبة الأكبر من النازحين من مدينة رفح، وبينهم أعداد كبيرة من المرضى والجرحى الذين يتركزون في المناطق القريبة من النقاط الطبية، لكنهم يعيشون ظروفاً صعبة، فالرعاية الطبية المتوفرة تقتصر على استشارة طبية سريعة، أما على صعيد الطوارئ فهم بحاجة للتوجه إلى المستشفيات.

نقلت الستينية فايدة الخضري إلى مجمع ناصر الطبي لتوضع تحت التنفس الاصطناعي يوم الاثنين الماضي، قبل أن يتقرر إخراجها من المستشفى في اليوم التالي، لكنها عادت صباح الجمعة إلى المستشفى، لتنتظر ساعات في القسم المكتظ بالمرضى، قبل أن تُوضع على أحد الأجهزة المتلاصقة، والتي يقبع تحتها عدد كبير من المرضى.
يقول نجلها محمد الخضري: "المستشفى ممتلئ عن آخره، ونحن ننزح بشكل متكرر للبقاء بجوار مراكز الرعاية الطبية، فلدينا في العائلة جرحى ومرضى، والجميع يتلقون العلاج بصعوبة حالياً، لكن والدتي بحاجة إلى تنفس اصطناعي، وبدأت أبحث عن مكان للنزوح في دير البلح، لكني على مدار يومين لم أعثر على أي مكان".
يتلقى الجريح محمد أبو طعيمة العلاج على الأرض بسبب الاكتظاظ الكبير في المستشفى، وتتفاقم حالة ساقه المصابة بسبب عدم عثوره على غيار ومراهم. يقول لـ"العربي الجديد": "الوضع في المستشفى يشبه يوم الحشر، وبعض الأقسام مظلمة لتوفير الطاقة، ولا يوجد متنفس، والمصابون لا يجدون العلاج، وأحيانا يكون الألم غير مُتحمَّل. أنا أتألم، لكن ليس أمامي سوى الصبر، والأمل في الحصول على علاج".

المساهمون