وصل قرابة المائة ألف مهجّر إلى الشمال السوري أخيراً من مناطق الغوطة الشرقية وجنوب دمشق وريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي، بينهم أعداد كبيرة من الجرحى والمصابين والمرضى، ما تسبب في أزمات عدة، تصدّرها الملف الصحي، مع النقص في إمكانيات الرعاية الصحية.
محمد عزو، المهجّر من ريف حمص الشمالي نحو ريف إدلب، أصيب سابقاً وتعذّر علاجه، يروي لـ"العربي الجديد" جزءاً من المصاعب التي مرّ بها، موضحاً أنه كان يشكو من وجود أكياس مياه على الكبد، وأجريت له عملية في الريف الشمالي بأحد المشافي الميدانية، وتعرّض بعدها لنزيف حاد، ولم يكن بالمقدور إيقافه وشارف على الموت، وعند قدومه للشمال السوري تم تحويله مباشرة إلى مشفى باب الهوى.
وقال عزو: "ذهبت مرتين إلى العيادات في المشفى ولم أجد طبيباً مختصاً، ووضعي الصحي من سيئ إلى أسوأ، وأضطر إلى قطع مسافة 15 كيلومترا للوصول إلى المشفى. مع العلم أن تكاليف النقل تفوق إمكانياتي. كنت أترقب الخروج من شمال حمص خلال الحصار للعلاج، لكن لم يكن بمقدوري ذلك، لأن اعتماد طرق التهريب يكلف قرابة الألفي دولار، وهذا المبلغ من المستحيل توفره".
أما يعقوب محمد، أحد مصابي مدينة دوما في الغوطة الشرقية والبالغ من العمر 35 عاما، فيعاني من كسر قديم في الكتف وتهتّك في عضلات البطن نتيجة الإصابة، حاول مرارا وتكرارا العبور إلى تركيا لتلقي العلاج، لكن محاولاته قوبلت بالرفض لأن إصابته قديمة، ولا تستدعي تدخلا طبيا عاجلا.
وأضاف محمد، لـ"العربي الجديد"، أن "الخدمة الطبية التي قُدمت لي لم تكن بالمستوى المطلوب، وبما أنني كنت في أشد نقاط الحصار قساوة، لم تتوفر لي الأدوية اللازمة لعلاج التهتك لدي، وحتى العسل الذي كنت أحصل عليه أحيانا لسد جروح البطن العميقة وشفاء الجروح افتقدته، ما زاد من مأساتي". وأعرب عن تمنياته بقبول علاجه في المشافي التركية ليتخلص من آلامه اليومية.
ولنقل صورة أقرب عن الصعوبات التي تمر بها الكوادر الطبية نتيجة الأعداد الكبيرة للمصابين والمرضى بين المهجرين أخيراً، أشار الطبيب يوسف العلي، وهو أخصائي في جراحة العظام، إلى أن الوضع البيئي والظروف المعيشية القاسية، والمرافق الصحية السيئة، إضافة إلى الملابس الرديئة التي تأتي من المساعدات والاعتماد على التدفئة البدائية، والأغذية التي تحتوي قدرا يسيرا من السعرات الحرارية، والكمية الكبيرة من المواد الحافظة، كلها مسببات لانتشار واسع للأمراض بين المهجّرين.
وتابع يوسف العلي "شهدنا حالات انتشار واسع لأمراض الجهاز الهضمي، منها الحمى التيفية (تيفوئيد) والمالطية ومرضى اللشمانيا، إضافة إلى أمراض سوء النظافة الشخصية، منها الجرب وغيره". وأكد أن "المشافي والنقاط الطبية الميدانية تصطدم بعقبات عدة، منها غياب الكهرباء وسوء التخزين والفعالية المحدودة للأدوية، خصوصاً أدوية المعونة".
أما عمار أبو راكان، وهو أحد فنيي التخدير، قال لـ"العربي الجديد": "علمياً، لا يحق لي العمل مكان طبيب التخدير، لكن يجد فنيو التخدير أنفسهم ينوبون عن أطباء التخدير بسبب غيابهم أو ندرتهم". أشار إلى أن "الأعداد الكبيرة جدا للمهجرين تفوق قدرة استيعابنا، وموضوع الرعاية الصحية لهم بحاجة إلى تدخّل دولي مباشر، فلا يستطيع أي مشفى أو نقطة طبية التعامل مع تلك الأعداد"، لافتاً إلى أن "أعداداً كبيرة من الكادر الطبي هاجروا إلى أوروبا وبلدان أخرى، بسبب ظروف الحياة القاسية، والمناطق المحررة تشكو من قلة الأطباء، ما يضطر بعض الأشخاص من غير المتخصصين إلى التطوع والخضوع لدورات تدريبية والحصول على شهادات خبرة للعمل ضمن الكادر الطبي".
أما محمد مصطو، أخصائي التمريض في مشفى جرابس، فقال لـ"العربي الجديد"، "لا توجد إحصائيات عن عدد الجرحى والمصابين المهجّرين، ويتم التعامل معهم ومع المرضى مثل أبناء المنطقة من دون تمييز، أما المشكلة الأكبر التي تواجه الجرحى عموماً هي غياب مراكز العلاج التخصصية مثل العين، وفي هذه الحالة تستقبل الحالات ويجري التعامل معها ضمن الإمكانيات المتوفرة".