يقاومون للنجاح في المغرب

28 ابريل 2018
وجد نفسه في الحلاقة (Getty)
+ الخط -
معظم الأشخاص الصمّ في المغرب تتضافر العوائق لتمنع عنهم العيش الكريم. لكنّ منهم من حفر في الصخر وحقق لنفسه أقل الاحتياجات لحياة كريمة، ومنهم من شق لنفسه مساراً مهنياً ناجحاً جداً، لكنّ معظمهم أيضاً ممن تضافرت العوائق لمنعهم من ذلك العيش الكريم.

في المغرب، لا إحصاءات رسمية لعدد الأشخاص الصمّ، لكن بالرجوع إلى آخر الأرقام في هذا الصدد، كشف وزير الصحة السابق، الحسين الوردي، عام 2016، أنّ هناك نحو 130 ألف حالة إعاقة سمعية، كما يولد 630 شخصاً أصمَّ سنوياً.

تعتبر وزارة الصحة تنامي عدد الأشخاص الصم في البلاد "مشكلة صحية عامة" حاولت مقاومتها من خلال إطلاق وتفعيل الاستراتيجية الوطنية للوقاية ومكافحة الصمم، القائمة على أربعة محاور، هي: الحماية، والكشف المبكر في سن المدرسة وما قبله، والتكفل بالمراكز المتخصصة والمعتمدة، والدمج الاجتماعي والاقتصادي.

قصة فريد، في بداية خمسينياته، مع الصمم وما عاشه من أحداث، فريدة كاسمه، وتستحق السرد. يتحدث إلى "العربي الجديد" بمساعدة والدته. ولد غير أصم، فقد كان يسمع ويتكلم إلى أن جاء يوم كان يلعب صغيراً في بركة ماء مساء، ليصرخ صرخة شقت لها أبواب السماء، فأغمي عليه ولم يستفق إلّا بإعاقة سمعية كاملة.




والدة فريد الذي يعمل في مجال الحلاقة تتذكر مرحلة طفولة ابنها بالقول إنّ العائلة اعتبرت الحادثة أذى من الجنّ، فذهبت به إلى الرقاة والفقهاء لكن من دون جدوى. وفي المدرسة، كان من الصعب توفير مقعد له، فلم يتابع دراسته، لكنّ الأسرة أدخلته مدرسة لتعليم الحلاقة، لأنّها لا تعتمد على الحفظ والاستظهار مثل مؤسسات التعليم التقليدية بقدر ما ترتكز على الملاحظة بالعين ومهارة اليد.

المثير أنّ فريد برع في الحلاقة وتخرج من المعهد الخاص بذلك في العاصمة الرباط كأحد أوائل دفعته، بل استطاع أن يعمل إلى جوار حلاق محترف يساعده ويكتسب منه تجربته. يقول الرجل بلغة متثاقلة إنّه عمل سنوات مع ذلك الحلاق إلى أن تمكن من فتح محل خاص به داخل حي شعبي بالرباط. من جهتهم، يقول زبائنه إنّهم لا يجدون الراحة إلّا ومقص فريد فوق رؤوسهم "لمهارة يده التي عوضه الله بها حاسة السمع التي حرم منها، فيده ناعمة وبارعة"، بحسب أحدهم ممن اعتادوا المجيء إليه.

يتابع فريد مع والدته: "سافرت إلى أكثر من بلد عربي واستقر بي المطاف في السعودية التي اشتغلت فيها بمجال الحلاقة، واستدعيت والدي المرحوم حينها للحج على نفقتي، قبل أن أتوجه إلى موريتانيا حيث أعمل جزئياً هناك في الوقت الحالي، وتزوجت أيضاً من امرأة صماء". تعرف فريد إلى زوجته في جمعية للأشخاص الصم، وتزوجها بالرغم من اعتراض الأسرة، خوفاً من إعاقة الأطفال المستقبليين، لكنّ المفاجأة المفرحة كانت سلامة سمع طفليه.

في بيته يعامل طفليه بكلّ محبة وحنان، ويحدثهما بلغة الإشارة التي يتقنانها. لكنّه مع ذلك متقلب المزاج، لأنّه بحسب والدته، يعتمد في ردود فعله على قراءة ملامح الوجوه، وليس على الكلام: "إن بدت له ملامح الشخص الذي أمامه مريحة فإنّه يتعامل بتلقائية وثقة زائدة، وضعته يوماً ضحية نصب واحتيال".

من جهتها، تعيش الثلاثينية سمية بلواضي، وهي من الأشخاص الصم، حياة صعبة. ولدت بهذه الإعاقة الوراثية، فقد كان جدها لأمها ذا إعاقة سمعية. لم تتمكن من الدراسة لقلة عدد معاهد التعليم بالإشارة في البلاد، وهي الآتية من منطقة هامشية، جنوب البلاد، فزادتها الفاقة عزلة فوق عزلة.




انتقلت سمية إلى ضواحي العاصمة لعلها تجد عملاً يناسب إعاقتها، فاستطاعت أن تعمل في مشغل للخياطة بالحي الصناعي، لكنّها لم تستمر طويلاً هناك، بسبب سوء تفاهم بينها وبين رئيستها التي لم تتمكن من التفاهم معها. جربت بعدها أن تكون جابية في حافلة عمومية، لتغادرها أيضاً جراء مشاكل العمل اليومية غير المناسبة لوضعها. واهتدت سمية أخيراً إلى فتح مشروع صغير قوامه بيع عطور نسائية على عربة. تعتبره جيداً، إذ يعفيها من تحمل الآخرين، واستغلالهم إعاقتها. تقول إنّ أكثر ما كان يحز في نفسها نظرتان مختلفتان؛ الأولى نظرة الشفقة والعطف، والثانية نظرة التهكم والاشمئزاز.