سبعة عشر يوماً تفصل لبنان واللبنانيّين عن استحقاق السادس من مايو/ أيار... الانتخابات النيابيّة. قبل ستّة أيّام، في الثالث عشر من أبريل/ نيسان، كانت الذكرى الثالثة والأربعون لاستهلال الحرب اللبنانيّة التي اصطلح الأطراف المتخاصمون على تحديد تاريخ اختتامها في أواخر عام 1990.
في ذكرى استهلال تلك الحرب، كان نشاط للجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان، من أمام خيمة انتظارهم الطويل التي نُصِبت قبل سنوات في حديقة جبران خليل جبران في وسط بيروت. في نشاطهم، أعاد الأهالي التذكير بالقضيّة الأساس التي تعوّق إغلاق ملفّ الحرب - ما زالت الحرب مستعرّة بالنسبة إلى كثيرين - من خلال مواكبة استحقاق السادس من مايو/ أيار. هذا الاستحقاق، لا بدّ من أنّه المناسبة الفضلى لرفع الصوت أو لمحاولة رفع صوت ما.
في وسط بيروت، ظهيرة ذلك اليوم، راح الأهالي يناشدون المعنيّين العملَ على إقرار قانون "حقوق ذوي المفقودين بالمعرفة"، لا سيّما المرشّحين لتلك الانتخابات النيابيّة. هم ناشدوهم التعهّد بإقرار القانون في الندوة البرلمانيّة، ذلك القانون الذي يُصار بموجبه إلى إنشاء هيئة وطنيّة مستقلّة مهمّتها الكشف عن مصير أعزّاء فُقِدوا.
على بعد عشرات الكيلومترات من وسط العاصمة، في قرى الجبل اللبنانيّ، مثلما هي الحال في المناطق كافة، كانت الماكينات الانتخابيّة تنشط. في إحدى تلك القرى، رُفِعت لافتة عملاقة تُصوّر زعيمَين سياسيَّين. أشادت اللافتة بـ"الرمزَين الوطنيَّين" اللذَين كانا يتصافحان ضاحكَين. هما من أمراء الحرب اللبنانيّة التي ما زالت مستعرّة، ليس فقط بالنسبة إلى أهالي المخطوفين، بل كذلك بالنسبة إلى كثيرين من أهالي تلك القرية. هؤلاء لم ينسوا أنّهم من ضحايا الزعيمَين نفسَيهما. بعض منهم خسر عائلته بأكملها، وكان شاهداً على ذلك. بعض منهم هُجّر في ظروف أقلّ ما يُقال فيها إنّها مأساويّة. بعض منهم فَقَدَ أثر عزيز أو أكثر، وما زال يجهل مصيره. وغير بعيد من تلك اللافتة العملاقة، لافتة أخرى أصغر حجماً تصوّر مرشّحَين للانتخابات النيابيّة المقبلة. اللافتة تتضمّن تعابير من قبيل "شفافيّة" و"شجاعة" و"كرامة الإنسان".
في وسط بيروت، راح أهالي المخطوفين يشدّدون على أنّهم لا يهدفون إلى محاسبة أيّ كان على ما ارتُكِب في الماضي. والمرشّحان اللذان ظهرت صورتاهما على اللافتة الصغيرة في تلك القرية، هل يتعهّدان بإقرار قانون "حقوق ذوي المفقودين بالمعرفة"، تلبية لمناشدات هؤلاء الأهالي وبعضهم من ناخبيهم؟ هل ينجحان في حمل زعيمَيهما على الكشف عن مواقع مقابر جماعيّة - الزعيمان تهرّبا من ذلك حتى يومنا - أو غير ذلك، تأكيداً على الشفافيّة والشجاعة وبهدف صون كرامة كلّ إنسان فُقِدَ أثره ولم يُكشف مصيره بعد؟ هل من مجيب؟