عرض تقرير صحافي نُشر أخيراً قضيّة سجن النساء بموريتانيا في حال أردنَ التبليغ عن تعرضهنَّ لتحرّش جنسي أو اغتصاب. ومئات هنّ اللواتي يتعرّضنَ للتحرّش الجنسي وللإساءة وللاغتصاب في البلاد من دون أن يبلغنَ عن ذلك، إذ إنّه يكفي للرجل أن ينكر الأمر حتى تُتَّهم المرأة بـ"الزنا" وتُسجن.
صدمة الناجيات من العنف الجنسي تترافق وصدمة أخرى، حين يردنَ الوصول إلى العدالة. فالطريق إليها شائك للنساء جميعاً، لكنّه أشدّ صعوبة بالنسبة إلى ضحايا العنف الجنسي ويشتمل على صدمات أخرى. أن تحصل المرأة على حكم يجرّم مغتصبها يُعَدّ شكلاً من أشكال حصول النساء على العدالة ووصولهنّ إليها. الاعتراف القانوني والمجتمعي بأنّ المغتصب مجرم نال عقابه يمثّل أحد أشكال التعافي من الصدمة التي تعانيها ضحايا العنف الجنسي. لكنّ الحصول على مثل هذا الحكم قد يكون صعباً في البلدان حيث تسيطر الثقافة الأبوية الذكورية التي تخشى من جنسانية المرأة ومن جسدها. في موريتانيا مثلاً، وبحسب التقرير المشار إليه آنفاً، لا تتعاطى الجهات الأمنية والقضائية مع ضحايا العنف الجنسي بشكل حقوقي. وبالإضافة إلى التقاعس وعدم التعاطي مع شكاوى العنف الجنسي بشكل جديّ، تُنتهك كرامة النساء في أثناء التحقيق الذي تغيب عنه أسس الإجراءات التشغيلية النموذجية للعمل مع ضحايا العنف الجنسي، فلا سرية ولا خصوصية ولا مهنية. محاكمة الضحايا تتمّ "أخلاقياً". تجدر الإشارة إلى أنّ رجلَين في إسبانيا بُرّئا أخيراً من جريمة اغتصاب لأنّهما "لم يستخدما العنف"، فأدينا بالتحرّش الجنسي عوضاً عن ذلك.
في مقابل قصور القانون عن إنصاف النساء عبر تحديد التعريفات القانونية لكلّ أشكال العنف الجنسي التي تواجه المرأة، سواءً أكانت اغتصاباً أو تحرشاً جنسياً أو إساءة جنسية، تأتي جملة الأعراف والتقاليد لتقيّد النساء ضحايا العنف الجنسي والاغتصاب وتزيد من حدّة الصدمة لديهنّ، وذلك إمّا بوصمة دائمة تسبقها محاكمة أخلاقية وإمّا عبر إجبار النساء على السكوت ودفن الأمر كأنّه لم يحدث.
ما بين القانون والعرف، يقف عامل أساسي بكلّ خبث، يحرّك المؤسسات تحت شعارات أو قيم بالية وهمية. هو في الحقيقة يعبّر بصورة أساسية عن خوف ذكوري دفين من جنسانية النساء. لهذا العامل، أداة أساسية لمواجهة الخوف من جنسانية المرأة عبر السيطرة على جسدها. كلّما تحررت النساء وتحررت أجسادهنّ، اشتدّ عصب هذا العامل واشتدّت معه موجات السيطرة والإخضاع عبر التحرّش الجنسي والاغتصاب والاعتداء الجنسي.
كم كان 2018 عاماً مليئاً بتعرّض النساء لكلّ أنواع العنف الجنسي، وكم كان مليئاً بالأسئلة حول الفروق "الواضحة" بين التحرّش الجنسي والاغتصاب والتلطيش وبين العلاقة الجنسية برضا الطرفَين. كم كان عام 2018 مليئاً بقهر النساء ضحايا العنف، وبصرخات مقابلة علت لتحرير المرأة سوف تستمر لأعوام ربّما قبل استكمال بعض الإنجازات والانتصارات التي تحققت.
*ناشطة نسوية