فشل أكرم فرج الله وسامي العقبي في تحقيق حلمهما بالعيش في أوروبا، ومغادرة سِني البؤس والضنك التي يعيشانها في ليبيا. الحلم مشترك بالرغم من أنّ الأول هو من أجدابيا شرقي البلاد، والثاني من الجميل أقصى غربي البلاد. هما ببساطة يعبّران عن آمال شريحة الشباب في معظمها بالبلاد.
فرج الله (21 عاماً) تمكن من المرور غرباً إلى بلدة زليتن شرقي طرابلس، التي مكث فيها أياماً قبل أن يتمكن من الركوب في أحد قوارب المهاجرين ثم اعترضتهم سفينة إنقاذ دولية أقلتهم إلى بلدة ريغوزا، في جزيرة صقلية الإيطالية، ليقيم في أحد مراكز استضافة المهاجرين هناك. يقول لـ"العربي الجديد": "لم أرَ طرقات هذه البلدة طوال ثمانية أشهر مكثت فيها هناك باستثناء لحظات الدخول إلى المركز أو الخروج منه، فالخروج من المركز ممنوع حتى نقنع السلطات بأسباب هجرتنا". بعد ثمانية أشهر، وبعد فشله في إقناع منظمات اللاجئين في نقله إلى بلد أوروبي ليتمكن من العيش فيه، قبل بعرض العودة إلى بلده.
العقبي (18 عاماً) يعتبر أنّ فرج الله محظوظ، فهو على الأقل عاش حلمه في الهجرة لثمانية أشهر حتى وإن كانت بين جدران لم يغادرها. يروي العقبي لـ"العربي الجديد" تجربته التي يصفها بـ"الفاشلة"، بدءاً من رغبته في الالتحاق بصديق له يعيش في هولندا، نجح في الهجرة إليها بسهولة. لكنّ العقبي بدلاً من أن يمضي ثمانية أشهر في صقلية، قبع نحو شهر في مركز احتجاز بمدينة الزاوية الليبية، بعد القبض عليه رفقة مهاجرين أفارقة، وقد ظنّه خفر السواحل أفريقياً غير ليبي بسبب لون بشرته. يفسر: "دورية شرطة تابعة لخفر السواحل داهمت مكاناً فيه قوارب في صبراتة (غربي طرابلس)، كانت تستعد للانطلاق واحتجزوا المهاجرين قبل نقلهم إلى مقارّ الاحتجاز في مدينة الزاوية القريبة". عبثاً حاول العقبي الحديث إلى أفراد خفر السواحل: "من دون أي تحقيق، ومع تصويب البنادق نحونا، نقلنا إلى ثلاثة أماكن، آخرها مركز احتجاز في الزاوية كان مزدحماً. انتظرت هناك حتى تمكن خالي من التعرف إلى المكان، وأبرز للشرطة وثائقي فأطلق سراحي".
يلخص العقبي تجربته بالقول: "كانت أليمة، فقد رأيت وجهاً آخر للإنسانية، إذ تصوب البنادق على كلّ من يحاول التحرك، ويجري التعامل مع الأفارقة كأنهم من غير البشر، إذ ينادون عليهم بإشارات الأيدي من بعيد، ويتحاشون الاقتراب منهم خوفاً من انتقال أمراض يفترضون أنهم يحملونها". يتابع: "قد لا يصدق ما أرويه لكنه حقيقة. وبالرغم من ذلك، أفكر في تكرار التجربة، فالعيش في أوروبا يستحق المخاطرة مجدداً، إذ لا فارق بين الموت والعيش عالة على أمي التي ربتني حتى وصلت إلى هذه السنّ، فعلى من أتكل ووالدي متوفى، ولا أعمام لي، أما أخوالي فبالكاد يقبلون بعيش أمي معهم".
يتفق فرج والعقبي على أنّ الظروف المعيشية الصعبة التي دفعتهما للمغامرة ما زالت قائمة، لكنهما على قناعة الآن بأنّ الوصول إلى أوروبا والعيش فيها ليس في متناول اليد. يقول فرج الله إنّ من وصل إلى هناك محظوظ، لكنّ العيش فيها ليس متاحاً للجميع، إذ يجب أن تكون أسباب اللجوء مقنعة لكي تستضيفه أيّ دولة: "هو ما لم أتمكن منه، حتى رضيت أخيراً بأن تدفع لي منظمة إنسانية ثمن تذكرة المغادرة. وما أضعف من رغبتي في متابعة التجربة حنيني لأهلي والإحباط الكبير الذي عشته طوال ثمانية أشهر". ويعبّر كلاهما عن استغرابه من الصعوبات التي وضعتها دول عديدة على المهاجرين، فهؤلاء يرغبون في فرصة للعيش الكريم لا غير. يعتبران أنّ عدم منح التأشيرات بشكل شرعي يدفعهما وغيرهما إلى المخاطرة عبر البحر، للهرب من ظروف عيشهم الصعبة وأوضاع البلاد التي تزداد سوءاً.
على الرغم من أن تقارير المنظمات الدولية تتحدث عن عشرات الآلاف من المهاجرين الأفارقة، فإنّها مؤخراً بدأت في الإشارة إلى ليبيين من بينهم. مع ذلك فإنّ هجرة الشباب الليبي عبر البحر، يؤكد النقيب طارق الكبير، من جهاز خفر السواحل التابع للقوات البحرية بحكومة الوفاق، أنّها ليست جديدة، فقد رصدت منذ عام 2015. يقول لـ"العربي الجديد": "بالطبع، لا نستطيع تحديد أعداد من نجحوا في الهروب عبر البحر، لكنّ من أوقفوا منذ مطلع هذا العام يصل عددهم إلى خمسين شاباً. وتختلف الإجراءات التي اتخذت في حقهم من مكان إلى آخر". يؤكد أنّ هذا النوع من الهجرة في تراجع كبير قياساً بالسنوات الماضية، ويقول: "السبب هو فشل عشرات الشباب في دخول دول أوروبا، فالإجراءات هناك باتت مشددة، ولا تقبل الدول من يقدم أسباباً غير مقنعة للهجرة، وبالتالي تجري إعادتهم، وهو السبب الرئيس في التراجع عن فكرة الهجرة عبر البحر". يشير إلى أنّ محاضر التحقيق مع المهاجرين الشباب المعتقلين تظهر سبباً واحداً في الغالب هو العامل الاقتصادي: "أغلب من يحقق معهم حول الهجرة يؤكد أنّ البطالة وعدم توافر فرص عمل وعدم الرغبة في العمل في مجالات ممنوعة هي السبب الأول. لكنْ هناك أسباب أخرى مثل البحث عن علاج لم توفره الدولة مثلاً".
وحول شكل الإجراءات المتخذة، يقول الكبير: "كثير منهم يجري إطلاق سراحهم بوساطات شخصية من مسؤولي مناطقهم من دون تحقيق، وبعضهم يجلب إلى جهات أمنية للتحقيق معه لساعات ثم يطلق سراحه". يلفت إلى أنّ الدولة تعالج قضية المهاجرين الأفارقة التي تعتبر مشكلة كبيرة، وهناك تغاضٍ كبير عن الليبيين المهاجرين بسبب ما تعانيه مؤسسات البلاد من ضعف. يؤكد أنّ جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية لا يحوز بيانات وإحصاءات دقيقة للشباب الليبيين المهاجرين: "الانقسام الحكومي ووجود إدارتين للجهاز في الشرق والغرب يجعلان جهود الإحصاء مستحيلة، فحتى من ترجعهم دول أوروبية في الغالب يختارون دولاً مجاورة كتونس أو مصر، أو يجبرون على ذلك لكون الطيران الأوروبي لا يهبط في المطارات المحلية منذ عام 2012 بسبب الحرب".