أطلقت شابات عراقيات حملة "كفى" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للمطالبة بقانون لحماية المرأة العراقية من أي أخطار قد تتعرض لها، وذلك على خلفية سلسلة الاغتيالات التي طاولت الشهر الماضي خبيرات تجميل وعارضات أزياء وناشطات في مجال المجتمع المدني، وسط توقعات أمنية ومحلية باستمرار هذه الحوادث، لأسباب مختلفة.
ودشنت الشابات حملتهن بوضع رابط إلكتروني لعقد عدد من الاجتماعات عبر برنامج تطبيق "سكايب" خوفاً من الخروج إلى ميادين التظاهر والتعرض للخطر، موضحات أن الهدف هو دق ناقوس الخطر، والدعوة إلى الإسراع لوضع قانون يحمي حياة العراقيات من عبث العابثين.
في السياق، قالت الناشطة العراقية هديل السامرائي لـ"العربي الجديد"، إنّ "الفكرة أطلقتها إعلامية عراقية تعيش في أميركا، اختارت ناشطات يوحدهن الهمّ نفسه من أجل بحث كيفية الضغط على الحكومة في البلاد، لتفعيل وإقرار قانون حماية المرأة خلال الدورة البرلمانية الجديدة"، لافتة إلى أن "عدد المشاركات في الحملة فاق 50 امرأة، فيما سيكون التواصل مبدئيا عبر تطبيق "سكايب"، ثم بعد ذلك سنتخذ خطوات عملية".
وتابعت: "ظاهرة العنف ضد المرأة واستهدافها وقتلها، من مليشيات وعصابات إسلامية وغير إسلامية في اتساع، وبحسب التقارير التي تمكنا من إعدادها خلال العامين الماضيين فإن نسبة الدعاوى المعروضة على محاكم القضاء العراقي وصلت إلى 80 بالمئة من مجموع الدعاوى اليومية"، مشيرة إلى أن "عمليات الاغتيال التي استهدفت خبيرتي التجميل رفيف الياسري ورشا الحسن، وعارضة الأزياء تارا فارس، بالإضافة إلى الناشطة من البصرة سعاد العلي، دفعتنا إلى تدشين حملة نسوية للمطالبة بتفعيل قانون يحمي المرأة العراقية، ويسندها في حالة تهديدها أو ابتزازها".
من جانبها، قالت إحدى المشاركات في الحملة الإلكترونية ريم غازي، إن "السكوت على ما يحدث في العراق أمر غير منطقي، فالمرأة لا تزال تعنف في الشوارع ومقار العمل والدوائر الحكومية فضلاً عن المنازل، والأحداث الأخيرة التي شهدتها العاصمة من سلسلة اغتيالات في غضون شهرين، تدعو إلى التحرك للضغط على السلطات من أجل إقرار قانون يحمي المرأة من جهة، وينصفها من جهة أخرى"، موضحة لـ"العربي الجديد"، أن "حملة كفى ستكون بداية جادة لمطالبة البرلمان العراقي بإقرار قانون يحمي المرأة خلال دورته الحالية، ولا يمكن القبول بتأجيله".
ولم يتمكن العراق، خلال الحكومات التي توالت بعد الاحتلال الأميركي عام 2003 من وضع قانون يحمي المرأة، إلا أن مجلس النواب قدم في عام 2015 مسودة لقانون "العنف الأسري"، وواجه رفضاً كبيراً من الأحزاب الإسلامية في البلاد، بحجة أنه يعرض الأسرة العراقية إلى التفكك، وهو بحاجة إلى تعديلات، وكان أبرز الأحزاب اعتراضاً واحتجاجاً حزب "الفضيلة الإسلامي" الذي يعتمد على الشريعة الجعفرية في تعاملاته مع السياسة والقانون، وصاحب مشروع "القانون الجعفري" الذي أثار جدلاً واسعاً حول إمكان زواج الطفلة بعمر ثماني سنوات.
وسجّل حزب الفضيلة اعتراضه على قانون "العنف الأسري" الذي تضمّن فصلاً عن حماية المرأة، بأن القانون "ضد مبادئ الإسلام". وقال حينها في بيان، إن "القانون بصياغته المطروحة فيه من الثغرات والسعة في مفاهيم التعاريف ما يمكن أن يؤدي لنشوء مشاكل عائلية ويضعف أسس المودة والمحبة التي تشكل ضماناً فاعلاً في حماية الأسرة واستقرارها".
ووضع بعض المؤاخذات، معتبراً أن "العنف الأسري يعني أن لوزارة الداخلية العراقية الحق في أن تكون طرفاً بحل النزاعات الأسرية وعدم ربط ذلك بمفوضية حقوق الإنسان، ووجود المخبر السري داخل الأسرة، هذه الفقرات في المشروع تهديد لاستقرار العائلة العراقية".
في غضون ذلك، بيَّنت الحقوقية العراقية رواء الموسوي، أن "القوانين المتعلقة بالمرأة العراقية كلها قديمة، ولم تخضع للتعديل منذ زمن، مع أنها بأمسّ الحاجة إليه لتكون شبيهة بقوانين العالم المتحضر، مثل قانون جرائم الشرف وضرب الزوجة والاعتداء على الأطفال وغيرها"، موضحة لـ"العربي الجديد"، أنّ "تشريع وإقرار قانون العنف الأسري وتضمين فقرات المرأة وحمايتها، ستكمن المرأة من توفير الحماية لها، وستساعد على توفير دور إيواء للمعنفات منهن".
وتابعت، أن "دوافع سياسية ودينية، دفعت الكتل السياسية المشاركة في الحكم والبرلمان إلى عدم الموافقة على القانون، وعدم السماح بتمريره، وهذا أمر مخجل أن تكون المرأة العراقية عرضة للتهديد والخطر دون قانون يحميها"، مؤكدة أن "الحكومة العراقية لم تعدّ مقتل المشاهير من النساء خلال الفترة القليلة الماضية جرائم اغتيالات، إنما عدّتها جرائم جنائية، ما أدى إلى ضياع حق المقتول وذويه وعدم معرفة القاتل، ولو كان قانون حماية المرأة حاضراً ومفعلاً لكان الوضع مختلفاً، حتى إن التقارير التي تتضمن مقتل النساء لا تخرج للإعلام وتبقى في سرية تامة إلى حد مبالغ به، وصل إلى منع ذوي المقتولات من الاطلاع على التقارير الطبية أو مشاهدتها، ولا التصريح بنوع السلاح المستخدم ومصدره، ما يعني أن كارثة كبيرة تدور حول القطاع الطبي والأمني في البلاد".
وبينت أن "الحملات التطوعية والمدنية التي بادرت بها نساء عراقيات بشأن المطالبة بقانون يحميهن من المليشيات والعصابات، تعد أمراً جيداً، لأن القتلة لا يزالون طلقاء في الشوارع ولا أحد يعرف من سيقتل في الأيام المقبلة، لذلك التوجه نحو الاجتماعات الإلكترونية والتفعيل في مواقع التواصل الاجتماعي هو حل ممتاز".
بدورها، قالت النائب السابق في البرلمان العراقي انتصار الجبوري لـ"العربي الجديد"، إن "القوانين التي كانت تهم الناس وتساعدهم على الارتقاء في حياتهم، تم تعطيلها وعدم تمريرها أو إقرارها، بواسطة كتل سياسية كبيرة ومؤثرة، منها قانون حماية المرأة والعنف الأسري"، مبينة أن "الخلافات السياسية أثرت كثيراً على إقرار القوانين المهمة، خاصة تلك التي تهم المواطن، مع العلم أنها مهمة على الصعد كافة، حتى إنها تساعد على رفع شأن العراق بين دول العالم.. وتشريع هذه القوانين في البرلمان الجديد بات أمراً ضرورياً".
يشار إلى أن الأسابيع الستة الماضية، شهدت إقدام عصابات مجهولة على تصفية 4 شخصيات نسائية فنية وإعلامية بارزة وناشطة في بغداد والبصرة، بأسلحة كاتمة للصوت، ما أعاد إلى المواطنين العراقيين ذاكرة الرعب الذي عاشوه بين عامي 2005 و2008.