القتل "دفاعاً عن الشرف" في باكستان

26 أكتوبر 2018
يطالبن بحقوقهن (عارف علي/ فرانس برس)
+ الخط -
ليست قضيّة "القتل بدافع الشرف" وليدة اليوم في باكستان، بل لها جذورها منذ أمد طويل. في الآونة الأخيرة، ارتفعت نسبة تلك الجرائم حتى في المدن الكبرى، بعدما كانت تحدث بمعظمها في القرى والأرياف، حيث يتمسك الأهالي بالأعراف والتقاليد الموروثة جيلاً بعد جيل.

خلال الأيام الماضية، شغلت قضيّة قتل فتاة وخطيبها على يد عائلة الفتاة، وتحديداً شقيقها، في شمال غرب باكستان، المواطنين، وأثارت امتعاضهم الشديد، إضافة إلى الجهات والمنظمات المعنيّة بحقوق النساء وحريّتهن.

كان شاهنشاه، الشاب العشريني القاطن في مديرية صوابي القريبة من مدينة بشاور، مركز إقليم خيبربختونخوا، يحب فتاة من قريته، وكانت تبادله المشاعر. ووافقت العائلتان على زواجهما، باستثناء شقيق الفتاة، ما أدى إلى تأخير ارتباطهما.

حاولت أسرة الفتاة إقناع ابنها نياز خان (28 عاماً) القبول بزواج شقيقته من شاهنشاه، لكنّه كان يرفض بشدة من دون أي سبب، سوى أنه عرف أنها ترغب في الزواج منه، وهو أمر غير مقبول تماماً في مجتمع البشتون، حيث إن القبائل محافظة.

إذاً، رفض نياز خان أن تتزوج شقيقته بالرجل التي تحب، ووافق على شاب آخر تقدّم لخطبتها، إلا أنها لم تكن راغبة به. بعدها، فرّت الفتاة إلى منزل خطيبها شاهنشاه، إذ رفضت الزواج برجل آخر.



خلال اليوم الذي فرّت فيه الفتاة إلى منزل خطيبها، حاولت أسرة الأخير إقناع شقيقها بالقبول بهذا الزواج، من دون أية نتيجة. وفي مساء اليوم نفسه، كانت الفتاة في بيت قريب من منزل شاهنشاه (بحسب العادة البشتونية المتبعة)، في انتظار عقد قرانها، وإذ بشقيقها نياز يدخل المنزل من الخلف حاملاً سلاحاً في يده. حاولت النساء تطويقه وردعه عن القيام بأي عمل قبل دخول الرجال إلى المنزل، لكنه أطلق النار على شقيقته وأصابها في صدرها ورأسها وقتلها على الفور.

كما حاولت والدة شاهنشاه أن تحول بينه وبين شقيقته، لكنه أطلق عليها النار وأصابها في صدرها، ولقيت حتفها في وقت لاحق. ثم أطلق النار على شاهنشاه وقتله. استسلم الشاب لرجال القبيلة، الذين سلموه بدورهم إلى رجال الشرطة كي ينقلوه إلى السجن، قبل أن يمثل أمام المحكمة.

واعترف نياز بارتكاب الجريمة أمام الشرطة، وقال: "قتلت شقيقتي وخطيبها لأنهما ألحقا العار بأسرتنا وإخوتنا جميعاً، وكان الحل الأنسب هو قتلهما، كي لا يقدم أحد على مثل هذا العمل"، مضيفاً أن "طقوس الزواج عندنا معروفة، وتكون عن طريق الأقارب من دون استشارة الفتاة".

وبعيداً عن طقوس الزواج لدى البشتون، أثارت الجريمة استياء الباكستانيين عموماً، والمدافعين عن حقوق النساء خصوصاً، إذ أن جرائم قتل النساء خارجة عن القانون، وقد ارتفعت نسبتها بسبب عدم معاقبة الضالعين من جرّاء الفساد في القضاء من جهة، والثغرات الموجودة في القانون من جهة أخرى.

تقول رئيسة لجنة حقوق النساء في مقاطعة سوات شمال غرب باكستان، تبسم عدنان: "الزواج حقّ شرعي وإنساني لكلّ شاب وفتاة، ويجب أن يتمّ بإرادتهما، ولا يحق لأحد معاقبتهما أو قتلهما لمجرد أنهما أرادا الزواج. لكن في بلادنا، الأمور الاجتماعية تحدث بطريقة عجيبة وبحسب إرادة الأقارب وليس الشاب والفتاة". تضيف أن "الزواج حق للفتاة والشاب، ولا يحق للأم أو الأب أو الأخ التحكّم في إرادتهما أو منعهما من اختيار شريك حياة بخلاف رغبتهما".

كما تطالب الناشطة الحكومة الباكستانية باتخاذ خطوات جادة وفعالة من أجل التصدي لجرائم قتل الشبان والفتيات بحجة "الدفاع عن الشرف". وارتفعت جرائم القتل "دفاعاً عن الشرف"، خلال الأيام الماضية، ووصلت إلى مدن باكستانية مختلفة كمدن ملتان وسرغودها وراولنبدي وبيشاور، على الرغم من سن الحكومة الباكستانية قوانين جديدة في عام 2016، وقد صادق عليها البرلمان. ومن أبرز البنود، السجن المؤبد لكل من يقدم على قتل فتاة أو شاب بحجة الدفاع عن الشرف.



ويتعيّن على الحكومة رفع دعوى من قبلها ضد كلّ من يرتكب جريمة قتل بحق شاب أو فتاة بدافع الشرف. لكن ما يحدث أن القاتل في الغالب يكون أحد أقارب الفتاة أو الشاب، وبالتالي تحصل مصالحة بين العائلتين، أو تقدم الأسرة نفسها، نيابة عن ذوي المقتول، قبول العفو في حق القاتل. بالتالي، يطلق سراح القاتل بحسب قانون البلاد بموجب المصالحة بين الطرفين، أو عفو ذوي المقتول. وفي النتيجة، نادرة هي القضايا التي يعاقب فيها القاتل.

وتشير مؤسسات حقوقية في باكستان إلى أن 280 امرأة قتلت بحجة الدفاع عن الشرف، خلال الأشهر الستة الماضية، في وقت تشير المؤسسة الدولية لحقوق الإنسان إلى أن عدد النساء اللواتي يلقين حتفهن كل عام في باكستان بذريعة الدفاع عن الشرف يتجاوز الألف امرأة.