جهاد منعم... رحلة لجوء ناجحة في السويد قادته إلى البرلمان

07 اغسطس 2017
محاضرا في البرلمان ومتابعا لشؤون الناخبين(فيسبوك)
+ الخط -

أن يصل إلى السويد لاجئاً ويصبح سياسياً بارزاً ليس أمراً عادياً، والأصعب هو أن يصرّ على تحدّي العراقيل في مجتمعه الجديد والاندماج في الحقلين الاجتماعي والسياسي، والنجاح فيهما لم يكن سهلاً.

يقول جهاد منعم، السياسي والبرلماني السويدي، من أصل لبناني، إنه كان يطمح للعيش في بلد يحترم حقوق الإنسان ويقدّر الجهود والكفاءة، ويجعله بديلا عن وطنه الأم "بلد الحرب"، لافتاً إلى أن هذا "لم يكن خيارا هينا".

شخصيته الاجتماعية مكنته من التطور في مختلف الميادين، ومن تسلّم مهام رسمية قد يكون أبرزها أنه البرلماني الأول الذي حصد العدد الأكبر من أصوات الناخبين في مقاطعة "أوريبرو". وهو أيضاً كاتب ومحلل في الصحافة السويدية، ومتابع لشؤون اللاجئين في مقاطعته.

يقول منعم إنه "لم يكن ضغط اللاجئين على السويد في تسعينيات القرن الماضي كالسنوات الأخيرة مع تدفق الملايين منهم نحو دول أوروبا ومنها السويد مع اشتداد الحروب"، مشيراً إلى أن "تعامل السلطات مع طلبات اللجوء كان أسرع لقلة أعدادهم آنذاك، ولم يكن رفض الأجنبي بهذه الحدّة مثل اليوم، خصوصا من أحزاب اليمين المحافظ والمتطرف".

ويوضح أنه بعد تخرجه مهندساً معمارياً من الاتحاد السوفياتي سابقا عام 1989، توجه وزوجته سفيتلانا وهي روسية إلى السويد طلبا للجوء "الحرب كانت مشتعلة في لبنان ومطار بيروت كان مغلقا، كما أن البقاء في روسيا لم يعد بالنسبة له حلما مع بدايات البريسترويكا".

يتذكر منعم كيف حصل على الإقامة الدائمة بعد 9 أيام من وصوله إلى مطار استوكهولم، تخللها تحقيقان الأول كان سريعاً في المطار والثاني أطول في مركز للاجئين، قبل أن يُنقل إلى مركز آخر في مدينة أوريبرو وهي مركز المقاطعة التي تحمل الاسم نفسه، والتي أصبحت مستقراً نهائياً له.

ويلفت إلى أن طالبي اللجوء في السويد اليوم الذين لا يحملون جوازات سفر أو أوراقا تثبت هويتهم، يصعب حصولهم على الإقامة الدائمة: "العدد المسجل اليوم يبلغ 120 ألف شخص، مع العلم أن كثيرين دخلوا الحدود السويدية واختفوا عن أنظار السلطات، ويصعب تأكيد أعداد من غادر منهم إلى دول أخرى أو من لا يزال مختبئا عن عيون الأمن خوفا من الترحيل". مشيراً إلى أن أعلى رقم سجله المهاجرون بلغ نحو 170 ألف لاجئ عام 2015.

ويؤكد أن طالبي اللجوء دون 18 عاماً يحصلون على الرعاية الصحية المجانية والتعليم، وأن البت بطلبات لجوء بعضهم يتأخر لشك السلطات بأن عددا منهم يسجلون أنفسهم قاصرين للاستفادة من الرعاية. ويلفت إلى اقتراح الجهات الرسمية بإجراء فحص على أسنان القاصرين للتأكد من أعمارهم الحقيقية، قوبل بالرفض من جمعيات حقوقية.

مسيرة ضد العنصرية ورهاب الأجانب(فيسبوك) 

إدماج اللاجئين


يؤكد منعم أن بعض المهاجرين أو اللاجئين تمكنوا من البروز في السويد، تبعا لكفاءاتهم وإنجازاتهم ومدى انخراطهم في المجتمع. وينوه بكفاءات اللاجئين السوريين في مجالات عدة، لا سيما في القطاع الصحي، لافتا إلى النقص في أعداد الأطباء والممرضين والقابلات القانونيات في السويد. ويبرز مهاجرون عرب في مجالات الرياضة والسياسة والأعمال وميادين أخرى.

ومن عقبات الاندماج يقول منعم "نقص التعليم والمؤهلات لدى عدد كبير من طالبي اللجوء، يقابله شرط تعلم اللغة السويدية لخوض التدريب المهني، وهي لغة صعبة ومعقدة، لهذا يكثر عدد العاطلين عن العمل بينهم، خصوصا أن الصناعات السويدية متخصصة إجمالا"، بحسب قوله.

ويؤكد أن الشباب السويدي يواجه أزمة سكن حاليا، لذلك يغدو إسكان المهاجرين وسط المدن بدلا من الضواحي مسألة ليست ميسّرة. ويقول: "نسبة اللاجئين في بعض الضواحي تصل إلى 80 في المائة، ما يجعلهم مهمشين".

وعن تجربته في الاندماج يخبرنا أنه عند استقراره في مدينة أوريبرو، بدأ بالتعرف إلى الجيران والمحيط وإلى أحوال الناس، لأن قضايا الشأن العام تعنيه. وبعد سنوات الجهد والعمل والخبرة يقول إنه بفخر وصل إلى مراكز، وتسلم مهام لم يتمكن كثيرون من نيلها.

يتقدم مسيرة الأول من مايو في عيد العمال(فيسبوك) 

النائب الأول في برلمان مقاطعة "أوريبرو"

يقول منعم إن اللغة كانت أول المعوقات أمامه، لكنه إلى جانب دراستها، "عملتُ بالترجمة مع البلدية مدة 9 أشهر تقريبا، لأنني أتقن الروسية والإنكليزية والعربية، أساعد القادمين الجدد مع المحامين والمستشفيات"، بحسب قوله.

ويضيف "بعد دراستي للاقتصاد مساء وعملي المباشر في النهار مع الناس والهيئات المختلفة تمكنت من إتقان اللغة".

وانتسب منعم إلى حزب "اليسار" السويدي بعد وصوله، ليتدرج فيه ويصبح أحد أعضاء لجنته المركزية من عام 2000 إلى 2004. مثّل حزبه في البرلمان للمرة الأولى عام 1998، واختاره الحزب ليكون الناطق الرسمي باسمه في البرلمان بانتخابات 2010 و2014. والملفت أن جهاد نال العدد الأعلى من أصوات الناخبين في الدورتين السابقتين، لذلك يسمى "النائب الأول" في برلمان المقاطعة.

ويقول: "أن تكون عضوا في البرلمان فهذا يعني أنك أحد المسؤولين عن متابعة قضايا الطبابة ومصلحة النقل والمواصلات والتعليم العالي والمطار"، ومن أبرز القضايا التي يدافع عنها ويفرضها تغطية نفقات الطبابة والصحة من عائدات الضرائب، ومنع خصخصة التأمينات الصحية، إضافة إلى عدم تشغيل العائدات في القطاع المصرفي وفي أسهم شركات التبغ وصناعة الأسلحة.

جهاد منعم يترأس جلسة الأحزاب الممثلة بالبرلمان (العربي الجديد)  



الرياضة وذوو الاحتياجات الخاصة


يقول منعم إن السويد تولي أهمية كبرى للرياضة، فمن 10 ملايين شخص وهم عدد سكان السويد هناك نحو ثلاثة ملايين شخص، بمن فيهم كبار السن، منضمون لنوادٍ وفرق رياضية. ومقاطعة أوريبرو التي تعدّ نحو 320 ألف نسمة يشارك نحو 100 ألف من سكانها في مؤسساتها الرياضية.

عمل 17 عاما في المؤسسة الاتحادية للرياضة حتى 2010، وانتخب منذ أربع سنوات عضوا في اللجنة المسؤولة عن الباراسبوربت وهي الرياضات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.

وكونه مُقعدا انضم إلى فريق كرة السلة للمقعدين في المقاطعة، وفريق السباحة أيضا. ويوضح لنا أن التسهيلات والتقديمات المخصصة لذوي الإعاقة تراجعت في السنوات الأخيرة، وكذلك الوظائف، ويقول إن "نسبة العاطلين عن العمل من ذوي الإعاقة تتراوح بين 60 إلى 70 في المائة في السويد"، لكنه يؤكد أن مستلزمات ذوي الاحتياجات الخاصة يحصلون عليها مجانا في المقاطعة، بعكس المقاطعات الأخرى.

متابعا للشؤون الرياضية الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة(فيسبوك) 



لبنان الحرب

بعد استقرار جهاد منعم ونجاحه في السويد، يقول إنه لا يفكر في العودة إلى لبنان "بلد الحرب"، وكذلك ولداه ليليان (25 عاما) وإميل (22 عاما)، إلا في زيارات متباعدة. وجهاد نال نصيبه من الحرب عندما أصيب برصاصة عام 1981 استقرت قرب عموده الفقري.

يقول: "بقيت الرصاصة في جسده أربع سنوات وخضع لعملية جراحية في روسيا عندما اقتربت من النخاع الشوكي مهددة جهازه العصبي".

ويضيف: "هي ذكرى بشعة عن الحرب اللبنانية، التي لم تجلب سوى الخراب والدمار للناس خصوصا الفقراء والمعدمين منهم.. المواطن العادي كان الخاسر الأكبر، لأن السياسيين جددوا اتفاقاتهم وتسوياتهم خلال الحرب وبعدها، لكن الناس انقسمت وتشتت وخسرت".

ويسأل "إلى أين أعود؟ أغلب اللبنانيين يأتمرون بأوامر الزعيم بدل المطالبة برغيف الخبز". ويتابع "أحب لقاء أهلي ورفاقي وأصدقائي لكن الحرب غيّرتهم وأنا أيضا تغيرت".



المساهمون