معوقو أفغانستان من دون حماية

17 يوليو 2017
حياته لم تعد كما في السابق (شاه ماراي/فرانس برس)
+ الخط -
ما من قوانين تحمي الأشخاص المعوّقين في أفغانستان، أو تضمن لهم حياة لائقة. واقع يحوّلهم إلى عبء على ذويهم، في ظلّ غياب ثقافة الدمج، باستثناء قلة ينجحون في التغلب على واقعهم. وهذا يفرض على الحكومة بذل جهود أكبر

لم يخطر في بال الشاب الأفغاني المعوّق، رفيع الله، أن يعيش هذه المعاناة في يوم من الأيام. لكن في بلد عرف الحروب على مدى عقود، يبدو الأمر منطقياً. قبل عامين، كان رفيع الله (25 عاماً)، شاباً وسيماً ونشيطاً، إلّا أنه فقد رجليه أثناء الخدمة في صفوف الجيش الأفغاني. كانت له أحلام كثيرة، حاله حال غيره من الشبان. أراد بناء منزل والزواج من ابنة عمه، واصطحاب والديه لأداء مناسك الحج. لكن أثناء تأديته وظيفته في أحد مراكز الجيش في العاصمة الأفغانية كابول، جاءه قرار من الوزارة بنقله إلى إقليم هلمند، أكثر الأقاليم توتّراً في الجنوب. ولم تمضِ أيام في هلمند حتى انفجر لغم أرضي بسيارته، ما أدى إلى مقتل اثنين من رفاقه، فيما أصيب هو بجروح بليغة، وبترت قدماه.

يوضح رفيع الله أنّه بعد وقوع التفجير، لم يعرف ما حلّ به وبرفاقه. وحين استيقظ، وجد نفسه في أحد المستشفيات، وتمنى الموت وما زال، "لأنّني أصبحت إنساناً لا حياة ولا مستقبل له، وقد دفنت كل أحلامي". في بداية الأمر، كانت والدته تساعده في يومياته، والخروج من المنزل. لكنّ بعد موتها، بات الأمر أكثر صعوبة بالنسبة إليه.

اللغم الأرضي لم يدمّر أحلام هذا الشاب فقط، بل أثّر على كل أفراد عائلته، وسلب الفرحة من وجوه أفرادها. الشقيق الأكبر عبد السميع، يتألم كلما رآى رفيع الله. يقول إنه لم يعد قادراً على الاستمتاع بالحياة بعد الحادثة التي تعرّض لها شقيقه، خصوصاً حين يتذكر أحلامه التي بات عاجزاً عن تحقيقها. اليوم، يحتاج رفيع الله إلى مساعدة في أبسط أمور الحياة.

يحاول عبد السميع مساعدة شقيقه ما استطاع، وإخراجه من البيت، لكنّه يعمل لوقت طويل. في النهار، يعمل في وزارة التعليم، وفي المساء، يبيع الأقمشة في محلّه الذي افتتحه وأحد أصدقائه، حتى يتمكن من توفير احتياجات عائلته.

في هذا السياق، يقول العضو في نقابة المحامين، سلطان محمد حميدي، إن نحو 7.2 في المائة من سكان أفغانستان معوقون، ولا يمكن لهؤلاء العمل وتوفير لقمة العيش لأسرهم. والسبب، في حالات كثيرة، هو الحروب التي تعاني منها البلاد على مدى العقود الماضية. بعض المعوقين من الآباء باتوا عاجزين عن إعالة أبنائهم، وتأمين مستوى حياة لائق لهم، أقله عدم حرمانهم من التعليم.


يؤكّد حميدي أن هناك 130 ألف شخص معوق في أفغانستان يحصلون على راتب شهري قدره 5000 أفغانية (نحو مائة دولار). لكنّ بالنسبة إليه، فإن هذا المبلغ غير كاف لهؤلاء لتأمين احتياجاتهم، لافتاً إلى حاجتهم إلى إيواء وطعام وطبابة وتعليم. يشار إلى أن هذه المساعدات هي تقدمة من المجتمع الدولي.

من جهة أخرى، يتطرّق حميدي إلى أمر مهم، وهو عدم وجود قانون للتعامل مع الأشخاص المعوقين، وقد حاولت نقابات معنية بحقوق هؤلاء إقناع الحكومة الأفغانية باعتماد قانون يتيح للمعوقين الحصول على حقوقهم، وما زال العمل مستمراً، إلّا أن تعاون الحكومة يبقى محدوداً.
ومن أبرز مطالب النقابات، ويقدر عددها بنحو 72 نقابة، إقرار قوانين جديدة تؤمّن مصالح المعوقين وتوفر لهم احتياجاتهم، كما يؤكد حميدي. وفي وقت بات عدد كبير من أهالي المعوقين عاجزين عن تلبية احتياجاتهم، إذ لا يمكنهم العمل، فقد نجح آخرون في تحدّي الإعاقة والظروف المحيطة بهم من حروب وأوضاع أمنية غير مستقرة، إضافة إلى التهميش من قبل الحكومة والمجتمع الدولي، وباتوا يؤمنون أرزاقهم من عرق جبينهم.

من بين هؤلاء الحاج حميد الله، وهو من سكان العاصمة كابول. الرجل الستيني فقد قدميه بعد سقوط قذيفة هاون على منزله في كابول. في البداية، كان يساعده بعض الأقارب، لكن احتياجات الأسرة كانت كبيرة. رفض الاستسلام لواقعه وخرج من المنزل وحصل على عمل في محطة وقود في منطقة كوتي سنكي. صحيح أنه يتعب، لكنّه يشعر بالسعادة لأنه يعتمد على نفسه، ولا يطلب المساعدة من أحد.

في المقابل، يختار عدد كبير من المعوقين التسوّل، خصوصاً في شوارع العاصمة. ويحمّل حميدي الحكومة المسؤولية بسبب عدم إتاحة بدائل للأشخاص المعوقين.

تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة المنشغلة بالملف الأمني والاقتصادي بشكل خاص، سعت خلال السنوات الأخيرة إلى الاهتمام بملفّ المعوقين، من خلال تأمين رواتب لهم، وإرسال نحو 600 شخص من أبناء الأشخاص المعوقين إلى الخارج لإكمال الدراسات العليا، وتسهيل التحاقهم بالجامعات في بلادهم. ولا يبدو أن الوضع في أفغانستان سيكون أكثر استقراراً، أقلّه في الوقت القريب، لكن على الحكومة بذل جهود أكبر لمساعدة الأشخاص المعوقين ودمجهم في المجتمع.