مشاتل غزة... سوقها يتضاءل مع الغلاء والحصار

08 ابريل 2017
المنافسة والحصار يقللان من أسعارها(محمد عابد/فرانس برس)
+ الخط -


لم يفارق الستّيني أبو مالك أبو سمرة، أشتال الورد بأشكالها وألوانها المتعددة منذ 35 عاماً، إذ أصبحت جزءاً من شخصيته المرحة، يزيّن بها مشتله الواقع وسط مدينة غزة، والذي اتخذه سبيلاً للعيش منذ شبابه، إلى أن تحوّل العمل إلى عشق، ينفث فيه هوايته المفضلة.

حلول فصل الربيع يختلف عند أبو سمرة عن باقي الفصول، إذ يشكّل له الموسم الرئيسي لبيع أشتال الورد والأشجار التي قام بزراعتها والعناية بها طيلة العام، والتي يكتظ بها مشتله، إلى جانب الأشتال التي يقوم باستيرادها من الجانب الإسرائيلي، لجذب أكبر قدر من الزبائن.

ويحتوي المشتل على النعناع، الريحان، ورود المنتور، البيتونيا، ليلة القدر، تمر الحنة، الفيكل، الياسمين البلدي، الساقصلي رخيصة الثمن ويتراوح ثمنها بين 1 و20 شيقلا (الدولار = 3.6 شيقلات) وإلى جانبها الأشتال المستوردة غالية الثمن، مثل الشوفليرا، الورد الجوري، الغاردينيا، الياسمين الأوروبي، السيكاس، الفيكاس، اليوكا الأخضر، والأصفر، السوزينيا، ويتراوح ثمنها بين 80 شيقلا وألف شيقل).

ويشرح أبو سمرة لـ "العربي الجديد" أوضاع المشاتل في قطاع غزة، منذ ثلاثة عقود حتى الآن، مبيناً وجود شريحة من الناس تهوى زراعة الورود والأشتال والعناية بها، لكن الأوضاع التي تمر بها غزة أثّرت سلباً على نوعية الأشتال التي أصبح يقتنيها الهواة، إذ أمسى إقبالهم على الرخيصة الثمن أكثر.

ويشير إلى أن استيراد بعض الأصناف أدى إلى زيادة ثمنها مقارنة بالعقود الماضية، والتي كانت فيها الأسعار رخيصة، مقارنة بدخل المواطنين، وفتح المعابر المتواصل، مضيفاً: "نعاني الآن من اشتداد الحصار، الذي أدى إلى تدهور الحالة الاقتصادية، وأثر سلباً على الإقبال".

ويبيّن أن الموسم الحالي هو الأضعف، على الرغم من توفّر مجموعة من الورود والأشتال والأشجار، موضحاً أن سوق المشاتل في غزة يتضاءل نتيجة اتجاه المواطنين إلى شراء الأولويات، "رب الأسرة يفضّل شراء طعام لأولاده في بعض الأحيان عن شراء الورد".

مشاتل مدينة غزة اختلفت في أصناف البضائع المعروضة، لكنها اتفقت في الأوضاع والحركة الشرائية، ففي شارع النصر، وسط مدينة غزة، مشتل آخر للمواطن شرف أبو سلمية، اكتظ بمختلف ألوان الورود والأشجار الجذابة، والتي فاح منها عبق العطر، ليعلن بداية الربيع، وموسم البيع.

زراعة الورد في غزة(محمد عابد/فرانس برس) 


ويقول أبو سلمية، الذي يبدأ عمله من التاسعة صباحاً حتى ساعات المساء، أن يومه يبدأ بتفقّد ورش كل الأشتال، وتقليم الأشجار وإزالة الأوراق الناشفة وتنظيف المكان، كذلك تزيين الأشتال بأوعية بلاستيكية خاصة بالأشتال، تلفت نظر الزبائن.




ويشير إلى أنه بدأ العمل في زراعة الورود منذ عام 2000، بعد أن توقف عمله داخل الأراضي المُحتلة عام 1948، إذ كان يعمل في مجال البناء، مبيناً أنه بدأ بزراعة أشجار البرتقال والليمون البلدي والبعلي والزيتون والتين وتمر الحنة، واتجه بعدها لزراعة أشتال الورد بمختلف أشكاله وأنواعه، "تربية الورد تحتاج إلى عناية أكثر من الأشجار".

المشتل يحوي مئات الأشتال المستوردة، ومنها "الأوركيدا، سحالي، بوتس، روبي، بفمباخيا، سيكاس، سنجيوم، ماجانيت، فرمانيا، إلى جانب أصناف بلدية الزراعة، كالبيتونيا، ساقصلي، غزاوي، فنكة، ملعقة، قطر الندى، رجلة، علاوة على أشجار الحمضيات واللوزيات والزينة، وأشجار النخيل والزيتون، حسب شرحه.

تحتاج إلى عناية كبيرة (عبد الحكيم أبو رياش) 


وفيما يتعلّق بالعناية بالأشتال، يوضح أنها تتم عبر رش أصناف من المبيدات الحشرية الضرورية، وأبرزها "مبيد دانيون"، الذي يقي الأوراق من التعفن، ويعمل على زيادة خصوبة التربة وزيادة الإنتاج، مشيراً إلى التأثير السلبي لانقطاع التيار الكهربائي، ويليه انقطاع الماء الذي يؤدي إلى جفاف الأشتال وموتها.

ولا يقتصر بيع أشتال الورد على المشاتل فقط، إذ يمثل موسم الربيع انتعاشة لبعض الباعة الجائلين في الشوارع والأسواق العامة ومفترقات الطرق، حيث يبدأ الباعة بتجهيز أشتالهم منذ نهاية شهر سبتمبر/أيلول، حتى مطلع شهر مارس/آذار لبيعها.

ويقول البائع المتجول زهدي أبو وردة، إنه يجهز الأشتال داخل منزله، في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، ويقوم ببيعها إلى المشاتل ومحلات بيع الورد، كذلك في الأسواق والشوارع، مضيفاً: "لا أحمل على عربتي سوى البضائع رخيصة الثمن، والتي تتناسب مع أوضاع المواطنين، إذ يفضلون الأشتال التي تتناسب مع دخلهم البسيط".

أما عن الأشتال غالية الثمن، فيقوم أبو وردة بتوفيرها للزبائن حسب الطلب، ويضيف: "بدأت العمل بهذه المهنة منذ 20 عاماً، كانت هواية، وتحولت إلى إدمان، لا يمكنني الاستغناء عنها على الرغم من دخلها البسيط، والذي أخذ في التراجع تدريجياً منذ بداية الحصار الإسرائيلي".


المساهمون