قصة صندوق الحاجة أمون ورحلته الفلسطينية

07 ابريل 2017
بقي بعد وفاة مالكته (العربي الجديد)
+ الخط -
ترك الفلسطينيون بيوتهم عام 1948، عام النكبة الذي هاجمتهم فيه العصابات الصهيونية، فقتلت من قتلت وهجّرت من هجّرت. هرب الأهالي بأرواحهم وأرواح أبنائهم عسى أن يعودوا إلى بيوتهم بعد أسابيع، حين تهزم تلك العصابات، فلم يحملوا إلا القليل معهم. وها هي الأيام مرّت ولم يعودوا إلى بيوتهم. تسعة وستون عاماً ولم يعودوا.

بعضهم بقيت مفاتيح منزله معلقة في رقبته، وآخرون تركوها في الدار، أو تحت عتبة الباب، فبيوتهم في مأمن، ولن يدخلها أحد. هكذا اعتادوا أن تكون، فالجار مؤتمن على بيت جاره مهما كلف الأمر. رحلة اللجوء ما زالت مستمرة مات كثير من الفلسطينيين خلالها في الشتات، ومن بقي من جيل النكبة تجاوز السبعين عاماً.

الحاجّة أمون من بلدة الغابسية في فلسطين المحتلة خرجت في عام النكبة عروساً. الحاجّة التي تجاوزت الثمانين في لبنان وماتت فيه قبل سنوات من دون العودة إلى فلسطين لتدفن في أرضها، كانت تحمل معها طفلتها وصندوق جهازها التقليدي. هذا الصندوق الذي تضع فيه العروس كلّ أغراضها من ملابس وعطورات وأدوات زينة لطالما تباهت أمام صديقاتها به بعد لجوئها مع أهلها إلى مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين في طرابلس، شمال لبنان. كان كلّ ما بقي لها من رائحة فلسطين التي احتفظت بها حتى آخر أيامها. ولم تكتفِ الحاجّة بالاحتفاظ بالصندوق في منزلها، بل كانت تحرص على إشراكه في معارض التراث الفلسطيني. وقبل نحو شهرين فقط، كان الصندوق يتصدر معرضاً للتراث في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في طرابلس.

تقول سمية التي تشارك بالصندوق في المعارض بعد رحيل الحاجّة وتحتفظ به في منزلها في مخيم البداوي: "هذا الصندوق يحمل معاني عديدة، أولها أننا ما زلنا متمسكين بحقنا في العودة إلى فلسطين. ولذلك، أحرص على إشراكه في كلّ المعارض التراثية حتى لا ينسى أبناؤنا تراثنا وعاداتنا وحقنا في العودة. الحاجة أمون حملته معها من فلسطين كونه من مقتنيات العروس الأكثر أهمية، فهي تخرج به من بيت أهلها في زفتها ليصل إلى منزل زوجها. بقي الصندوق معي عقب وفاة الحاجّة أمون قبل ثلاث سنوات، وأتمنى الحفاظ عليه حتى عودتنا إلى فلسطين".

مثل الحاجّة أمون كثير من الفلسطينيين. هؤلاء حملوا مفاتيح دورهم معهم، وصكوك ملكيتهم. كانوا يخافون من ضياع حقوقهم. وها هم يتوارثونها من جيل إلى جيل وما زالت الأرض تبعد أكثر مع كلّ جيل جديد. لكن، يبقى الأمل ماثلاً كما هو صندوق الحاجّة أمون الذي ما زال على سيرته الأولى.

المساهمون