مساحات خضراء ممتدة ومياه غزيرة تخترق الصحراء، ليست من نيل مصر، ولا فرات العراق، ولا حتى عاصي الشام، إنها تقع بعيدا عن ذلك بكثير، وسط صحراء نجد القاحلة، وتحديدا في محافظة المجمعة (188 كيلومترا شمال العاصمة الرياض).
رسم وادي المشقر العريق لوحة من الجمال، وسط صحراء قاسية تعاني من الجفاف معظم أوقات العام، استفاد الوادي من موجات الأمطار الغزيرة التي غمرت المنطقة خلال الشهر الماضي، ليمتلئ بالمياه العذبة التي تغذي مزارع النخيل في المنطقة، أكثر من ثلاثة ملايين نخلة تعتمد في محصولها هذا العام على تلك المياه الوفيرة.
تنساب المياه من سد المجمعة الذي جمع أكثر من خمسة ملايين متر مكعب من مياه الأمطار طيلة الشهرين الماضيين، مُشكلاً لوحات بديعة من الجمال طغت على قسوة الجبال الشاهقة والقاسية.
وتحول الوادي الجاف لنهر جار بطول ستة كيلومترات تحيط به شجيرات الغضى، وزهور الخزامى الصحراوية.
وورد مسمى المشقر في كتاب المؤرخ عبدالله بن خميس "معجم اليمامة"، وفيه وصفه بأنه من أكبر أودية الجزيرة العربية، خاصة عندما يرتبط مع رافده"الكلبي" الذي يأتي من ناحية الشمال الغربي صوب جبل "حطَّابة".
ويقول الخبير في تاريخ المنطقة فهد الزيد لـ "العربي الجديد"، إنّ "الودي يمتد لأكثر من 100 كيلومتر إلى أن يستقر ما بين روضةٌ "المزيرعة"وروضة تسمى "الخفيسة" في قلب الصحراء".
وبحسب الزيد، يتحدر وادي المشقر من أعالي سلسة جبال طويق في وسط الجزيرة العربية متجهاً شرقاً ماراً بالمجمعة وما حولها، ومخترقاً جبال المجزّل ومنتهياً برياض الخفيسة عند جبال العرمة.
ويخترق وادي المشقر منطقة سدير، يضيف الزيد :"كانت المجمعة ملتقى للتجارة قديما، منذ العصر الجاهلي، ولهذا سميت بالمجمعة لأنها منطقة تجمع البشر، فكانت منطقة تجارية شهيرة، وتبلغ مساحتها أكثر من 23 ألف كيلومتر مربع، يسكنها أكثر من 200 ألف نسمة".
ويكشف رئيس بلدية المجمعة، المهندس خلف العتيبي، أنهم استعدوا بشكل مكثف لتجهيز الوادي لاستقبال الزوار، من خلال تحسين البنية التحتية، وتمهيد الطرق ووضع دورات مياه متنقلة، ومكافحة الحشرات، بالإضافة إلى وضع لوحات إرشادية وعلامات دلالية تحذيرية خاصة في المناطق العميقة، ويقول :"جمال الوادي سيمنح المحافظة جذباً سياحياً جديداً ونحن نحاول استيعاب الحركة السياحية المتزايدة مؤخراً".