عين الحلوة... سكان المخيم يُهجّرون من جديد

صيدا

انتصار الدنان

avata
انتصار الدنان
12 ابريل 2017
A29919B2-8464-420B-B4C6-0AD71F3ADBC9
+ الخط -

في السابع من إبريل/ نيسان الجاري، اندلعت اشتباكات جديدة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، جنوبي لبنان. بعيداً عن الأسباب، يبقى سكانه المدنيون أكبر الخاسرين إذ يضطرون إلى هجر بيوتهم والترحال مرة جديدة.

في مشهد متكرر ألفه سكان مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، راح كثيرون يهربون من بعض أحيائه وسط اشتباكات مسلحة عنيفة. أم أحمد واحدة من هؤلاء اللاجئين الذين كانوا قد وجدوا لهم مسكناً في هذا المخيّم الواقع بمحاذاة مدينة صيدا، جنوبيّ لبنان، قبل زمن. على كرسيها المتحرّك كانت تبتعد عن حيّها، يجرّها أحد أبنائها قبل أن يبلغ بها سيارة الأجرة التي كانت تنتظرها على مقربة من حاجز الجيش اللبناني عند مدخل المخيّم.

في كلّ مرّة تندلع اشتباكات في عين الحلوة تتسبب فيها جماعات إرهابية متطرّفة، يسرع سكانه في الفرار من الرصاص ومن القذائف التي تختلف أنواعها. يفرّون إلى الطرقات والأرصفة حيث يحجزون لهم أمكنة، أو قد يلجؤون إلى مساجد قريبة من المخيّم.

ومخيّم عين الحلوة الذي أنشئ بعيد النكبة في عام 1948، يمتد على مساحة تقارب كيلومتراً واحداً ويستقبل اليوم نحو 95 ألف نسمة ويضم عدداً من المدارس التابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) وعدد من الروضات التابعة لمؤسسات خاصة، إلى جانب عيادتين طبيتين تابعتين للأونروا وأخرى خاصة. كذلك نجد فيه مستشفى "النداء الإنساني" الذي يلبّي حاجات المرضى والمصابين، وهو يقع على مقربة من خط التوتّر الدائم.

سكان المخيّم بغالبيتهم من الفلسطينيين، ولكن على خلفية الحرب في سورية، دخل إليه لاجئون كثر من سورية، من فلسطينيين كانوا لاجئين في سورية ومن مواطنين سوريين. أمّا انتماءات سكانه فتتوزع ما بين الفصائل الفلسطينية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية وقوى التحالف الفلسطيني والقوى الإسلامية وحركة أنصار الله. إلى تلك الجهات، ثمّة قوى تكفيرية متطرفة إرهابية تعمل دائماً على تفجير الأوضاع الأمنية في المخيّم وترهيب الناس وإقلاق راحتهم والاعتداء على أمنهم وبيوتهم واستقرارهم.




قبل خمسة أيام، مع اندلاع الاشتباكات الأخيرة، راح الناس يبحثون عن أماكن آمنة تحميهم. بيوتهم إمّا تهدّمت وإمّا لم تعد تقيهم من البارود. وكما في كلّ مرّة، لجأ بعضهم إلى الطرقات وبعض آخر إلى مسجد الموصلي القريب من المخيّم. إلى هؤلاء، قصد آخرون أقارب لهم يسكنون في مدينة صيدا.

عبد الكريم الأحمد من سكان مخيّم عين الحلوة الذين فضّلوا البقاء فيه على الرغم ممّا هو حاصل. يقول إنّ "ما يحدث هو محاولة لاجتثاث حالة ليست من النسيج الفلسطيني الوطني. ولكن ليس لدينا في المخيّم أماكن للاختباء ولا ملاجئ، ولا نملك الحدّ الأدنى من مقومات الصمود لا سيّما المتعلقة بالأمور الحياتية أو المعيشية. كذلك، لا يضمّ المخيّم سوى مستشفى واحد هو النداء الإنساني الذي يقع على خط النار. على الرغم من ذلك، يستقبل من هو في حاجة إلى ذلك". ويخبر أنّ "الرصاص الطائش طاول البيوت وكذلك القذائف، فأصيب الناس بهلع شديد وراحوا يهربون، ولا سيما النساء والأطفال وكبار السنّ. إلى ذلك، ثمّة أشخاص يعانون من أمراض مزمنة ويحتاجون إلى علاج دائم. بالتالي، عند إغلاق الصيدليات والمحال التجارية، فقد الناس احتياجاتهم الأولية من مياه وطعام ودواء". يضيف أنّ "هذا مسيء لشعبنا الفلسطيني. الفلسطينيون في العراء، يتعرّضون إلى البرد القارس وينامون على الأرصفة".

من جهتها، تخبر رشا إبراهيم وهي شابة لم تترك المخيّم منذ اندلاع الاشتباكات، أنّ "الوضع داخل المخيم متأزم جداً، ومنطقتنا فرغت من السكان بأكملها. لم يبقَ في منطقة المقدسي غير بيتنا. نحن لا نريد الخروج من المخيّم والتوجّه إلى المسجد والتعرّض إلى الإهانة في معيشتنا". تضيف: "لا نريد الخروج من المخيّم لأنّ الأمر يعني نكبة جديدة". وتشير إبراهيم إلى منطقة أخرى (أول طلعة طيطبا) ما زال سكانها فيها، "لكنّهم يخافون من التصعيد ويشعرون بقلق شديد". وتتابع أنّهم فقدوا الخبز والمياه واللبن، "وكل المواد الغذائية الأساسية بدأت تنفد لأنّ المحلات التجارية والدكاكين كلها مغلقة، كذلك فإنّها تتعرّض إلى القصف. باختصار، المخيّم يعيش حالة مأساوية".



في مسجد الموصلي الواقع على مقربة من المخيّم، تجلس الحاجة فوزية شريدي. المنطقة ليست آمنة كلياً، فالرصاص الطائش يبلغها. تقول: "أنا هنا منذ يومين. هربت مع ابنتي العزباء وابنتي المتزوجة مع أولادها الأربعة، بسبب سقوط القذائف على مقربة من منزلنا. هربنا إلى هنا، وننام على الأرض من دون أغطية ولا فرش. البرد أكل أجسامنا". تضيف: "نحن لا نريد ربطة الخبز أو عبوة المياه اللتين يقدّمونهما لنا. نحن نريد العيش بكرامة. مللنا من الوضع الذي نعيشه. في كل مرة يقتلون شخصاً وتتفاقم المعارك فيقتل ويجرح كثيرون، عدا عن الأضرار المادية في الممتلكات".

من جهته، يخبر علي سلام وهو منسق جمعية "نبع" ومدير برنامج الطوارئ فيها، أنّه "عند وقوع الاشتباك، حوصر الناس. فاتصلوا بنا لنقدم العون للعائلات المحاصرة التي انقطعت عنها المياه والخبز والمواد الغذائية الأخرى. وبالفعل قمنا بواجبنا. فتوجّهنا إلى المناطق المشتعلة. كان ذلك في اليوم الثالث من بدء المعركة. وقعت قذيفة على مقربة منّا وكدنا نصاب". يُذكر أنّ قبل ذلك بيوم واحد، تعرّض سلام وزملاؤه إلى القنص وإطلاق النار في منطقة أخرى. ويشير سلام إلى أنّ 70 عائلة تقريباً لجأت إلى مسجد الموصلي، وهو ما يعني نحو 350 شخصاً وهم في أغلبهم من الأطفال والنساء. ونحن نقدّم لهم الاحتياجات الأساسية من مياه وخبز ومأكولات سريعة".

إلى هؤلاء، تقول نسرين خطاب وهي من حيّ الطيري في المخيّم، إنّها كانت في بيروت عندما اندلعت المعارك، "واليوم عدت لأكون مع أولادي. دخلت إلى المخيّم وأخرجت اثنَين منهم، فيما بقي ابني الشاب وابنتي وزوجي هناك. رفضوا الخروج". تضيف أنّ "الأوضاع سيئة جداً هناك. خرجت ولم أتمكّن من إخراج ملابس كافية للولدين، ولا يمكنني ذلك الآن". وتشير من جهة أخرى إلى أنّها لا تعرف إن كانت "قادرة على المبيت في المسجد. ليس لديّ أغطية ولا فرش".

إلى ذلك، تأتي معاناة الحاجة أسمهان موسى مضاعفة. فهي سبق أن تركت مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سورية ولجأت إلى مخيّم عين الحلوة هرباً من الحرب في سورية. تقول: "اليوم، هجّرنا من جديد. فقد سقطت قذائف عدّة في محيط منزلنا، ما أدّى إلى تضرره بالكامل فيما هدم درج المنزل. حينها، هربت مع أولادي. تنقّلنا بين منطقة وأخرى. وعندما بلغنا منطقة الهمشري، جلسنا أرضاً". تضيف: "صادفنا امرأة لا نعرفها، لكنّها دعتنا إلى البقاء في منزل تملكه. ونحن هنا، إلى حين انتهاء التوتّر في المخيّم. لكنّنا لا نعلم إلى أين العودة. البيت الذي نقيم فيه تضرّر بالكامل". وتسأل: "من يعوّض علينا؟".

ذات صلة

الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.
الصورة

منوعات

قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي ثلاثة صحافيين لبنانيين، وأصابت آخرين، بغارة استهدفت مقر إقامتهم في حاصبيا جنوبي البلاد، فجر الجمعة
الصورة
شارك العديد من الشبان في مبادرة الحلاقة (العربي الجديد)

مجتمع

في إطار المبادرات والمساعدات المقدمة للنازحين، رحب النازحون في مدينة صيدا بمبادرة الحلاقة في ظل ظروفهم الصعبة والبطالة
الصورة
آثار القصف في منطقة البقاع في لبنان (حسين بيضون)

سياسة

تعدّدت جرائم الحرب ومنفذها واحد، وهو احتلال باتت مجازره يومية بحق المدنيين في لبنان وسلوكه مركَّز على التهجير، والتدمير، مستغلاً الصمت الدولي على انتهاكاته.