وأقرت الحكومة بناء 51 معسكرا ومخيما للنازحين في عموم مدن العراق، وفرضت في بعض تلك المعسكرات، خاصة القريبة من بغداد، إقامة جبرية تخالف الدستور العراقي الذي ينص على أن "للعراقي الحق في التنقل والإقامة بأي مكان يريد داخل العراق".
ويتذكر العراقيون هذا اليوم من عام 2015، عندما بدأ تطبيق ما عرف بـ"نظام الكفيل" على العراقيين الراغبين في دخول بغداد أو مدن وسط وجنوب العراق هربا من تنظيم الدولة، ونص النظام الذي أعدته نقابة المحامين، على أن يقوم الشخص بجلب شخص يكفله.
وقال رئيس منظمة السلام لحقوق الإنسان، محمد علي، لـ"العربي الجديد"، إن "أكثر من 800 طفل وامرأة قضوا نتيجة الجوع والبرد خلال العامين الأخيرين داخل الخيام أو في معسكرات نزوح بالية نصبت لأبناء الوطن داخل الوطن نفسه"، مضيفا أن "عدد النازحين كلما ينخفض يرجع للارتفاع، فهناك مدن تشتعل فيها الحرب ويضربها الجوع بالوقت الذي تهدأ فيه مدن أخرى".
ويقول القيادي بجبهة الحراك الشعبي، محمد عبد الله، إن "الحكومة تعاملت وما زالت بطائفية كبيرة مع ملف النازحين"، مبينا لـ"العربي الجديد"، وجود ما وصفها بـ"عمليات سرقة وفساد كبيرة في ملف إغاثتهم واختفاء مساعدات دول عربية لهم".
وسجلت الحكومة العراقية عبر دائرة الهجرة والمهجرين والمنظمات الدولية، نزوح أكثر من أربعة ملايين عراقي من محافظات الأنبار وديالى ونينوى وصلاح الدين وكركوك وحزام بغداد وبابل وواسط، بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية منتصف 2014 على مدن كاملة بينها الموصل.
ويقول أحمد صالح الجبوري (54 سنة)، وهو يسكن منزلا قيد الإنشاء في كركوك، لـ"العربي الجديد"، إن "الأوضاع الإنسانية التي مرت علينا لا يمكن لعقل إنسان أن يتصورها. لا نمتلك المال أو السكن أو حتى الطعام. عندي ثلاثة أطفال وأربع فتيات، وجميعهم يبيعون أشياء بينها المناديل في تقاطعات الشوارع لتوفير المال لشراء الطعام. العمل ليس عيباً وهو يوفر لنا ما نعيش به لحين تحرير مناطقنا في قضاء الشرقاط التابع لمحافظة صلاح الدين".
وانتقد الجبوري الحكومة العراقية التي "لم تفلح في إغاثة النازحين أو رعايتهم من خلال المنح المالية الشهرية التي تعين بعضهم على الاستمرار في الحياة. نعمل لتوفير لقمة العيش لحين العودة إلى مناطقنا إن بقيت. الخراب الذي نراه في الموصل لن يستطيع بسببه كثيرون العودة إلى مناطقهم المدمرة".
ويقول سيف أحمد صالح (16 سنة)، إن "التسمية التي ألصقت بنا هي نازحون، فهل صحيح أن يكون ابن البلد نازحا في بلده"؟ ويضيف لـ"العربي الجديد"، أن "العمل يبدأ من السابعة صباحاً، حيث تعد لي والدتي الفطور وقليلا من الخبز، وأخرج مع إخوتي لبيع المناديل في التقاطعات. هذا يوفر لنا نحو 12 ألف دينار يوميا (10 دولارات أميركية). نبقى في الشوارع حتى المساء، وأكون قريبا من إخوتي خشية الاعتداء عليهم، ونحمد الله على ما يرزقنا".
ويشير إلى أن "أهالي كركوك الطيبين يدفعون لنا أكثر من قيمة المناديل. هم يعرفون أننا نازحون، في كل الشوارع تجد النساء والأطفال يحاول كل منهم على طريقته كسب المال. نحن نعمل ولكن البعض بات يستغل اسم النازحين للتسول".
كثيرة هي قصص النازحين في العراق، ولعل أكثرها بؤسا أن يعرض أحدهم أطفاله للبيع لعدم قدرته على توفير الطعام لهم، وهو ما حدث لعائلة النازح توفيق أحمد، والمؤلفة من 5 أشخاص. عرض الوالد طفلين للبيع، ونجح في إتمام صفقة البيع مع عائلتين في محافظة كركوك.
ويحكي أب عراقي باع أطفاله القصة، طالبا عدم إظهار هويته: "اعلنت عن بيعهما لعدم قدرتي على إعالتهما، وتمت عملية البيع باتفاق مع عائلتين لم ترزقا بالأطفال، فاشترت عائلة ابنتي بسعر ستة ملايين دينار، واشترت عائلة أخرى إبني الصغير بسعر خمسة ملايين دينار، وهما الأن يعيشان مع العائلتين".
ويضيف: "تمكنت أنا وزوجتي من خلال المال الذي جنيناه من بيع الصغار من افتتاح متجر صغير لبيع وشراء المواد الغذائية، ونحاول الاستقرار لأننا لن نستطيع العودة إلى الموصل بعد ما دمر بيتنا في ضربة جوية في الساحل الأيسر، ولم يبق أحد من عائلتي".
من جهته، يقول رئيس جمعية أبناء العراق، عمار عبد العزيز، لـ"العربي الجديد"، إن "ما يمر على العراق والنازحين كارثة إنسانية مكتملة، كما فشلت الحكومة في رعاية النازحين. 40 في المائة منهم يتسولون في الشوارع، وبات الأطفال سلعة تباع وتشترى، وسجلنا حالات تزويج لقاصرات مقابل 300 دولار، وغيرها من القصص التي تعتبر وصمة عار في جبين كل مسؤول عراقي".
وأضاف أن "أكثر من حالة بيع للأطفال سجلت في مخيمات النزوح، وكذلك بيع الأعضاء البشرية. كل هذا سببه الفقر وحاجتهم لتوفير الطعام". مؤكدا أن "النازحين لم يستطيعوا ضبط الإنجاب، وهناك من هجر بعائلة من أربعة والأن أصبحوا سبعة رغم ظروفهم الصعبة".